الباحث القرآني

﴿ما يَنْظُرُونَ﴾ جَوابٌ مِن جِهَتِهِ تَعالى أيْ ما يَنْتَظِرُونَ ﴿إلا صَيْحَةً﴾ عَظِيمَةً ﴿واحِدَةً﴾ وهي النَّفْخَةُ الأوْلى في الصُّورِ الَّتِي يَمُوتُ بِها أهْلُ الأرْضِ. وعَبَّرَ بِالإنْظارِ نَظَرًا إلى ظاهِرِ قَوْلِهِمْ ﴿مَتى هَذا الوَعْدُ﴾ أوْ لِأنَّ الصَّيْحَةَ لَمّا كانَتْ لا بُدَّ مِن وُقُوعِها جُعِلُوا كَأنَّهم مُنْتَظِرُوها ﴿تَأْخُذُهُمْ﴾ تَقْهَرُهم وتَسْتَوْلِي عَلَيْهِمْ فَيَهْلِكُونَ ﴿وهم يَخِصِّمُونَ﴾ أيْ يَتَخاصَمُونَ ويَتَنازَعُونَ في مُعامَلاتِهِمْ ومَتاجِرِهِمْ لا يَخْطُرُ بِبالِهِمْ شَيْءٌ مِن مَخايِلِها كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿أوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ فَلا يَغْتَرُّوا بِعَدَمِ ظُهُورِ عَلائِمِها حَسَبَما يُرِيدُونَ ولا يَزْعُمُونَ أنَّها لا تَأْتِي، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «لَيُنَفَخَنَّ في الصُّورِ والنّاسُ في طُرُقِهِمْ وأسْواقِهِمْ ومَجالِسِهِمْ حَتّى أنَّ الثَّوْبَ لَيَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَتَساوَمانِ فَما يُرْسِلُهُ أحَدُهُما مِن يَدِهِ حَتّى يُنْفَخَ في الصُّورِ فَيُصْعَقُ بِهِ» وهي الَّتِي قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿ما يَنْظُرُونَ إلا صَيْحَةً واحِدَةً﴾ إلَخْ، وأخْرَجَ الشَّيْخانِ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَتَقُوَمَنَّ السّاعَةُ وقَدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُما بَيْنَهُما فَلا يَتَبايَعانِهِ ولا يَطْوِيانِهِ ولَتَقُوَمَنَّ السّاعَةُ والرَّجُلُ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلا يُسْقى مِنهُ ولَتَقُوَمَنَّ السّاعَةُ وقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ نَعْجَتِهِ فَلا يَطْعَمُهُ ولَتَقُوَمَنَّ السّاعَةُ وقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إلى فَمِهِ فَلا يَطْعَمُها» وأصْلُ ”يَخِصِّمُونَ“ يَخْتَصِمُونَ وبِهِ قَرَأ أُبِيٌّ فَسُكِّنَتِ التّاءُ وأُدْغِمَتْ في الصّادِ بَعْدَ قَلْبِها صادًا ثُمَّ كُسِرَتِ الخاءُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الكَسْرُ لِاتِّباعِ حَرَكَةِ الصّادِ الثّانِيَةِ والسّاكِنُ لا يَضُرُّ حاجِزًا. وقَرَأ الحَرَمِيّانِ وأبُو عَمْرٍو والأعْرَجُ وشِبْلٌ وابْنُ قُسْطَنْطِينَ بِإدْغامِ التّاءِ في الصّادِ ونَقْلِ حَرَكَتِها وهي الفَتْحَةُ إلى الخاءِ، وأبُو عَمْرٍو أيْضًا وقالُونُ بِخَلَفٍ بِاخْتِلاسِ حَرَكَةِ الخاءِ وتَشْدِيدِ الصّادِ، وعَنْهُما إسْكانُ الخاءِ وتَخْفِيفُ الصّادِ مِن خَصَمَهُ إذا جادَلَهُ، والمَفْعُولُ عَلَيْها مَحْذُوفٌ أيْ يَخْصِمُ بَعْضُهم بَعْضًا، وقِيلَ ”يَخِصِّمُونَ“ مُجادَلَتُهم عَنْ أنْفُسِهِمْ، وبَعْضُهم يَكْسِرُ ياءَ المُضارَعَةِ اتِّباعًا لِكَسْرَةِ الخاءِ وشَدِّ الصّادِ، وكَسْرُ ياءِ المُضارَعَةِ لُغَةٌ حَكاها سِيبَوَيْهِ عَنِ الخَلِيلِ في مَواضِعَ، وعَنْ نافِعٍ أنَّهُ قَرَأ بِفَتْحِ الياءِ وسُكُونِ الخاءِ وتَشْدِيدِ الصّادِ المَكْسُورَةِ، وفِيها الجَمْعُ بَيْنَ السّاكِنَيْنِ عَلى حَدِّهِ المَعْرُوفِ، وكَأنَّهُ يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَهُما إذا كانَ الثّانِي مُدْغَمًا كانَ الأوَّلُ حَرْفَ مَدٍّ أيْضًا أمْ لا، وهَذا ما اخْتَرْناهُ في نَقْلِ القِراءاتِ تَبَعًا لِبَعْضِ الأجِلَّةِ، والرُّواةُ في ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب