الباحث القرآني

(p-2)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلى اللَّهِ﴾ بِأنْ أضافَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى الشَّرِيكَ أوِ الوَلَدَ ﴿وكَذَّبَ بِالصِّدْقِ﴾ أيْ بِالأمْرِ الَّذِي هو عَيْنُ الحَقِّ ونَفْسُ الصِّدْقِ وهو ما جاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿إذْ جاءَهُ﴾ أيْ في أوَّلِ مَجِيئِهِ مِن غَيْرِ تَدَبُّرٍ فِيهِ ولا تَأمُّلٍ - فَإذا - فُجائِيَّةٌ كَما صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ لَكِنِ اشْتَرَطَ فِيها في المُغْنِي أنْ تَقَعَ بَعْدَ بَيْنا أوْ بَيْنَما ونَقَلَهُ عَنْ سِيبَوَيْهِ فَلَعَلَّهُ أغْلَبِيٌّ، وقَدْ يُقالُ: هَذا المَعْنى يَقْتَضِيهِ السِّياقُ مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلى كَوْنِ إذْ فُجائِيَّةً، ثُمَّ المُرادُ أنَّ هَذا الكاذِبَ المُكَذِّبَ أظْلَمُ مِن كُلِّ ظالِمٍ ﴿ألَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكافِرِينَ﴾ أيْ لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وسارَعُوا إلى التَّكْذِيبِ بِالصِّدْقِ، ووَضَعَ الظّاهِرَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالكُفْرِ، والجَمْعُ بِاعْتِبارِ مَعْنى ( مَن ) كَما أنَّ الإفْرادَ في الضَّمائِرِ السّابِقَةِ بِاعْتِبارِ لَفْظِها أوْ لِجِنْسِ الكَفَرَةِ فَيَشْمَلُ أهْلَ الكِتابِ ويَدْخُلُ هَؤُلاءِ في الحُكْمِ دُخُولًا أوَّلِيًّا، وأيًّا ما كانَ فالمَعْنى عَلى كِفايَةِ جَهَنَّمَ مُجازاةً لَهم كَأنَّهُ قِيلَ: ألَيْسَتْ جَهَنَّمُ كافِيَةً لِلْكافِرِينَ مَثْوى كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَسْبُهم جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها﴾ [المُجادَلَةَ: 8] أيْ هي تَكْفِي عُقُوبَةً لِكُفْرِهِمْ وتَكْذِيبِهِمْ، والكِفايَةُ مَفْهُومَةٌ مِنَ السِّياقِ كَما تَقُولُ لِمَن سَألَكَ شَيْئًا: ألَمْ أُنْعِمْ عَلَيْكَ تُرِيدُ كَفاكَ سابِقُ إنْعامِي عَلَيْكَ، واسْتَدَلَّ بِالآيَةِ عَلى تَكْفِيرِ أهْلِ البِدَعِ لِأنَّهم مُكَذِّبُونَ بِما عُلِمَ صِدْقُهُ. وتُعُقِّبَ بِأنَّ «مَن كَذَّبَ» مَخْصُوصٌ بِمَن كَذَّبَ الأنْبِياءَ شِفاهًا في وقْتِ تَبْلِيغِهِمْ لا مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذْ جاءَهُ﴾ ولَوْ سُلِّمَ إطْلاقُهُ فَهم لِكَوْنِهِمْ يَتَأوَّلُونَ لَيْسُوا مُكَذِّبِينَ وما نَفَوْهُ وكَذَّبُوهُ لَيْسَ مَعْلُومًا صِدْقُهُ بِالضَّرُورَةِ إذْ لَوْ عُلِمَ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً كانَ جاحِدُهُ كافِرًا كَمُنْكِرِ فَرْضِيَّةِ الصَّلاةِ ونَحْوِها. وقالَ الخَفاجِيُّ: الأظْهَرُ أنَّ المُرادَ تَكْذِيبُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بَعْدَ ظُهُورِ المُعْجِزاتِ في أنَّ ما جاءُوا بِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى لا مُطْلَقَ التَّكْذِيبِ، وكَأنِّي بِكَ تَخْتارُ أنَّ المُتَأوِّلَ غَيْرُ مُكَذِّبٍ لَكِنْ لا عُذْرَ في تَأْوِيلٍ يَنْفِي ما عُلِمَ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب