الباحث القرآني
﴿”قال“﴾ بَعْدَ أنْ أتَوْا بِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وجَرى ما جَرى مِنَ المُحاوَرَةِ عَلى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ والإنْكارِ عَلَيْهِمْ ﴿أتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ﴾ أيِ الَّذِي تَنْحِتُونَهُ مِنَ الأصْنامِ فَـ”ما“ مَوْصُولَةٌ حُذِفَ عائِدُها وهو الظّاهِرُ المُتَبادِرُ، وجُوِّزَ كَوْنُها مَصْدَرِيَّةً أيْ أتَعْبُدُونَ نَحْتَكَمُ، وتَوْبِيخُهم عَلى عِبادَةِ النَّحْتِ مَعَ أنَّهم يَعْبُدُونَ الأصْنامَ وهي لَيْسَتْ نَفْسَ النَّحْتِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهم في الحَقِيقَةِ إنَّما عَبَدُوا النَّحْتَ؛ لِأنَّ الأصْنامَ قَبْلَهُ حِجارَةٌ ولَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَها وإنَّما عَبَدُوها بَعْدَ أنْ نَحَتُوها، فَفي الحَقِيقَةِ ما عَبَدُوا إلّا نَحْتَهُمْ، وفِيهِ ما فِيهِ.
﴿واللَّهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلُونَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ ”تعبدون“ لِتَأْكِيدِ الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ والِاحْتِجاجِ عَلى أنَّهُ لا يَنْبَغِي تِلْكَ العِبادَةُ، و”ما“ مَوْصُولَةٌ حُذِفَ عائِدُها أيْضًا أيْ خَلَقَكم وخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ أيْ مِنَ الأصْنامِ كَما هو الظّاهِرُ، وهي عِبارَةٌ عَنْ مَوادَّ، وهي الجَواهِرُ الحَجَرِيَّةُ، وصُوَرٍ حَصَلَتْ لَها بِالنَّحْتِ، وكَوْنُ المَوادِّ مَخْلُوقَةً لَهُ - عَزَّ وجَلَّ - ظاهِرٌ، وكَوْنُ الصُّوَرِ والأشْكالِ كَذَلِكَ مَعَ أنَّها بِفِعْلِهِمْ بِاعْتِبارِ أنَّ الإقْدارَ عَلى الفِعْلِ وخَلْقِ ما يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّواعِي والأسْبابِ مِنهُ تَعالى، وكَوْنُ الأصْنامِ - وهي ما سَمِعْتَ - مَعْمُولَةً لَهم بِاعْتِبارِ جُزْئِها الصُّورِيِّ، فَهو - مَعَ كَوْنِهِ مَعْمُولًا لَهم - مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعالى بِذَلِكَ الِاعْتِبارِ فَلا إشْكالَ.
وفِي المُتِمَّةِ لِلْمَسْألَةِ المُهِمَّةِ تَأْلِيفِ الشَّيْخِ إبْراهِيمَ الكُورانِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ صَرِيحُ الكَلامِ دالٌّ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى خالِقٌ لِلْأصْنامِ بِجَمِيعِ أجْزائِها الَّتِي مِنها الأشْكالُ، ومَعْلُومٌ أنَّ الأشْكالَ إنَّما حَصَلَتْ بِتَشْكِيلِهِمْ فَتَكُونُ الأشْكالُ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعالى مَعْمُولَةً لَهم لِكَوْنِ نَحْتِهم وتَشْكِيلِهِمْ عَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ تَعالى الأشْكالَ بِهِمْ.
ولا اسْتِحالَةَ في ذَلِكَ لِأنَّ العَبْدَ لا قُوَّةَ لَهُ إلّا بِاللَّهِ تَعالى بِالنَّصِّ، ومَن لا قُوَّةَ لَهُ إلّا بِغَيْرِهِ فالقُوَّةُ لِذَلِكَ الغَيْرِ لا لَهُ فَلا قُوَّةَ - حَقِيقَةً - إلّا لِلَّهِ تَعالى، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا فِعْلَ لِلْعَبْدِ إلّا بِقُوَّةٍ، فَلا فِعْلَ لَهُ إلّا بِاللَّهِ تَعالى، فَلا فِعْلَ - حَقِيقَةً - إلّا لِلَّهِ تَعالى، وكُلُّ ما كانَ كَذَلِكَ. كانَ النَّحْتُ والتَّشْكِيلُ عَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ سُبْحانَهُ الأشْكالَ بِهِمْ وفِيهِمْ بِالذّاتِ، وغَيْرِهِ بِالِاعْتِبارِ، فَيَكُونُ المَعْمُولُ عَيْنَ المَخْلُوقِ بِالذّاتِ وغَيْرِهِ بِالِاعْتِبارِ فَإنَّ إيجادَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - يَتَعَلَّقُ بِذاتِ الفِعْلِ مِن حَيْثُ هُوَ، وفِعْلُ العَبْدِ بِالمَعْنى المَصْدَرِيِّ يَتَعَلَّقُ بِالفِعْلِ بِمَعْنى الحاصِلِ بِالمَصْدَرِ مِن حَيْثُ كَوْنُهُ طاعَةً أوْ مَعْصِيَةً أوْ مُباحًا، لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا واللَّهُ تَعالى لَهُ الإطْلاقُ ولا حاكِمَ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ انْتَهى. فافْهَمْ.
والزَّمَخْشَرِيُّ جَعَلَ أيْضًا ”ما“ مَوْصُولَةً إلّا أنَّهُ جَعَلَ المَخْلُوقَ لَهُ تَعالى هو الجَواهِرَ ومَعْمُولَهم هو الشَّكْلَ والصُّورَةَ؛ إمّا عَلى أنَّ الكَلامَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ وما تَعْمَلُونَ شَكْلَهُ وصُورَتَهُ، وإمّا عَلى أنَّ الشّائِعَ في الِاسْتِعْمالِ ذَلِكَ، فَإنَّهم يَقُولُونَ عَمَلَ النَّجّارِ البابَ والصّائِغُ الخَلْخالَ والبَنّاءُ البِناءَ، ولا يَعْنُونَ إلّا عَمَلَ الشَّكْلِ بِدُونِ تَقْدِيرِ شَكْلٍ في النَّظْمِ، كَأنَّ تَعَلُّقَ العَمَلِ بِالشَّيْءِ هو هَذا التَّعَلُّقُ لا تَعَلُّقُ التَّكْوِينِ، وهو مَبْنِيٌّ عَلى اعْتِقادِهِ الفاسِدِ مِن أنَّ أفْعالَ العِبادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ، والِاحْتِجاجُ في الآيَةِ عَلى الأوَّلِ بِأنْ يُقالَ: إنَّهُ تَعالى خَلَقَ العابِدَ والمَعْبُودَ مادَّةً وصُورَةً، فَكَيْفَ يَعْبُدُ المَخْلُوقَ المَخْلُوقُ؟ وعَلى الثّانِي بِأنَّهُ تَعالى خَلَقَ العابِدَ ومادَّةَ المَعْبُودِ فَكَيْفَ يَعْبُدُ المَخْلُوقَ المَخْلُوقُ عَلى أنَّ العابِدَ مِنهُما هو الَّذِي عَمِلَ صُورَةَ المَعْبُودِ، والأوَّلُ أظْهَرُ، وعَدَلَ عَنْ ضَمِيرِ ﴿ما تَنْحِتُونَ﴾ أوْ (p-125)الإتْيانِ بِهِ دُونَ ”ما تَعْمَلُونَ“ لِلْإيذانِ بِأنَّ مَخْلُوقِيَّةِ الأصْنامِ لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - لَيْسَ مِن حَيْثُ نَحْتُهم لَها فَقَطْ؛ بَلْ مِن حَيْثُ سائِرُ أعْمالِهِمْ أيْضًا مِنَ التَّصْوِيرِ والتَّحْلِيَةِ والتَّزْيِينِ. وفي الكَشْفِ فائِدَةُ العُدُولِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّ تَأْثِيرَهم فِيها لَيْسَ النَّحْتَ، ثُمَّ العَمَلُ يَقَعُ عَلى النَّحْتِ والأثَرِ الحاصِلِ مِنهُ ولا يَقَعُ النَّحْتُ عَلى الثّانِي، فَلا بُدَّ مِنَ العُدُولِ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ، وبِهِ يَتِمُّ الِاحْتِجاجُ، أيِ الَّذِي قِيلَ عَلى اعْتِبارِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ عامًّا لِلْأصْنامِ وغَيْرِها، وتَدْخُلُ أوَّلِيًّا، ولا يَتَأتّى عَلَيْهِ حَدِيثُ العُدُولِ. وقِيلَ ”ما“ مَصْدَرِيَّةٌ، والمَصْدَرُ مُؤَوَّلٌ بِاسْمِ المَفْعُولِ لِيُطابِقَ ﴿ما تَنْحِتُونَ﴾ عَلى ما هو الظّاهِرُ فِيهِ ويَتَّحِدُ المَعْنى مَعَ ما تَقَدَّمَ عَلى احْتِمالِ المَوْصُولِيَّةِ، وجُوِّزَ بَقاءُ المَصْدَرِ عَلى مَصْدَرِيَّتِهِ، والمُرادُ بِهِ الحاصِلُ بِالمَصْدَرِ - أعْنِي الأثَرَ - وكَثِيرًا ما يُرادُ بِهِ ذَلِكَ حَتّى قِيلَ: إنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّأْثِيرِ والإيقاعِ أيْ: خَلَقَكم وخَلَقَ عَمَلَكم. واحْتَجَّ بِالآيَةِ عَلى المُعْتَزِلَةِ، وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يَصِحُّ لِأنَّ الِاسْتِدْلالَ بِذَلِكَ عَلى أنَّ العابِدَ والمَعْبُودَ جَمِيعًا خَلْقُ اللَّهِ تَعالى فَكَيْفَ يَعْبُدُ المَخْلُوقُ مَخْلُوقًا؟ ولَوْ قِيلَ: إنَّ العابِدَ وعَمَلَهُ مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى لَفاتَ المُلاءَمَةُ والِاحْتِجاجُ، ولِأنَّ ”ما“ في الأوَّلِ مَوْصُولَةٌ فَهي في الثّانِي كَذَلِكَ؛ لِئَلّا يَنْفَكَّ النَّظْمُ، وما قالَهُ القاضِي البَيْضاوِيُّ مِن أنَّهُ لا يَفُوتُ الِاحْتِجاجُ بَلْ إنَّهُ أبْلَغُ فِيهِ؛ لِأنَّ فِعْلَهم إذا كانَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى كانَ مَفْعُولُهُمُ المُتَوَقِّفُ عَلى فِعْلِهِمْ أوْلى بِذَلِكَ، وأُيِّدَ بِأنَّ الأُسْلُوبَ يَصِيرُ مِن بابِ الكِنايَةِ وهو أبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ، ولا فائِدَةَ في العُدُولِ عَنِ الظّاهِرِ إلّا هَذا، فَيَجِبُ صَوْنًا لِكَلامِ اللَّهِ تَعالى عَنِ العَبَثِ. تَعَقَّبَهُ في الكَشْفِ بِأنَّهُ لا يُتِمُّ لِأنَّ المُلازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ عِنْدَ القَوْمِ؛ ألّا تَرى أنَّهم مُعْتَرِفُونَ بِأنَّ العَبْدَ وقُدْرَتَهُ وإرادَتَهُ مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى؟ ثُمَّ المُتَوَقِّفُ عَلَيْهِما - وهو الفِعْلُ - يَجْعَلُونَهُ خَلْقَ العَبْدِ، والتَّحْقِيقُ أنَّهُ يُفِيدُ التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ تَعالى وهم لا يُنْكِرُونَهُ إنَّما الكَلامُ في الإيجادِ والإحْداثِ ثُمَّ قالَ: وأظْهَرُ مِنهُ أنْ يُقالَ: لِأنَّ المَعْمُولَ مِن حَيْثُ المادَّةُ كانُوا لا يُنْكِرُونَ أنَّهُ مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى، فَقِيلَ: هو مِن حَيْثُ الصُّورَةُ أيْضًا خَلَقَهُ فَهو مَخْلُوقٌ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ مِثْلُكم مِن غَيْرِ فَرْقٍ فَلِمَ تُسَوُّونَهُ بِالخالِقِ؟ وما ازْدادَ بِفِعْلِكم إلّا بُعْدَ اسْتِحْقاقٍ عَنِ العِبادَةِ، ولَمّا كانَ هَذا المَعْنى في تَقْرِيرِ الزَّمَخْشَرِيِّ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ كانَ هَذا البِناءُ مُتَداعِيًا كَيْفَما قَرَّرَ، عَلى أنَّ فائِدَةَ العُدُولِ قَدِ اتَّضَحَتْ حَقَّ الوُضُوحِ فَبَطَلَ الحَصْرُ أيْضًا، وقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّ المُرادَ بِالفِعْلِ الحاصِلُ بِالمَصْدَرِ لِأنَّهُ بِالمَعْنى الآخَرِ - أعْنِي الإيقاعَ - مِنَ النِّسَبِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ عِنْدَهُمْ، وتَوَقُّفُ الحاصِلِ بِالإيقاعِ عَلى قُدْرَةِ العَبْدِ وإرادَتِهِ تَوَقُّفٌ بَعِيدٌ بِخِلافِ تَوَقُّفِهِ عَلى الإيقاعِ الَّذِي لا وُجُودَ لَهُ؛ فَيَكُونُ ما ذَكَرَهُ في مَعْرِضِ السَّنَدِ مُجْتَمِعًا مَعَ المُقَدِّمَةِ المَمْنُوعَةِ فَلا يَصْلُحُ لِلسَّنْدِيَّةِ، والمُرادُ بِمَفْعُولِهِمْ أشْكالَ الأصْنامِ المُتَوَقِّفُ عَلى ذَلِكَ المَعْنى القائِمِ بِهِمْ. إذا كانَ ذاكَ بِخَلْقِهِ تَعالى فَلَأنْ يَكُونَ الَّذِي لا يَقُومُ بِهِمْ بَلْ بِما يُبايِنُهم بِخَلْقِهِ تَعالى أوْلى.
ولا مَجالَ لِلْخَصْمِ أنَّ يَمْنَعَ هَذِهِ المُلازَمَةَ إذْ قَدْ أثْبَتَ خَلْقَ المُتَوَلِّداتِ مُطْلَقًا لِلْعِبادِ بِواسِطَةِ خَلْقِهِمْ لِما يَقُومُ بِهِمْ، وانْتِفاءُ الأوَّلِ مَلْزُومٌ لِانْتِفاءٍ الثّانِي. فَتَأمَّلْ، وقالَ في التَّقْرِيبِ انْتِصارًا لِمَن قالَ بِالمَصْدَرِيَّةِ: إنَّ الجَواهِرَ مَخْلُوقَةٌ لَهُ تَعالى وِفاقًا، والأعْمالَ مَخْلُوقَةٌ أيْضًا لِعُمُومِ الآيَةِ، فَكَيْفَ يُعْبَدُ ما لا مَدْخَلَ لَهُ في الخَلْقِ؟ فَدَعْوى فَواتِ الِاحْتِجاجِ باطِلَةٌ وكَذَلِكَ فَكُّ النَّظْمِ والتَّبْتِيرِ، وتَعَقَّبَهُ في الكَشْفِ أيْضًا فَقالَ فِيهِ: إنَّ المُقَدِّمَةَ الوِفاقِيَّةَ إذا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنها ولَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً مِن هَذا السِّياقِ يَلْزَمُ فَواتُ الِاحْتِجاجِ، وأمّا الحَمْلُ عَلى التَّغْلِيبِ في الخِطابِ فَتَوْجِيهٌ لا تَرْجِيحٌ، والكَلامُ في الثّانِي.
ثُمَّ قالَ: وأمّا أنَّ المَصْدَرِيَّةَ أوْلى لِئَلّا يَلْزَمَ حَذْفُ الضَّمِيرِ فَمُعارَضٌ بِأنَّ المَوْصُولَةَ أكْثَرُ (p-126)اسْتِعْمالًا وهي أنْسَبُ بِالسِّياقِ السّابِقِ عَلى أنَّهُ لا بُدَّ مِن تَقْدِيرِ عَمَلِهِمْ في المَنحُوتِ فَيَزْدادُ الحَذْفُ.
واعْتُرِضَ بِأنّا لا نُسَلِّمُ الأكْثَرِيَّةَ، وكَذا لا نُسَلِّمُ أنَّها أنْسَبُ بِالسِّياقِ لِما سَمِعْتَ مِن أنَّ الأُسْلُوبَ عَلى ذَلِكَ مِن بابِ الكِنايَةِ، وهو أبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ، والتَّقْدِيرُ المَذْكُورُ لَيْسَ بِلازِمٍ لِجَوازِ إبْقاءِ الكَلامِ عَلى عُمُومِهِ الشّامِلِ لِلْمَنحُوتِ بِالطَّرِيقِ الأوْلى، أوْ يُقَدَّرُ بِمَصْدَرٍ مُضافٍ إضافَةً عَهْدِيَّةً. وبَعْضُهم جَعَلَها مَوْصُولَةً كِنايَةً عَنِ العَمَلِ لِئَلّا يَنْفَكَّ النَّظْمْ ويَظْهَرُ احْتِجاجُ الأصْحابِ عَلى خَلْقِ أفْعالِ العِبادِ. وتَعَقَّبَهُ أيْضًا بِأنَّهُ أفْسَدُ مِنَ الأوَّلِ لِما فِيهِ مِنَ التَّعْقِيدِ وفَواتِ الِاحْتِجاجِ، وكَوْنُ المَوْصُولِ في الأوَّلِ عِبارَةً عَنِ الأعْيانِ وفي الثّانِي كِنايَةً عَنِ المَعانِي وانْفِكاكُ النَّظْمِ لَيْسَ لِخُصُوصِ المَوْصُولِيَّةِ والمَصْدَرِيَّةِ بَلْ لِتَبايُنِ المَعْنَيَيْنِ وهو باقٍ. وصاحِبُ الِانْتِصافِ قالَ بِتَعَيُّنِ حَمْلِها عَلى المَصْدَرِيَّةِ؛ لِأنَّهم لَمْ يَعْبُدُوا الأصْنامَ مِن حَيْثُ كَوْنُها حِجارَةً وإنَّما عَبَدُوها مِن حَيْثُ أشْكالُها، فَهم في الحَقِيقَةِ إنَّما عَبَدُوا عَمَلَهم وبِذَلِكَ تَبْتَلِجُ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم وعَمَلَهم مَخْلُوقانِ لِلَّهِ تَعالى فَكَيْفَ يَعْبُدُ المَخْلُوقُ مَخْلُوقًا مِثْلَهُ مَعَ أنَّ المَعْبُودَ كَسْبُ العابِدِ وعَمَلُهُ؟ وأجابَ عَنْ حَدِيثِ لُزُومِ انْفِكاكِ النَّظْمِ بِأنَّ لَنا أنْ نَحْمِلَ الأُولى عَلى المَصْدَرِيَّةِ أيْضًا فَإنَّهم في الحَقِيقَةِ إنَّما عَبَدُوا نَحْتَهُمْ، وفي دَعْوى التَّعَيُّنِ بَحْثٌ، وجُوِّزَ كَوْنُ ”ما“ الثّانِيَةُ اسْتِفْهامِيَّةً لِلْإنْكارِ والتَّحْقِيرِ أيْ وأيَّ شَيْءٍ تَعْمَلُونَ في عِبادَتِكم أصْنامًا نَحَتُّمُوها؟ أيْ لا عَمَلَ لَكم يُعْتَبَرُ، وكَوْنُها نافِيَةً أيْ وما أنْتُمْ تَعْمَلُونَ شَيْئًا في وقْتِ خَلْقِكم ولا تَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ، ولا يَخْفى أنَّ كِلا الِاحْتِمالَيْنِ خِلافُ الظّاهِرِ؛ بَلْ لا يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ التَّنْزِيلُ، وأظْهَرُ الوُجُوهِ كَوْنُها مَوْصُولَةً، وتَوْجِيهُ ذَلِكَ عَلى ما يَقُولُهُ الأصْحابُ، ثُمَّ كَوْنُها مَصْدَرِيَّةً، والِاسْتِدْلالُ بِالآيَةِ عَلَيْهِ ظاهِرٌ، وقَوْلُ صاحِبِ الكَشْفِ: والإنْصافُ أنَّ اسْتِدْلالَ الأصْحابِ بِهَذِهِ الآيَةِ لا يَتِمُّ إنْ أرادَ بِهِ تَرْجِيحَ احْتِجاجِ المُعْتَزِلَةِ - خارِجٌ عَنْ دائِرَةِ الإنْصافِ، ثُمَّ إنَّها عَلى تَقْدِيرِ أنْ لا تَكُونَ دَلِيلًا لَهم لا تَكُونُ دَلِيلًا لِلْمُعْتَزِلَةِ أيْضًا كَما لا يَخْفى عَلى المُنْصِفِ، هَذا ولَمّا غَلَبَهم إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِالحُجَّةِ مالُوا إلى الغَلَبَةِ بِقُوَّةِ الشَّوْكَةِ
{"ayahs_start":95,"ayahs":["قَالَ أَتَعۡبُدُونَ مَا تَنۡحِتُونَ","وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"قَالَ أَتَعۡبُدُونَ مَا تَنۡحِتُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق