الباحث القرآني

وجُعِلَ بَلْ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ لِلِانْتِقالِ مِن هَذا القَسَمِ، والمُقْسَمِ عَلَيْهِ إلى ذِكْرِ حالِ تَعَزُّزِ الكُفّارِ ومُشاقَّتِهِمْ في قَبُولِهِمْ رِسالَتَهُ ﷺ وامْتِثالِ ما جاءَ بِهِ، وهي كَذَلِكَ عَلى كَثِيرٍ مِنَ الوُجُوهِ السّابِقَةِ، وقَدْ تُجْعَلُ عَلى بَعْضِها لِلْإضْرابِ عَنِ الجَوابِ بِأنْ يُقالَ مَثَلًا: إنَّهُ لَمُعْجِزٌ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في اسْتِكْبارٍ مِنَ الإذْعانِ لِإعْجازِهِ، أوْ هَذِهِ السُّورَةُ الَّتِي (p-163)أعْجَزَتِ العَرَبَ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا لا يُذْعِنُونَ، وجَعَلَها بَعْضُهم لِلْإضْرابِ عَمّا يُفْهَمُ مِمّا ذُكِرَ، ونَحْوِهِ مِن أنَّ مَن كَفَرَ لَمْ يَكْفُرْ لِخَلَلٍ فِيهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: مَن كَفَرَ لَمْ يَكْفُرْ لِخَلَلٍ فِيهِ، بَلْ كَفَرَ تَكَبُّرًا عَنِ اتِّباعِ الحَقِّ وعِنادًا، وهو أظْهَرُ مِن جَعْلِ ذَلِكَ إضْرابًا عَنْ صَرِيحِهِ، وإنْ قُدِّرَ نَحْوُ هَذا المَفْهُومِ جَوابًا، فالإضْرابُ عَنْهُ قَطْعًا، وفي الكَشْفِ: عُدَّ هَذا الإضْرابُ مِن قَبِيلِ الإضْرابِ المَعْنَوِيِّ عَلى نَحْوِ: زَيْدٌ عَفِيفٌ عالِمٌ بَلْ قَوْمُهُ اسْتَخَفُّوا بِهِ، عَلى الإضْرابِ عَمّا يَلْزَمُ الأوْصافَ مِنَ التَّعْظِيمِ، كَما نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ عُدُولٌ عَنِ الظّاهِرِ، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ الجَوابُ الَّذِي عَنْهُ الإضْرابُ: ما أنْتَ بِمُقَصِّرٍ في تَذْكِيرِ الَّذِينَ كَفَرُوا، وإظْهارِ الحَقِّ لَهُمْ، ويُشْعِرُ بِهِ الآياتُ بَعْدُ، وسَبَبُ النُّزُولِ الآتِي ذِكْرُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، فَكَأنَّهُ قِيلَ: (ص) والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ما أنْتَ بِمُقَصِّرٍ في تَذْكِيرِ الَّذِينَ كَفَرُوا وإظْهارِ الحَقِّ لَهُمْ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُقَصِّرُونَ في اتِّباعِكَ والِاعْتِرافِ بِالحَقِّ، ووَجْهُ دِلالَةِ ما في النَّظْمِ الجَلِيلِ عَلى قَوْلِنا بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُقَصِّرُونَ إلَخْ، ظاهِرٌ، وهَذِهِ عِدَّةُ احْتِمالاتٍ بَيْنَ يَدَيْكَ، وإلَيْكَ أمْرُ الِاخْتِيارِ، والسَّلامُ عَلَيْكَ. والمُرادُ بِالعِزَّةِ ما يُظْهِرُونَهُ مِنَ الاسْتِكْبارِ عَنِ الحَقِّ لا العِزَّةُ الحَقِيقِيَّةُ، فَإنَّها لِلَّهِ تَعالى ولِرَسُولِهِ ﷺ ولِلْمُؤْمِنِينَ، وأصْلُ الشِّقاقِ المُخالَفَةُ، وكَوْنُكَ في شِقٍّ غَيْرِ شِقِّ صاحِبِكَ أوْ مِن شَقِّ العَصا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ، والمُرادُ مُخالَفَةُ اللَّهِ تَعالى، ورَسُولِهِ ﷺ، والتَّنْكِيرُ لِلدِّلالَةِ عَلى شِدَّتِهِما، والتَّعْبِيرُ بِفي عَلى اسْتِغْراقِهِمْ فِيهِما. وقَرَأ حَمّادُ بْنُ الزِّبْرِقانِ وسَوْرَةُ عَنِ الكِسائِيِّ، ومَيْمُونَةُ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ، والجَحْدَرِيُّ مِن طَرِيقِ العُقَيْلِيِّ في ”غِرَّةٍ“ بِالغَيْنِ المُعْجَمَةِ المَكْسُورَةِ والرّاءِ المُهْمَلَةِ، أيْ في غَفْلَةٍ عَظِيمَةٍ عَمّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ فِيهِ، ونُقِلَ عَنِ ابْنِ الأنْبارِيِّ أنَّهُ قالَ في كِتابِ الرَّدِّ عَلى مَن خالَفَ الإمامَ: إنَّهُ قَرَأ بِها رَجُلٌ، وقالَ: إنَّها أنْسَبُ بِالشِّقاقِ وهو القِتالُ بِجِدٍّ واجْتِهادٍ وهَذِهِ القِراءَةُ افْتِراءٌ عَلى اللَّهِ تَعالى اهـ، وفِيهِ ما فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب