الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ﴾ حِكايَةٌ لِما قالُوهُ عِنْدَ سَماعِهِمْ بِتَأْخِيرِ عِقابِهِمْ إلى الآخِرَةِ، أيْ قالُوا بِطَرِيقِ الِاسْتِهْزاءِ والسُّخْرِيَةِ: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِسْطَنا، ونَصِيبَنا مِنَ العَذابِ الَّذِي تُوعِدُنا بِهِ، ولا تُؤَخِّرْهُ إلى يَوْمِ الحِسابِ الَّذِي مَبْدَؤُهُ الصَّيْحَةُ المَذْكُورَةُ، وتَصْدِيرُ دُعائِهِمْ بِالنِّداءِ المَذْكُورِ لِلْإمْعانِ في الِاسْتِهْزاءِ، كَأنَّهم يَدْعُونَ ذَلِكَ بِكَمالِ الرَّغْبَةِ والِابْتِهالِ، والقائِلُ عَلى ما رُوِيَ عَنْ عَطاءٍ، النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ، وهو الَّذِي قالَ اللَّهُ تَعالى فِيهِ: ﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ وأبُو جَهْلٍ عَلى ما رُوِيَ عَنْ قَتادَةَ، وعَلى القَوْلَيْنِ الباقُونَ راضُونَ، فَلِذا جِيءَ بِضَمِيرِ الجَمْعِ، والقِطُّ القِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ مِن قَطَّهُ إذا قَطَعَهُ، ويُقالُ لِصَحِيفَةِ الجائِزَةِ قِطٌّ، لِأنَّها قِطْعَةٌ مِنَ القِرْطاسِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الأعْشى: ؎ولا المَلِكُ النُّعْمانُ يَوْمَ لَقِيتُهُ بِنِعْمَتِهِ يُعْطِي القُطُوطَ ويُطْلِقُ قِيلَ: وهو في ذَلِكَ أكْثَرُ اسْتِعْمالًا، وقَدْ فَسَّرَهُ بِها هَنا أبُو العالِيَةِ والكَلْبِيُّ، أيْ عَجِّلْ لَنا صَحِيفَةَ أعْمالِنا، لِنَنْظُرَ فِيها، وهي رِوايَةٌ عَنِ الحَسَنِ، وجاءَ في رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهم أرادُوا نَصِيبَهم مِنَ الجَنَّةِ. ورُوِيَ هَذا أيْضًا عَنْ قَتادَةَ، وابْنِ جُبَيْرٍ، وذَلِكَ أنَّهم سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ وعْدَ اللَّهِ تَعالى المُؤْمِنِينَ الجَنَّةَ، فَقالُوا عَلى سَبِيلِ الهُزْءِ: عَجِّلْ لَنا نَصِيبَنا مِنها لِنَتَنَعَّمَ بِهِ في الدُّنْيا. قالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ: أقْوى التَّفاسِيرِ أنَّهم سَألُوا أنْ يُعَجَّلَ لَهُمُ النَّعِيمُ الَّذِي كانَ يَعِدُهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مَن آمَنَ لِقَوْلِهِمْ رَبَّنا، ولَوْ كانَ عَلى ما يَحْمِلُهُ أهْلُ التَّأْوِيلِ مِن سُؤالِ العَذابِ أوِ الكِتابِ اسْتِهْزاءً لَسَألُوا رَسُولَ اللَّهِ، ولَمْ يَسْألُوا رَبَّهُمْ، وفِيهِ بَحْثٌ يُعْلَمُ مِمّا مَرَّ آنِفًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب