الباحث القرآني

﴿وآتَيْناهُما﴾ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿الكِتابَ المُسْتَبِينَ﴾ أيِ البَلِيغَ في البَيانِ، والتَّفْصِيلِ كَما يُشْعِرُ بِهِ زِيادَةُ البِنْيَةِ وهو التَّوْراةُ، ﴿وهَدَيْناهُما﴾ بِذَلِكَ ﴿الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ المُوَصِّلَ إلى الحَقِّ والصَّوابِ بِما فِيهِ مِن تَفاصِيلِ الشَّرائِعِ وتَفارِيعِ الأحْكامِ، ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما في الآخِرِينَ﴾ ﴿سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ﴿إنَّهُما مِن عِبادِنا المُؤْمِنِينَ﴾ الكَلامُ فِيهِ نَظِيرُ ما سَبَقَ في نَظِيرِهِ، ﴿وإنَّ إلْياسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ قالَ الطَّبَرِيُّ: هو إلْياسُ بْنُ ياسِينَ بْنِ فَنُحاصَ بْنِ العَيْزارِ بْنِ هارُونَ أخِي مُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ، فَهو إسْرائِيلِيٌّ مِن سِبْطِ هارُونَ، وحَكى القُتَيْبِيُّ أنَّهُ مِن سِبْطِ يُوشَعَ، (p-139)وحَكى الطَّبَرْسِيُّ أنَّهُ ابْنُ عَمِّ اليَسَعَ، وأنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ حِزْقِيلَ، وفي العَجائِبِ لِلْكِرْمانِيِّ: أنَّهُ ذُو الكِفْلِ، وعَنْ وهْبٍ: أنَّهُ عُمِّرَ كَما عُمِّرَ الخَضِرُ، ويَبْقى إلى فَناءِ الدُّنْيا. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ مُوَكَّلٌ بِالفَيافِي، والخَضِرُ بِالبِحارِ والجَزائِرِ، وإنَّهُما يَجْتَمِعانِ بِالمَوْسِمِ في كُلِّ عامٍ، وحَدِيثُ اجْتِماعِهِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في بَعْضِ الأسْفارِ، وأكْلِهِ مَعَهُ مِن مائِدَةٍ نَزَلَتْ عَلَيْهِما عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ السَّماءِ هي خُبْزٌ وحُوتٌ وكَرَفْسٌ، وصَلاتِهِما العَصْرَ مَعًا رَواهُ الحاكِمُ عَنْ أنَسٍ، وقالَ: هَذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسْنادِ، وكُلُّ ذَلِكَ مِنَ التَّعْمِيرِ، وما بَعْدَهُ لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وحَدِيثُ الحاكِمِ ضَعَّفَهُ البَيْهَقِيُّ، وقالَ الذَّهَبِيُّ: مَوْضُوعٌ، قَبَّحَ اللَّهُ تَعالى مَن وضَعَهُ، ثُمَّ قالَ: وما كُنْتُ أحْسَبُ، ولا أُجَوِّزُ أنَّ الجَهْلَ يَبْلُغُ بِالحاكِمِ إلى أنْ يُصَحِّحَ هَذا، وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ عَساكِرَ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّ إلْياسَ هو إدْرِيسُ، ونُقِلَ عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ: ”وإنَّ إدْرِيسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ“، والمُسْتَفِيضُ عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ كالجُمْهُورِ، نَعَمْ، قَرَأ ابْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ والمِنهالُ بْنُ عَمْرٍو، والحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ الكُوفِيُّ كَذَلِكَ. وقُرِئَ ”إدْراسَ“، وهو لُغَةٌ في إدْرِيسَ كَإبْراهامَ في إبْراهِيمَ، وإذا فُسِّرَ إلْياسُ بِإدْرِيسَ عَلى أنَّ أحَدَ اللَّفْظَيْنِ اسْمٌ والآخَرَ لَقَبٌ، فَإنْ كانَ المُرادُ بِهِما مَن سَمِعْتَ نَسَبَهُ فَلا بَأْسَ بِهِ، وإنْ كانَ المُرادُ بِهِما إدْرِيسُ المَشْهُورُ الَّذِي رَفَعَهُ اللَّهُ تَعالى مَكانًا عَلِيًّا، وهو عَلى ما قِيلَ: أخْنُوخُ بْنُ يَزْدَ بْنِ مَهْلايِيلَ بْنِ أنُوشَ بْنِ قَيْنانَ بْنِ شِيثَ بْنِ آدَمَ وكانَ عَلى ما ذَكَرَهُ المُؤَرِّخُونَ قَبْلَ نُوحٍ، وفي المُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ بَيْنَهُ وبَيْنَ نُوحٍ ألْفَ سَنَةٍ، وعَنْ وهْبٍ: أنَّهُ جَدُّ نُوحٍ، أشْكَلَ الأمْرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ كُلا هَدَيْنا ونُوحًا هَدَيْنا مِن قَبْلُ ومِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُلَيْمانَ وأيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهارُونَ وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ﴿وزَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى وإلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ ﴿وإسْماعِيلَ واليَسَعَ ويُونُسَ ولُوطًا وكُلا فَضَّلْنا عَلى العالَمِينَ﴾، لِأنَّ ضَمِيرَ”ذريته“ إمّا أنْ يَكُونَ لِإبْراهِيمَ، لِأنَّ الكَلامَ فِيهِ، وإمّا أنْ يَكُونَ لِنُوحٍ لِأنَّهُ أقْرَبُ، ولِأنَّ يُونُسَ ولُوطًا لَيْسا مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لا يَتَسَنّى نَظْمُ إلْياسَ المُرادِ بِهِ إدْرِيسُ الَّذِي هو قَبْلَ نُوحٍ عَلى ما سَمِعْتَ في عِدادِ الذُّرِّيَّةِ، ويَرُدُّ عَلى القَوْلِ بِالِاتِّحادِ مُطْلَقًا أنَّهُ خِلافُ الظّاهِرِ فَلا تَغْفُلْ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ، والحَسَنُ بِخِلافٍ عَنْهُما، والأعْرَجُ، وأبُو رَجاءٍ، وابْنُ عامِرٍ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، ”وإنَّ الياسَ“ بِوَصْلِ الهَمْزَةِ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ قَدْ وصَلَ هَمْزَةَ القَطْعِ، واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ اسْمُهُ يَأْسًا، ودَخَلَتْ عَلَيْهِ ألْ كَما قِيلَ في اليَسَعَ، وفي حَرْفِ أُبَيٍّ ومُصْحَفِهِ، و”أنْ إيلِيسَ“ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَها ياءٌ أيْضًا ساكِنَةٌ آخِرُ الحُرُوفِ بَعْدَها لامٌ مَكْسُورَةٌ بَعْدَها ياءٌ أيْضًا ساكِنَةٌ وسِينٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب