الباحث القرآني

﴿هَذا عَطاؤُنا فامْنُنْ أوْ أمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ إمّا حِكايَةٌ لِما خُوطِبَ بِهِ سُلَيْمانُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُبَيِّنَةٌ لِعِظَمِ شَأْنِ ما أُوتِيَ مِنَ المُلْكِ، وأنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ تَفْوِيضًا كُلِّيًّا، وإمّا مَقُولٌ لِقَوْلٍ مُقَدَّرٍ، هو مَعْطُوفٌ عَلى (سَخَّرْنا)، أوْ حالٌ مِن فاعِلِهِ أيْ: وقُلْنا، أوْ قائِلِينَ لَهُ هَذا إلَخْ، والإشارَةُ إلى ما أعْطاهُ مِمّا تَقَدَّمَ، أيْ هَذا الَّذِي أعْطَيْناكَهُ مِنَ المُلْكِ العَظِيمِ والبَسْطَةِ والتَّسْلِيطِ عَلى ما لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ غَيْرُكَ عَطاؤُنا الخاصُّ بِكَ فَأعْطِ مَن شِئْتَ، وامْنَعْ مَن شِئْتَ غَيْرَ مُحاسَبٍ عَلى شَيْءٍ مِنَ الأمْرَيْنِ، ولا مَسْؤُولٍ عَنْهُ في الآخِرَةِ لِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَيْكَ عَلى الإطْلاقِ، (فَبِغَيْرِ حِسابٍ) حالٌ مِنَ المُسْتَكِنِّ في الأمْرِ، والفاءُ جَزائِيَّةٌ، و﴿هَذا عَطاؤُنا﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، والإخْبارُ مُفِيدٌ لِما أشَرْنا إلَيْهِ مِنَ اعْتِبارِ الخُصُوصِ أيْ عَطاؤُنا الخاصُّ بِكَ، أوْ يُقالُ: إنَّ ذِكْرَهُ لَيْسَ لِلْإخْبارِ بِهِ، بَلْ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ما بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ: ؎هَذِهِ دارُهم وأنْتَ مَشُوقٌ ما بَقاءُ الدُّمُوعِ في الآماقِ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ حالًا مِنَ العَطاءِ نَحْوَ: ﴿وهَذا بَعْلِي شَيْخًا﴾، أيْ هَذا عَطاؤُنا مُتَلَبِّسًا بِغَيْرِ حِسابٍ عَلَيْهِ في الآخِرَةِ، أوْ هَذا عَطاؤُنا كَثِيرًا جِدًّا لا يُعَدُّ ولا يُحْسَبُ لِغايَةِ كَثْرَتِهِ، وأنْ يَكُونَ صِلَةَ العَطاءِ، واعْتَبَرَهُ بَعْضُهم قَيْدًا لَهُ، لِتَتِمَّ الفائِدَةُ، ولا يَحْتاجَ لِاعْتِبارِ ما تَقَدَّمَ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ ما في البَيْنِ اعْتِراضٌ فَلا يَضُرُّ الفَصْلُ بِهِ، والفاءُ اعْتِراضِيَّةٌ، وجاءَ اقْتِرانُ الِاعْتِراضِ بِها كَما جاءَ بِالواوِ كَقَوْلِهِ: ؎واعْلَمْ فَعِلْمُ المَرْءِ يَنْفَعُهُ ∗∗∗ أنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ ما قُدِرا وقِيلَ: الإشارَةُ إلى تَسْخِيرِ الشَّياطِينِ، والمُرادُ بِالمَنِّ، والإمْساكِ، إطْلاقُهُمْ، وإبْقاؤُهم في الأصْفادِ، والمَنُّ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنى الإطْلاقِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإمّا مَنًّا بَعْدُ وإمّا فِداءً﴾، والأوْلى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ حالًا (p-205)مِنَ المُسْتَكِنِّ في الأمْرِ، وهَذا القَوْلُ رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وما رُوِيَ عَنْهُ مِن أنَّهُ إشارَةٌ إلى ما وُهِبَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ النِّساءِ، والقُدْرَةِ عَلى جِماعِهِنَّ، لا يَكادُ يَصِحُّ، إذْ لَمْ يَجْرِ لِذَلِكَ ذِكْرٌ في الآيَةِ، وإلى الأوَّلِ ذَهَبَ الجُمْهُورُ وهو الأظْهَرُ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ”هَذا فامْنُنْ أوْ أمْسِكْ عَطاؤُنا بِغَيْرِ حِسابٍ“.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب