الباحث القرآني

﴿إنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ كُلَّ غَيْبٍ فِيهِما أيْ لا يَخْفى عَلَيْهِ سُبْحانَهُ خافِيَةٌ فِيهِما، فَلا تَخْفى عَلَيْهِ جَلَّ شَأْنُهُ أحْوالُهُمُ الَّتِي اِقْتَضَتِ الحِكْمَةَ (p-202)أنْ يُعامَلُوا بِها هَذِهِ المُعامَلَةَ ولا يُخْرَجُوا مِنَ النّارِ، وقَرَأ جَناحُ بْنُ حُبَيْشٍ «عالِمٌ» بِالتَّنْوِينِ «غَيْبَ» بِالنَّصْبِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ لِعالِمٍ. ﴿إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ قِيلَ: إنَّهُ تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَهُ لِأنَّهُ تَعالى إذا عَلِمَ مُضْمَراتِ الصُّدُورِ وهي أخْفى ما يَكُونُ كانَ عَزَّ وجَلَّ أعْلَمَ بِغَيْرِها، وفِيهِ نَوْعُ خَفاءٍ. وقالَ الإمامُ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ إلخ تَقْرِيرٌ لِدَوامِهِمْ في العَذابِ مَعَ أنَّهم ما كَفَرُوا إلّا أيّامًا مَعْدُودَةً فَكَأنَّ سائِلًا يَسْألُ عَنْ وجْهِ ذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَخْفى عَلَيْهِ غَيْبُ السَّماواتِ والأرْضِ، فَلا يَخْفى عَلَيْهِ ما في الصُّدُورِ، فَكانَ يَعْلَمُ سُبْحانَهُ مِنَ الكافِرِ أنَّ الكُفْرَ قَدْ تَمَكَّنَ في قَلْبِهِ بِحَيْثُ لَوْ دامَ إلى الأبَدِ لَما أطاعَ اللَّهَ تَعالى ولا عَبَدَهُ اِنْتَهى. وظاهِرُهُ أنَّ الجُمْلَةَ الأُولى تَعْلِيلٌ لِلثّانِيَةِ عَلى عَكْسِ ما قِيلَ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿فَما لِلظّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ﴾ مُتَضَمِّنٌ نَفْيَ أنْ يَكُونَ لَهم نَصِيرٌ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ ومُسْتَدْعٍ خُلُودَهم في العَذابِ، فَكانَ مَظِنَّةً أنْ يُقالَ: كَيْفَ يُنْفى ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ والعادَةُ في الشّاهِدِ قاضِيَةٌ بِوُجُودِ نَصِيرٍ لِمَن تَطُولُ أيّامِ عَذابِهِ، فَأُجِيبَ بِأنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ والأرْضِ عَلى مَعْنى أنَّهُ تَعالى مُحِيطٌ بِالأشْياءِ عِلْمًا فَلَوْ كانَ لَهم نَصِيرٌ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ لَعَلِمَهُ ولَما نَفى ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ، وكَذا مَظِنَّةُ أنْ يُقالَ: كَيْفَ يُخَلَّدُونَ في العَذابِ وهم قَدْ ظَلَمُوا في أيّامٍ مَعْدُودَةٍ؟ فَأُجِيبَ بِأنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ عَلى مَعْنى أنَّهُ تَعالى يَعْلَمُ ما اِنْطَوَتْ عَلَيْهِ ضَمائِرُهم فَيَعْلَمُ أنَّهم صَمَّمُوا عَلى ما هم فِيهِ مِنَ الضَّلالِ والكُفْرِ إلى الأبَدِ، فَكُلٌّ مِنَ الجُمْلَتَيْنِ مُسْتَأْنَفٌ اِسْتِئْنافًا بَيانِيًّا، فَتَأمَّلْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب