الباحث القرآني
﴿ألا لِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ﴾ وأُجِيبَ بِأنَّ الجُمْلَةَ الأُولى اسْتِئْنافٌ وقَعَ تَعْلِيلًا لِلْأمْرِ بِإخْلاصِ العِبادَةِ وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِاخْتِصاصِ الدِّينِ بِهِ تَعالى، أيْ ألا هو سُبْحانَهُ الَّذِي يَجِبُ أنْ يُخَصَّ بِإخْلاصِ الدِّينِ لَهُ تَعالى، لِأنَّ المُتَفَرِّدَ بِصِفاتِ الأُلُوهِيَّةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها الِاطِّلاعُ عَلى السَّرائِرِ والضَّمائِرِ، وهي عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ اسْتِئْنافٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ مِنَ الأمْرِ بِإخْلاصِ الدِّينِ لَهُ - عَزَّ وجَلَّ - ووُجُوبِ الِامْتِثالِ بِهِ، وفي الإتْيانِ بِألا، واسْمِيَّةِ الجُمْلَةِ، وإظْهارِ الجَلالَةِ والدِّينِ، ووَصْفِهِ بِالخالِصِ، والتَّقْدِيمِ المُفِيدِ لِلِاخْتِصاصِ مَعَ اللّامِ المَوْضُوعَةِ لَهُ عِنْدَ بَعْضٍ ما لا يَخْفى مِنَ الدِّلالَةِ عَلى الِاعْتِناءِ بِالدِّينِ الَّذِي هو أساسُ كُلِّ خَيْرٍ، قِيلَ: ومِن هُنا يُعْلَمُ أنَّهُ لا بَأْسَ بِجَعْلِ الجُمْلَةِ تَأْكِيدًا لِلْجُمْلَةِ قَبْلَها عَلى القِراءَةِ الأخِيرَةِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ صاحِبُ التَّقْرِيبِ، وقالَ: بِتَغايُرِ دِلالَتَيِ الجُمْلَتَيْنِ إجْمالًا وتَفْصِيلًا. ورَدَّ بِذَلِكَ زَعْمَ إباءِ هَذِهِ الجُمْلَةِ صِحَّةَ تَخْرِيجِ الفَرّاءِ.
والحُقُّ أنَّهُ تَخْرِيجٌ لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَفي الكَشْفِ: لَمّا كانَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ﴾ بِمَنزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا﴾ كانَ الأصْلُ أنْ يُقالَ: فَلِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ، ثُمَّ تُرِكَ إلى: ﴿ألا لِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ﴾ مُبالَغَةً لِما عَرَفْتَ مِن أنَّهُ أقْوى الوَصْلَيْنِ، ثُمَّ صُدِّرَ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ زِيادَةً عَلى زِيادَةٍ وتَحْقِيقًا بِأنَّ غَيْرَ الخالِصِ كالعَدَمِ، فَلَوْ قُدِّرَ الِاسْتِئْنافُ التَّعْلِيلِيُّ أوَّلًا مِن دُونِ الوَصْفِ المَطْلُوبِ الَّذِي هو الأصْلُ في العِلَّةِ، ومِن دُونِ حَرْفِ التَّنْبِيهِ لِلْفائِدَةِ المَذْكُورَةِ، كانَ كَلامًا مُتَنافِرًا، ويَلْزَمُ زِيادَةُ التَّنافُرِ مِن وصْفِ الدِّينِ بِالخُلُوصِ ثانِيًا لِدِلالَتِهِ عَلى العِيِّ في الأوَّلِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ ما يُرْشِدُ إلى هَذا الوَصْفِ حَتّى يُجْعَلَ مِن بابِ الإجْمالِ والتَّفْصِيلِ، وأمّا جَعْلُهُ تَأْكِيدًا فَلا وجْهَ لَهُ لِلْوَصْفِ المَذْكُورِ، ولِأنَّ حَرْفَ التَّنْبِيهِ لا يَحْسُنُ مَوْقِعُها حِينَئِذٍ، فَإنَّها يُؤْتى بِها في ابْتِداءِ الِاسْتِئْنافِ المُضادِّ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ اهـ.
ونَصَّ العَلّامَةُ الثّانِي أيْضًا عَلى أنَّ كَوْنَ الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ تَأْكِيدًا لِلْأُولى فاسِدٌ عِنْدَ مَن لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأسالِيبِ الكَلامِ وصِياغاتِ المَعانِي، فَفِيها ما يَنْبُو عَنْهُ مَقامُ التَّأْكِيدِ، ولا يَكادُ يَقْتَرِنُ بِهِ المُؤَكَّدُ، لَكِنَّ في قَوْلِ صاحِبِ الكَشْفِ: لَيْسَ في الأوَّلِ ما يُرْشِدُ إلى وصْفِ الخُلُوصِ حَتّى يُجْعَلَ مِن بابِ الإجْمالِ والتَّفْصِيلِ بَحْثًا إذْ لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إنَّ ﴿لَهُ الدِّينَ﴾ عَلى مَعْنى الدِّينِ الكامِلِ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ كَمالَ الدِّينِ بِكَوْنِهِ خالِصًا، فَيَكُونُ في الأوَّلِ ما يُرْشِدُ إلى هَذا الوَصْفِ، نَعَمْ، وُهِّنَ ذَلِكَ التَّخْرِيجُ عَلى حالِهِ قَبْلَ هَذا البَحْثِ أمْ لَمْ يُقْبَلْ.
وقالَ أبُو حَيّانَ: الدِّينُ مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ فاعِلٌ (بِمُخْلِصًا) الواقِعِ حالًا، والرّاجِعُ لِذِي الحالِ مَحْذُوفٌ عَلى رَأْيِ البَصْرِيِّينَ، أيِ الدِّينُ مِنكَ أوْ تَكُونُ ألْ عِوَضًا مِنَ الضَّمِيرِ أيْ دِينُكَ، وعَلَيْهِ يَكُونُ وصْفُ الدِّينِ بِالإخْلاصِ، وهو وصْفُ صاحِبِهِ مِن بابِ الإسْنادِ المَجازِيِّ، كَقَوْلِهِمْ: شِعْرُ شاعِرٍ، وفي الآيَةِ دِلالَةٌ عَلى شَرَفِ الإخْلاصِ بِالعِبادَةِ، وكَمْ مِن آيَةٍ تَدُلُّ عَلى ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقاشِيِّ «أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نُعْطِي أمْوالَنا التِماسَ الأجْرِ والذِّكْرِ، فَهَلْ لَنا مِن أجْرٍ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا، قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نُعْطِي التِماسَ الذِّكْرِ، فَهَلْ لَنا أجْرٌ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”إنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَقْبَلُ إلّا مَن أخْلَصَ لَهُ“، ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - (p-235)هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ألا لِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ﴾»
ويُؤَيِّدُ هَذا أنَّ المُرادَ بِالدِّينِ في الآيَةِ الطّاعَةُ لا كَما رُوِيَ عَنْ قَتادَةَ مِن أنَّهُ شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وعَنِ الحَسَنِ مِن أنَّهُ الإسْلامُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ﴾ إلَخْ، تَحْقِيقٌ لِحَقِّيَّةِ التَّوْحِيدِ بِبُطْلانِ الشِّرْكِ لِيُعْلَمَ مِنهُ حَقِّيَّةُ الإخْلاصِ وبُطْلانُ تَرْكِهِ، وفِيهِ مِن تَرْغِيبِ المُخْلِصِينَ وتَرْهِيبِ غَيْرِهِمْ ما لا يَخْفى، والمَوْصُولُ عِبارَةٌ عَنِ المُشْرِكِينَ مِن قُرَيْشٍ وغَيْرِهِمْ كَما رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ، وأخْرَجَ جُوَيْبِرٌ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في ثَلاثَةِ أحْياءٍ عامِرٍ، وكِنانَةَ، وبَنِي سَلِمَةَ كانُوا يَعْبُدُونَ الأوْثانَ، ويَقُولُونَ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ، فالمَوْصُولُ إمّا عِبارَةٌ عَنْهُمْ، أوْ عِبارَةٌ عَمّا يَعُمُّهُمْ، وأضْرابَهم مِن عَبَدَةِ غَيْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وهو الظّاهِرُ، فَيَكُونُ الأوْلِياءُ عِبارَةٌ عَنْ كُلِّ مَعْبُودٍ باطِلٍ، كالمَلائِكَةِ وعِيسى - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - والأصْنامِ، ومَحَلُّ المَوْصُولِ رَفْعٌ عَلى الِابْتِداءِ خَبَرُهُ الجُمْلَةُ الآتِيَةُ المُصَدَّرَةُ بِأنْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما نَعْبُدُهم إلا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ حالٌ بِتَقْدِيرِ القَوْلِ مِن واوِ ﴿اتَّخَذُوا﴾ مُبَيِّنَةٌ لِكَيْفِيَّةِ إشْراكِهِمْ وعَدَمِ خُلُوصِ دِينِهِمْ، أيِ اتَّخَذُوا قائِلِينَ ذَلِكَ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ القَوْلُ المُقَدَّرُ: قالُوا، ويَكُونَ بَدَلًا مِنَ ﴿اتَّخَذُوا﴾ وأنْ يَكُونَ المُقَدَّرُ ذَلِكَ، ويَكُونَ هو الخَبَرَ لِلْمَوْصُولِ، والجُمْلَةُ الآتِيَةُ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ، كَأنَّهُ قِيلَ بَعْدَ حِكايَةِ ما ذُكِرَ: فَماذا يَفْعَلُ اللَّهُ تَعالى بِهِمْ؟ فَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهم إلَخْ، والوَجْهُ الأوَّلُ هو المُنْساقُ إلى الذِّهْنِ، نَعَمْ قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، وابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ جُبَيْرٍ قالُوا: ﴿ما نَعْبُدُهُمْ﴾ الآيَةَ لَكِنْ لا يَتَعَيَّنُ فِيهِ البَدَلِيَّةُ أوِ الخَبَرِيَّةُ، وقَدِ اعْتَرَضَ البَدَلِيَّةَ صاحِبُ الكَشْفِ، بِأنَّ المَقامَ لَيْسَ مَقامَ الإبْدالِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إعادَةُ الحُكْمِ لِكَوْنِ الأوَّلِ غَيْرَ وافٍ بِالغَرَضِ اعْتِناءً بِشَأْنِهِ، لا سِيَّما وحَذْفُ البَدَلِ ضَعِيفٌ، بَلْ يُنافِي في الغَرَضِ مِنَ الإتْيانِ بِهِ، والِاسْتِثْناءُ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ العِلَلِ، ”وزلفى“ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ عَلى غَيْرِ لَفْظِ المَصْدَرِ، أيْ والَّذِينَ لَمْ يُخْلِصُوا العِبادَةَ لِلَّهِ تَعالى بَلْ شابُوها بِعِبادَةِ غَيْرِهِ سُبْحانَهُ قائِلِينَ ما نَعْبُدُهم لِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ، إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ تَعالى تَقْرِيبًا.
وقُرِئَ ”نُعْبِدُهُمْ“ بِضَمِّ النُّونِ إتْباعًا لِحَرَكَةِ الباءِ، ﴿إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ أيْ وبَيْنَ خُصَمائِهِمُ الَّذِينَ هُمُ المُخْلِصُونَ لِلدِّينِ، وقَدْ حُذِفَ لِدِلالَةِ الحالِ عَلَيْهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾، عَلى أحَدِ الوَجْهَيْنِ، أيْ بَيْنَ أحَدٍ مِنهُمْ، وبَيْنَ غَيْرِهِ، وعَلَيْهِ قَوْلُ النّابِغَةِ:
؎فَما كانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جاءَ سالِمًا أبُو حَجَرٍ إلّا لَيالٍ قَلائِلَ
أيْ بَيْنَ الخَيْرِ وبَيْنِي، وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْفَرِيقَيْنِ المُتَّخَذَيْنِ، وكَذا الكَلامُ في ضَمِيرَيِ الجَمْعِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي ما هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ والمَعْنى عَلى الأوَّلِ أنَّهُ تَعالى يَفْصِلُ الخُصُومَةَ بَيْنَ المُشْرِكِينَ والمُخْلِصِينَ فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ والإشْراكِ، وادَّعى كُلٌّ صِحَّةَ ما اتَّصَفَ بِهِ، بِإدْخالِ المُخْلِصِينَ المُوَحِّدِينَ الجَنَّةَ وإدْخالِ المُشْرِكِينَ النّارَ أوْ يُمَيِّزُهم سُبْحانَهُ تَمْيِيزًا يُعْلَمُ مِنهُ حالُ ما تَنازَعُوا فِيهِ بِذَلِكَ، والمَعْنى عَلى الثّانِي أنَّهُ تَعالى يَحْكُمُ بَيْنَ العابِدِينَ والمَعْبُودِينَ فِيما يَخْتَلِفُونَ حَيْثُ يَرْجُو العابِدُونَ شَفاعَتَهُمْ، وهم يَتَبَرَّؤُونَ مِنهُمْ، ويَلْعَنُونَهُمْ، قالًا أوْ حالًا بِإدْخالِ مَن لَهُ أهْلِيَّةُ دُخُولِ الجَنَّةِ مِنَ المَعْبُودِينَ الجَنَّةَ، وإدْخالِ العابِدِينَ، ومَن لَيْسَ لَهُ أهْلِيَّةُ دُخُولِ الجَنَّةِ مِمَّنْ عُبِدَ كالأصْنامِ النّارَ، وإدْخالِ الأصْنامِ النّارَ لَيْسَ لِتَعْذِيبِها بَلْ لِتَعْذِيبِ عَبَدَتِها بِها، وسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى ما يُضْعِفُهُ.
وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَ المَوْصُولِ السّابِقِ عِبارَةً عَنِ المَعْبُودِينَ عَلى حَذْفِ العائِدِ إلَيْهِ وإضْمارِ المُشْرِكِينَ مِن (p-236)غَيْرِ ذِكْرٍ تَعْوِيلًا عَلى دِلالَةِ السِّياقِ عَلَيْهِمْ، ويَكُونُ التَّقْدِيرُ: والَّذِينَ اتَّخَذَهُمُ المُشْرِكُونَ أوْلِياءَ قائِلِينَ ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا عِنْدَ اللَّهِ زُلْفى، إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهم وبَيْنَ عَبَدَتِهِمْ فِيما الفَرِيقانِ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، حَيْثُ يَرْجُو العَبَدَةُ شَفاعَتَهُمْ، وهم يَلْعَنُوهم بِإدْخالِ ما هو مِنهم أهْلٌ لِلْجَنَّةِ الجَنَّةَ وإدْخالُ العَبَدَةِ مَعَ أصْنامِهِمُ النّارَ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ بَعْدَ الإغْضاءِ عَمّا فِيهِ مِنَ التَّعَسُّفاتِ بِمَعْزِلٍ مِنَ السَّدادِ، كَيْفَ لا، ولَيْسَ فِيما ذُكِرَ مِن طَلَبِ الشَّفاعَةِ واللَّعْنِ مادَّةٌ يَخْتَلِفُ فِيها الفَرِيقانِ اخْتِلافًا مُحْوِجًا إلى الحُكْمِ والفَصْلِ، فَإنَّما ذاكَ ما بَيْنَ فَرِيقَيِ المُوَحِّدِينَ والمُشْرِكِينَ في الدُّنْيا مِنَ الاخْتِلافِ في الدِّينِ الباقِي إلى يَوْمِ القِيامَةِ فَتَدَبَّرْ ولا تَغْفُلْ.
وقُرِئَ: ”ما نَعْبُدُكم إلّا لِتُقَرِّبُونا“ حِكايَةً لِما خاطَبُوا بِهِ آلِهَتَهم ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي﴾ أيْ لا يُوَفِّقُ لِلِاهْتِداءِ الَّذِي هو طَرِيقُ النَّجاةِ عَنِ المَكْرُوهِ والفَوْزِ بِالمَطْلُوبِ ﴿مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ في حَدِّ ذاتِهِ ومُوجِبٌ سَيِّئُ اسْتِعْدادِهِ، لِأنَّهُ غَيْرُ قابِلٍ لِلِاهْتِداءِ، واللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - لا يَفِيضُ عَلى القَوابِلِ إلّا حَسَبَ القابِلِيّاتِ كَما يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿رَبُّنا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ﴾، وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وما ظَلَمْناهم ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾، وهَذا هو الَّذِي حَتَّمَ عَلَيْهِ جَلَّ شَأْنُهُ لِسَيِّئِ اسْتِعْدادِهِ بِالمُوافاةِ عَلى الضَّلالِ، قالَهُ بَعْضُ الأجِلَّةِ، وقالَ الطَّبَرْسِيُّ: لا يَهْدِي إلى الجَنَّةِ أيْ يَوْمَ القِيامَةِ مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ في الدُّنْيا.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: المُرادُ لا يَهْدِي الكاذِبَ الكافِرَ في حالِ كَذِبِهِ وكُفْرِهِ، وهَذا لَيْسَ بِشَيْءٍ أصْلًا، والمُرادُ مِمَّنْ هو كاذِبٌ كَفّارٌ قِيلَ: مَن يَعُمُّ أُولَئِكَ المُحَدَّثَ عَنْهم وغَيْرَهُمْ، وقِيلَ: أُولَئِكَ المُحَدَّثُ عَنْهم وكَذِبَهم في دَعْواهُمُ اسْتِحْقاقَ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى لِلْعِبادَةِ، أوْ قَوْلُهم في بَعْضِ مَنِ اتَّخَذُوهم أوْلِياءَ مِن دُونِ اللَّهِ: إنَّهم بَناتُ اللَّهِ سُبْحانَهُ، أوْ أنَّ المُتَّخَذَ ابْنُ اللَّهِ تَعالى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَمَن هو كاذِبٌ مِنَ الظّاهِرِ الَّذِي أُقِيمَ مَقامَ المُضْمَرِ عَلى مَعْنى أنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَهْدِيهِمْ أيِ المُتَّخِذِينَ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِالكَذِبِ والكُفْرِ، وجُعِلَ تَمْهِيدًا لِما بَعْدَهُ، وقالَ بَعْضُهُمُ: الجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلْحُكْمِ.
وقَرَأ أنَسُ بْنُ مالِكٍ، والجَحْدَرِيُّ، والحَسَنُ، والأعْرَجُ، وابْنُ يَعْمَرَ ”كَذّابٌ كَفّارٌ“، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ”كَذُوبٌ كَفُورٌ“، وحَمَلُوا الكاذِبَ هُنا عَلى الرّاسِخِ في الكَذِبِ لِهاتَيْنِ القِراءَتَيْنِ، وكَذا حَمَلُوا الكُفْرَ عَلى كُفْرِ النِّعَمِ دُونَ الكُفْرِ في الِاعْتِقادِ لِقِراءَةِ زَيْدٍ، وذَكَرَ الإمامُ فِيهِ احْتِمالَيْنِ.
{"ayah":"أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّینُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فِی مَا هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق