الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ﴾ اسْتِفْهامٌ يُرادُ مِنهُ التَّعَجُّبُ والتَّشْوِيقُ إلى اسْتِماعِ ما في حَيِّزِهِ لِإيذانِهِ بِأنَّهُ مِنَ الأنْباءِ البَدِيعَةِ الَّتِي حَقُّها أنْ تَشِيعَ فِيما بَيْنَ كُلِّ حاضِرٍ وبادِي، والجُمْلَةُ قِيلَ: عَطْفٌ عَلى: ﴿إنّا سَخَّرْنا﴾ مِن قَبِيلِ عَطْفِ القِصَّةِ عَلى القِصَّةِ، وقِيلَ: عَلى اذْكُرْ. والخَصْمُ في الأصْلِ مَصْدَرٌ لِخَصِمَهُ بِمَعْنى خاصَمَهُ، أوْ غَلَبَهُ، ويُرادُ مِنهُ المُخاصِمُ، ويُسْتَعْمَلُ لِلْمُفْرَدِ، والمُذَكَّرِ وفُرُوعِهِما، وجاءَ لِلْجَمْعِ هُنا عَلى ما قالَ جَمْعٌ لِظاهِرِ ضَمائِرِهِ بَعْدُ، ورُبَّما ثُنِّيَ وجُمِعَ عَلى خُصُومٍ وأخْصامٍ، وأصْلُ المُخاصَمَةِ عَلى ما قالَ الرّاغِبُ أنْ يَتَعَلَّقَ كُلُّ واحِدٍ بِخَصْمِ الآخَرِ، أيْ بِجانِبِهِ، أوْ أنْ يَجْذِبَ كُلُّ واحِدٍ خَصْمَ الجَوالِقِ مِن جانِبٍ. ﴿إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾ أيْ عَلَوْا سُورَهُ، ونَزَلُوا إلَيْهِ، فَتَفَعَّلَ لِلْعُلُوِّ عَلى أصْلِهِ نَحْوَ تَسَنَّمَ الجَمَلَ أيْ عَلا سَنامَهُ، وتَذَرّى الجَبَلَ عَلا ذُرْوَتَهُ، والسُّورُ الجِدارُ المُحِيطُ بِالمُرْتَفِعِ، والمِحْرابُ الغُرْفَةُ، وهي العَلِيَّةُ، ومِحْرابُ المَسْجِدِ مَأْخُوذٌ مِنهُ لِانْفِصالِهِ عَمّا عَداهُ، أوْ لِشُرْفَةِ المَنزِلِ مَنزِلَةِ عُلُوِّهِ، قالَهُ الخَفاجِيُّ، وقالَ الرّاغِبُ: مِحْرابُ المَسْجِدِ قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّهُ مَوْضِعُ مُحارَبَةِ الشَّيْطانِ والهَوى، وقِيلَ: لِكَوْنِ حَقِّ الإنْسانِ فِيهِ أنْ يَكُونَ حَرِيبًا مِن أشْغالِ الدُّنْيا، ومِن تَوَزُّعِ الخاطِرِ، وقِيلَ: الأصْلُ فِيهِ أنَّ مِحْرابَ البَيْتِ صَدْرُ المَجْلِسِ، ثُمَّ لَمّا اتُّخِذَتِ المَساجِدُ سُمِّيَ صَدْرُهُ بِهِ، وقِيلَ: بَلِ المِحْرابُ أصْلُهُ في المَسْجِدِ، وهو اسْمٌ خُصَّ بِهِ صَدْرُ المَجْلِسِ، فَسُمِّيَ صَدْرُ البَيْتِ مِحْرابًا تَشْبِيهًا بِمِحْرابِ المَسْجِدِ، وكَأنَّ هَذا أصَحَّ انْتَهى، وصَرَّحَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ أنَّ المَحارِيبَ الَّتِي في المَساجِدِ بِهَيْئَتِها المَعْرُوفَةِ اليَوْمَ لَمْ تَكُنْ في عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، ولَهُ رِسالَةٌ في تَحْقِيقِ ذَلِكَ، (وإذْ) مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ مُضافٍ إلى الخَصْمِ، أيْ نَبَأُ تَحاكُمِ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا، أوْ بِنَبَإٍ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ الواقِعُ في عَهْدِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وإسْنادُ الإتْيانِ إلَيْهِ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ قِصَّةُ نَبَإ الخَصْمِ، وجُوِّزَ تَعَلُّقُها بِهِ بِلا حَذْفٍ عَلى جَعْلِ إسْنادِ الإتْيانِ إلَيْهِ مَجازِيًّا أوْ بِالخَصْمِ وهو في الأصْلِ مَصْدَرٌ، والظَّرْفُ قَنُوعٌ يَكْفِيهِ رائِحَةُ الفِعْلِ، وزَعَمَ الحُوفِيُّ تَعَلُّقُها بِأتى، ولا يَكادُ يَصِحُّ، لِأنَّ إتْيانَ نَبَإ الخَصْمِ لَمْ يَكُنْ وقْتَ تَسَوُّرِهِمُ المِحْرابَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب