الباحث القرآني
﴿فَنَبَذْناهُ﴾ بِأنْ حَمَلْنا الحُوتَ عَلى لَفْظِهِ، فالإسْنادُ مَجازِيٌّ، والنَّبْذُ عَلى ما في القامُوسِ طَرْحُكَ الشَّيْءَ أمامًا، أوْ وراءً، أوْ هو عامٌّ.
وقالَ الرّاغِبُ: النَّبْذُ إلْقاءُ الشَّيْءِ، وطَرْحُهُ لِقِلَّةِ الِاعْتِدادِ بِهِ، والمُرادُ بِهِ هُنا الطَّرْحُ والرَّمْيُ، والقَيْدُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرّاغِبُ لا أرْغَبُ فِيهِ، فَإنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وإنْ أبِقَ وخَرَجَ مِن غَيْرِ إذْنِ مَوْلاهُ واعْتَراهُ مِن تَأْدِيبِهِ تَعالى ما اعْتَراهُ، فالرَّبُّ - عَزَّ وجَلَّ - بِأنْبِيائِهِ رَحِيمٌ، ولَهُ سُبْحانَهُ في كُلِّ شَأْنٍ اعْتِدادٌ بِهِمْ عَظِيمٌ، فَهو - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُعْتَدٌّ بِهِ في حالِ الإلْقاءِ، وإنْ كانَ ذَلِكَ ﴿بِالعَراءِ﴾ أيْ بِالمَكانِ الخالِي عَمّا يُغَطِّيهِ مِن شَجَرٍ أوْ نَبْتٍ، يُرْوى أنَّ الحُوتَ سارَ مَعَ السَّفِينَةِ رافِعًا رَأْسَهُ يَتَنَفَّسُ، ويُونُسُ يُسَبِّحُ حَتّى انْتَهَوْا إلى البَرِّ فَلَفَظَهُ. ورُدَّ بِأنَّهُ يَأْباهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَنادى في الظُّلُماتِ﴾ وأُجِيبَ بِأنَّهُ بِمُجَرَّدِ رَفْعِ رَأْسِهِ لِلتَّنَفُّسِ لا يَخْرُجُ مِنها، ثُمَّ إنَّ هَذا لِئَلّا يَخْتَنِقَ يُونُسُ أوْ تَنْحَصِرَ نَفْسُهُ بِحُكْمِ العادَةِ لا لِيَمْتَنِعَ دُخُولُ الماءِ جَوْفَ الحُوتِ حَتّى يُقالَ السُّمْكُ لا يَحْتاجُ لِذَلِكَ، ومَعَ هَذا نَحْنُ لا نَجْزِمُ بِصِحَّةِ الخَبَرِ، فَقَدْ رُوِيَ أيْضًا أنَّهُ طافَ بِهِ البِحارَ كُلَّها، ثُمَّ نَبَذَهُ عَلى شَطِّ دِجْلَةَ قُرَيْبَ نِينُوى، بِكَسْرِ النُّونِ الأُولى وضَمِّ الثّانِيَةِ كَما في الكَشْفِ مِن أرْضِ المَوْصِلِ، والِالتِقامُ كانَ في دِجْلَةَ أيْضًا عَلى ما صَرَّحَ بِهِ البَعْضُ، وخالَفَ فِيهِ أهْلُ الكِتابِ، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى نَقْلُ كَلامِهِمْ لَكَ في هَذِهِ القِصَّةِ لِتَقِفَ عَلى ما فِيهِ.
والظّاهِرُ أنَّ الحُوتَ مِن حِيتانِ دِجْلَةَ أيْضًا، وقَدْ شاهَدْنا فِيها حِيتانًا عَظِيمَةً جِدًّا، وقِيلَ: كانَ مِن حِيتانِ النِّيلِ. أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ وهْبٍ أنَّهُ جَلَسَ هو وطاوُسٌ، ونَحْوُهُما مِن أهْلِ ذَلِكَ الزَّمانِ فَذَكَرُوا، أيُّ أمْرِ اللَّهِ تَعالى أسْرَعُ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿كَلَمْحِ البَصَرِ﴾، وقالَ بَعْضُهُمُ: السَّرِيرُ حِينَ أُتِيَ بِهِ سُلَيْمانُ، وقالَ وهْبٌ: أسْرَعُ أمْرِ اللَّهِ تَعالى أنَّ يُونُسَ عَلى حافَةِ السَّفِينَةِ إذْ أوْحى اللَّهُ سُبْحانَهُ إلى نُونٍ في نِيلِ مِصْرَ فَما خَرَّ مِن حافَتِها إلّا في جَوْفِهِ، ولا شُبْهَةَ في أنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - أعْظَمُ مِن ذَلِكَ لَكِنَّ الشُّبْهَةَ في صِحَّةِ الخَبَرِ.
وكَأنِّي بِكَ تَقُولُ: لا شُبْهَةَ في عَدَمِ صِحَّتِهِ. واخْتُلِفَ في مُدَّةِ لُبْثِهِ، فَأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ وغَيْرُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: التَقَمَهُ الحُوتُ ضُحًى، ولَفِظَهُ عَشِيَّةً، وكَأنَّهُ أرادَ حِينَ أظْلَمَ اللَّيْلُ، وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وغَيْرُهُ عَنْ قَتادَةَ قالَ: إنَّهُ لَبِثَ في جَوْفِهِ ثَلاثًا، وفي كُتُبِ أهْلِ الكِتابِ ثَلاثَةَ أيّامٍ وثَلاثَ لَيالٍ، وعَنْ عَطاءٍ وابْنِ جُبَيْرٍ: سَبْعَةَ أيّامٍ، وعَنِ الضَّحّاكِ: عِشْرِينَ يَوْمًا، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ جُرَيْجٍ، وأبِي مالِكٍ، والسُّدِّيِّ، ومُقاتِلِ بْنِ سُلَيْمانَ، والكَلْبِيِّ وعِكْرِمَةَ: أرْبَعِينَ يَوْمًا، وفي البَحْرِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَصِحَّ خَبَرٌ في مُدَّةِ لُبْثِهِ - عَلَيْهِ (p-146)السَّلامُ - في بَطْنِ الحُوتِ، ﴿وهُوَ سَقِيمٌ﴾ مِمّا نالَهُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ: إنَّهُ عادَ بَدَنُهُ كَبَدَنِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ، وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أُلْقِيَ ولا شَعْرَ لَهُ، ولا جِلْدَ، ولا ظُفْرَ. ولَعَلَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي بِحُكْمِ العادَةِ أنَّ لِمُدَّةِ لُبْثِهِ في بَطْنِ الحُوتِ طُولًا ما.
{"ayah":"۞ فَنَبَذۡنَـٰهُ بِٱلۡعَرَاۤءِ وَهُوَ سَقِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











