الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتادِ﴾ إلى آخِرِهِ اسْتِئْنافٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ بِبَيانِ أحْوالِ العُتاةِ الطُّغاةِ مِمّا فَعَلُوا مِنَ التَّكْذِيبِ، وفُعِلَ بِهِمْ مِنَ العِقابِ، وذو الأوتاد صِفَةُ فِرْعَوْنَ لا لِجَمِيعِ ما قَبْلَهُ، وإلّا لَقِيلَ: ذَوُو الأوْتادِ، والأوتاد جَمْعُ وتَدٍ، وهو مَعْرُوفٌ، وكَسْرُ التّاءِ فِيهِ أشْهَرُ مِن فَتْحِها، ويُقالُ: وتَدَ واتِدٌ كَما يُقالُ: شَغَلَ شاغِلٌ، قالَهُ الأصْمَعِيُّ وأنْشَدَ: ؎لاقَتْ عَلى الماءِ جُذَيْلًا واتِدًا ولَمْ يَكُنْ يُخْلِفْها المَواعِدا وقالُوا: ودٌّ بِإبْدالِ التّاءِ دالًا، والإدْغامِ، ووَتٌّ بِإبْدالِ الدّالِ تاءً، وفِيهِ قَلْبُ الثّانِي لِلْأوَّلِ وهو قَلِيلٌ، وأصْلُ إطْلاقِ ذَلِكَ عَلى البَيْتِ المُطْنَبِ بِأوْتادِهِ، وهو لا يَثْبُتُ بِدُونِها كَما قالَ الأعْشى: ؎والبَيْتُ لا يُبْتَنى إلّا عَلى عُمُدٍ ∗∗∗ ولا عِمادَ إذا لَمْ تُرْسَ أوْتادُ فَقِيلَ: إنَّهُ شَبَّهَ هُنا فِرْعَوْنَ في ثَباتِ مُلْكِهِ ورُسُوخِ سَلْطَنَتِهِ بِبَيْتٍ ثابِتٍ أُقِيمَ عِمادُهُ، وثَبَتَتْ أوْتادُهُ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا في النَّفْسِ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ، ووُصِفَ بِذِي الأوْتادِ عَلى سَبِيلِ التَّخْيِيلِ، فالمَعْنى: كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ، وفِرْعَوْنُ الثّابِتُ مُلْكُهُ، وسَلْطَنَتُهُ، وقِيلَ: شَبَّهَ المُلْكَ الثّابِتَ مِن حَيْثُ الثَّباتُ والرُّسُوخُ بِذِي الأوْتادِ، وهو البَيْتُ المُطْنَبُ بِأوْتادِهِ، واسْتُعِيرَ ذُو الأوْتادِ لَهُ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ، قِيلَ: وهو أظْهَرُ مِمّا مَرَّ، نِهايَتُهُ أنَّهُ (p-171)وصَفَ بِذَلِكَ فِرْعَوْنَ مُبالَغَةً لِجَعْلِهِ عَيْنَ مُلْكِهِ، والمَعْنى عَلى وصْفِهِ بِثَباتِ المُلْكِ ورُسُوخِ السَّلْطَنَةِ واسْتِقامَةِ الأمْرِ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطِيَّةَ: الأوْتادُ الجُنُودُ يُقَوُّونَ مُلْكَهُ كَما يُقَوِّي الوَتَدُ الشَّيْءَ، أيْ وفِرْعَوْنُ ذُو الجُنُودِ، فالِاسْتِعارَةُ عَلَيْهِ تَصْرِيحِيَّةٌ في الأوْتادِ، وقِيلَ: هو مَجازٌ مُرْسَلٌ لِلُزُومِ الأوْتادِ لِلْجُنْدِ، وقِيلَ: المَبانِي العَظِيمَةُ الثّابِتَةُ، وفِيهِ مَجازٌ أيْضًا، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ أُخْرى، وقَتادَةُ، وعَطاءٌ: كانَتْ لَهُ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ أوْتادٌ وخَشَبٌ يُلْعَبُ لَهُ بِها وعَلَيْها، وقِيلَ: كانَ يَشْبَحُ المُعَذَّبَ بَيْنَ أرْبَعِ سِوارٍ، كُلُّ طَرَفٍ مِن أطْرافِهِ إلى سارِيَةٍ، ويَضْرِبُ في كُلٍّ وتَدًا مِن حَدِيدٍ، ويَتْرُكُهُ حَتّى يَمُوتَ، ورُوِيَ مَعْناهُ عَنِ الحَسَنِ، ومُجاهِدٍ، وقِيلَ: كانَ يَمُدُّهُ بَيْنَ أرْبَعَةِ أوْتادٍ في الأرْضِ، ويُرْسِلُ عَلَيْهِ العَقارِبَ والحَيّاتِ، وقِيلَ: يَشُدُّهُ بِأرْبَعَةِ أوْتادٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ صَخْرَةً فَتُلْقى عَلَيْهِ فَتَشْدَخُهُ. وعَلى هَذِهِ الأقْوالِ الأرْبَعَةِ، فالأوْتادُ ثابِتَةٌ عَلى حَقِيقَتِها،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب