الباحث القرآني
(p-2)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وما أنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ﴾ أيْ قَوْمِ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ ادْخُلِ الجَنَّةَ ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أيْ مِن بَعْدِ قَتْلِهِ، وقِيلَ: مِن بَعْدِ رَفْعِهِ إلى السَّماءِ حَيًّا ﴿مِن جُنْدٍ﴾ أيْ جُنْدًا، فَـ (مِن) مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ وهو خِلافُ الظّاهِرِ. والجُنْدُ العَسْكَرُ لِما فِيهِ مِنَ الغِلْظَةِ؛ كَأنَّهُ مِنَ الجَنَدِ أيِ الأرْضِ الغَلِيظَةِ الَّتِي فِيها حِجارَةٌ. والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِهَذا الجُنْدِ جُنْدُ المَلائِكَةِ؛ أيْ ما أنْزَلْنا لِإهْلاكِهِمْ مَلائِكَةً ﴿مِنَ السَّماءِ وما كُنّا مُنْزِلِينَ﴾ وما صَحَّ في حِكْمَتِنا أنْ نُنْزِلَ الجُنْدَ لِإهْلاكِهِمْ لِما أنّا قَدَّرْنا لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا؛ حَيْثُ أهْلَكْنا بَعْضَ مَن أهْلَكْنا مِنَ الأُمَمِ بِالحاصِبِ، وبَعْضَهم بِالصَّيْحَةِ، وبَعْضَهم بِالخَسْفِ، وبَعْضَهم بِالإغْراقِ، وجَعَلْنا إنْزالَ الجُنْدِ مِن خَصائِصِكَ في الِانْتِصارِ لَكَ مِن قَوْمِكَ، وكَفَيْنا أمْرَ هَؤُلاءِ بِصَيْحَةِ مَلَكٍ صاحَ بِهِمْ فَهَلَكُوا كَما قالَ - سُبْحانَهُ -: ﴿إنْ كانَتْ إلا صَيْحَةً واحِدَةً فَإذا هم خامِدُونَ﴾، وفي ذَلِكَ اسْتِحْقارٌ لَهم ولِإهْلاكِهِمْ، وإيماءٌ إلى تَفْخِيمِ شَأْنِ النَّبِيِّ ﷺ، وفَسَّرَ أبُو حَيّانَ الجُنْدَ بِما يَعُمُّ المَلائِكَةَ، فَقالَ: كالحِجارَةِ والرِّيحِ وغَيْرِ ذَلِكَ. والمُتَبادِرُ ما تَقَدَّمَ، وقِيلَ: الجُنْدُ مَلائِكَةُ الوَحْيِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ عَلى الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - أيْ قَطَعْنا عَنْهُمُ الرِّسالَةَ حِينَ فَعَلُوا ما فَعَلُوا ولَمْ نَعْبَأْ بِهِمْ وأهْلَكْناهُمْ، وعَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ قالا: قَطَعَ اللَّهُ - تَعالى - عَنْهُمُ الرِّسالَةَ حِينَ قَتَلُوا رُسُلَهُ، وهَذا التَّفْسِيرُ بَعِيدٌ جِدًّا، وقَتْلُ الرُّسُلِ الثَّلاثَةِ مَحْكِيٌّ في البَحْرِ بِـ (قِيلَ)، وهو ظاهِرُ هَذا المَرْوِيِّ لَكِنِ المَعْرُوفُ أنَّهم لَمْ يُقْتَلُوا وإنَّما قُتِلَ حَبِيبٌ فَقَطْ، وذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إلى أنَّ ”ما“ في قَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿وما كُنّا مُنْزِلِينَ﴾ مَوْصُولَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى (جُنْدٍ) والمُرادُ ما أنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ جُنْدًا مِنَ السَّماءِ وما أنْزَلْنا الَّذِي كُنّا مُنْزِلِيهِ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِن حِجارَةٍ ورِيحٍ وغَيْرِ ذَلِكَ.
وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ زِيادَةُ (مِن) في المَعْرِفَةِ، ومِن هُنا قِيلَ: الأوْلى جَعْلُها نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وأُجِيبَ بِأنَّهُ يُغْتَفَرُ في التّابِعِ ما لا يُغْتَفَرُ في المَتْبُوعِ، ولا يَخْفى أنَّ هَذا لا يُدْفَعُ بُعْدُهُ، ومِن أبْعَدِ ما يَكُونُ قَوْلُ أبِي البَقاءِ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ ”ما“ زائِدَةً أيْ وقَدْ كُنّا مُنْزِلِينَ عَلى غَيْرِهِمْ جُنْدًا مِنَ السَّماءِ، بَلْ هو لَيْسَ بِشَيْءٍ، و”إنْ“ نافِيَةٌ، وكانَ ناقِصَةٌ، واسْمُها مُضْمَرٌ، و(صَيْحَةً) خَبَرُها، أيْ ما كانَتْ هي - أيِ الأخْذَةُ أوِ العُقُوبَةُ - إلّا صَيْحَةً واحِدَةً. رُوِيَ أنَّ اللَّهَ - تَعالى - بَعَثَ عَلَيْهِمْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حَتّى أخَذَ بِعِضادَتَيْ بابِ المَدِينَةِ فَصاحَ بِهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَماتُوا جَمِيعًا، وإذا فُجائِيَّةٌ وفِيها إشارَةٌ إلى سُرْعَةِ هَلاكِهِمْ بِحَيْثُ كانَ مَعَ الصَّيْحَةِ، وقَدْ شُبِّهُوا بِالنّارِ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ، والخُمُودُ تَخْيِيلٌ، وفي ذَلِكَ رَمْزٌ إلى أنَّ الحَيَّ كَشُعْلَةِ النّارِ والمَيِّتَ كالرَّمادِ كَما قالَ لَبِيدٌ:
؎وما المَرْءُ إلّا كالشِّهابِ وضَوْئِهِ يَحُورُ رَمادًا بَعْدَ إذْ هو ساطِعُ
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الِاسْتِعارَةُ تَصْرِيحِيَّةً تَبَعِيَّةً في الخُمُودِ بِمَعْنى البُرُودَةِ والسُّكُونِ؛ لِأنَّ الرُّوحَ لِفَزَعِها عِنْدَ الصَّيْحَةِ تَنْدَفِعُ إلى الباطِنِ دَفْعَةً واحِدَةً ثُمَّ تَنْحَصِرُ فَتَنْطَفِئُ الحَرارَةُ الغَرِيزِيَّةُ لِانْحِصارِها، ولَعَلَّ في العُدُولِ عَنْ (p-3)”هامِدُونَ“ إلى (خامِدُونَ) رَمْزًا خَفِيًّا إلى البَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، والظّاهِرُ أنَّهُ لَمْ يُؤْمِن مِنهم سِوى حَبِيبٍ وأنَّهم هَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وفي بَعْضِ الآثارِ أنَّهُ آمَنَ المَلِكُ وآمَنَ قَوْمٌ مِن حَواشِيهِ، ومَن لَمْ يُؤْمِن هَلَكَ بِالصَّيْحَةِ، وهَذا بَعِيدٌ. فَإنَّهُ كانَ الظّاهِرُ أنْ يُظاهِرَ أُولَئِكَ المُؤْمِنُونَ الرُّسُلَ كَما فَعَلَ حَبِيبٌ، ولَكانَ لَهم في القُرْآنِ الجَلِيلِ ذِكْرٌ ما بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ اللَّهُمَّ إلّا أنْ يُقالَ: إنَّهم آمَنُوا خُفْيَةً وكانَ لَهم ما يُعْذَرُونَ بِهِ عَنِ المُظاهَرَةِ، ومَعَ هَذا لا يَخْلُو - بَعْدُ - عَنْ بُعْدٍ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، ومُعاذُ بْنُ الحارِثِ القارِئُ ”صَيْحَةٌ“ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّ ”كانَ“ تامَّةٌ أيْ ما حَدَثَتْ ووَقَعَتْ إلّا صَيْحَةٌ. ويَنْبَغِي أنْ لا تَلْحَقَ الفِعْلَ تاءُ التَّأْنِيثِ في مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ فَلا يُقالُ: ما قامَتْ إلّا هِنْدُ، بَلْ ما قامَ إلّا هِنْدُ؛ لِأنَّ الكَلامَ عَلى مَعْنى: ما قامَ أحَدٌ إلّا هِنْدُ، والفاعِلُ فِيهِ مُذَكَّرٌ، ولَمْ يُجَوِّزْ كَثِيرٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ الإلْحاقَ إلّا في الشِّعْرِ كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
؎طَوى النَّحْزُ والأجْرازُ ما في غُرُوضِها ∗∗∗ وما بَقِيَتْ إلّا الضُّلُوعُ الجَراشِعُ
وقَوْلِ الآخَرِ:
؎ما بَرِئَتْ مِن رِيبَةٍ وذَمِّ ∗∗∗ في حَرْبِنا إلّا بَناتُ العَمِّ
ومِن هُنا أنْكَرَ الكَثِيرُ - كَما قالَ أبُو حاتِمٍ - هَذِهِ القِراءَةَ، ومِنهم مَن أجازَ ذَلِكَ في الكَلامِ عَلى قِلَّةٍ كَما في قِراءَةِ الحَسَنِ، ومالِكِ بْنِ دِينارٍ، وأبِي رَجاءٍ، والجَحْدَرِيِّ، وقَتادَةَ، وأبِي حَيْوَةَ، وابْنِ أبِي عَبْلَةَ، وأبِي بَحْرِيَّةَ ”لا تُرى إلّا مَساكِنُهُمْ“ بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ، ووَجْهُهُ مُراعاةُ الفاعِلِ المَذْكُورِ، وكَأنِّي بِكَ تَمِيلُ إلى هَذا القَوْلِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ ”إلّا زَقْيَةً“ مِن زَقى الطّائِرُ يَزْقُو ويَزْقِي زَقْوًا وزُقاءً إذا صاحَ، ومِنهُ المَثَلُ ”أثْقَلُ مِنَ الزَّواقِي“ وهي الدِّيَكَةُ؛ لِأنَّهم كانُوا يَسْمُرُونَ إلى أنْ تَزْقُوَ فَإذا صاحَتْ تَفَرَّقُوا.
{"ayahs_start":28,"ayahs":["۞ وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِینَ","إِن كَانَتۡ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَإِذَا هُمۡ خَـٰمِدُونَ"],"ayah":"إِن كَانَتۡ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَإِذَا هُمۡ خَـٰمِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











