الباحث القرآني

وبَعْدَ ما بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّهُ المُوجِدُ لِلْمُلْكِ والمَلَكُوتِ والمُتَصَرِّفُ فِيهِما عَلى الإطْلاقِ أمَرَ النّاسَ قاطِبَةً أوْ أهْلَ مَكَّةَ كَما رُوِيَ عَنْهُ اِبْنُ عَبّاسٍ واخْتارَهُ الطِّيبِيُّ بِشُكْرِ نِعَمِهِ عَزَّ وجَلَّ فَقالَ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ إنْعامَهُ تَبارَكَ وتَعالى عَلَيْكم إنْ جُعِلَتِ النِّعْمَةُ مَصْدَرًا أوْ كائِنَةً عَلَيْكم إنْ جُعِلَتِ اِسْمًا، أيْ راعُوها واحْفَظُوها بِمَعْرِفَةِ حَقِّها والِاعْتِرافِ بِها وتَخْصِيصِ العِبادَةِ والطّاعَةِ بِمُوَلِّيها، فَلَيْسَ المُرادُ مُجَرَّدَ الذِّكْرِ بِاللِّسانِ بَلْ هو كِنايَةٌ عَمّا ذُكِرَ. وعَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ وقَدْ جُعِلَ الخِطابُ لِمَن سَمِعْتَ اُذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم حَيْثُ أسْكَنَكم حَرَمَهُ ومَنَعَكم مِن جَمِيعِ العالَمِ والنّاسُ يَتَخَطَّفُونَ مِن حَوْلِكُمْ، وعَنْهُ أيْضًا نِعْمَةُ اللَّهِ تَعالى العافِيَةُ، والأوْلى عَدَمُ التَّخْصِيصِ، ولَمّا كانَتْ نِعَمُ اللَّهِ تَعالى مَعَ تَشَعُّبٍ فُنُونِها مُنْحَصِرَةً في نِعْمَةِ الإيجادِ ونِعْمَةِ الإبْقاءِ نَفى سُبْحانَهُ أنْ يَكُونَ في الوُجُودِ شَيْءٌ غَيْرُهُ سُبْحانَهُ يَصْدُرُ عَنْهُ إحْدى النِّعْمَتَيْنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِفْهامِ الَّذِي هو لِإنْكارِ التَّصْدِيقِ وتَكْذِيبِ الحُكْمِ، فَقالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿هَلْ مِن خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ وهَلْ تَأْتِي لِذَلِكَ كَما في المُطَوَّلِ وحَواشِيهِ، وقَوْلُ الرَّضِىِّ: إنَّ هَلْ لا تُسْتَعْمَلُ لِلْإنْكارِ، أرادَ بِهِ الإنْكارَ عَلى مُدَّعِي الوُقُوعِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَأصْفاكم رَبُّكم بِالبَنِينَ﴾ [اَلْإسْراءِ: 40] ويَلْزَمُهُ النَّفْيُ والإنْكارُ عَلى مَن أوْقَعَ الشَّيْءَ، كَما في قَوْلِكَ أتَضْرِبُ زَيْدًا وهو أخُوكَ أيْ هَلْ خالِقٌ مُغايِرٌ لَهُ تَعالى مَوْجُودٌ لَكم أوْ لِلْعالَمِ عَلى أنَّ ﴿خالِقٍ﴾ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ زِيدَتْ عَلَيْهِ مِن لِتَأْكِيدِ العُمُومِ و﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ صِفَةٌ لَهُ بِاعْتِبارِ مَحَلِّهِ، وصَحَّتِ الوَصْفِيَّةُ بِهِ مَعَ إضافَتِهِ إلى أعْرَفِ المَعارِفِ لِتَوَغُّلِهِ في التَّنْكِيرِ فَلا يَكْتَسِبُ تَعْرِيفًا في (p-166)مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن ﴿خالِقٍ﴾ بِذَلِكَ الِاعْتِبارِ ويُعْتَبَرُ الإنْكارُ في حُكْمِ النَّفْيِ لِيَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ هو الخالِقَ المَنفِيَّ ولِأنَّ المَعْنى عَلى الِاسْتِثْناءِ أيْ لا خالِقَ إلّا اللَّهُ تَعالى والبَدَلِيَّةُ في الِاسْتِثْناءِ بِغَيْرٍ إنَّما تَكُونُ في الكَلامِ المَنفِيِّ وبِهَذا الِاعْتِبارِ زِيدَتْ مِن عِنْدَ الجُمْهُورِ وصَحَّ الِابْتِداءُ بِالنَّكِرَةِ. وكَذا جُوِّزَ أنْ يَكُونَ فاعِلًا بِخالِقٍ لِاعْتِمادِهِ عَلى أداةِ الِاسْتِفْهامِ نَحْوَ أقائِمٌ زَيْدٌ في أحَدِ وجْهَيْهِ وهو حِينَئِذٍ سادٌّ مَسَدَّ الخَبَرِ، وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِقَوْلِهِ فِيهِ نَظَرٌ وهو أنَّ اِسْمَ الفاعِلِ أوْ ما يَجْرِي مَجْراهُ إذا اِعْتَمَدَ عَلى أداةِ الِاسْتِفْهامِ وأُجْرِيَ مَجْرى الفِعْلِ فَرَفَعَ ما بَعْدَهُ هَلْ يَجُوزُ أنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ مِنَ الَّتِي لِلِاسْتِغْراقِ، فَيُقالُ هَلْ مِن قائِمٍ الزَّيْدُونَ، كَما تَقُولُ هَلْ قائِمٌ الزَّيْدُونَ، والظّاهِرُ أنَّهُ لا يَجُوزُ ألا تَرى أنَّهُ إذا أُجْرِيَ مَجْرى الفِعْلِ لا يَكُونُ فِيهِ عُمُومٌ بِخِلافِهِ إذا دَخَلَتْ عَلَيْهِ مِن، ولا أحْفَظُ مِثْلَهُ في لِسانِ العَرَبِ، ويَنْبَغِي أنْ لا يُقْدَمُ عَلى إجازَةِ مِثْلِ هَذا إلّا بِسَماعٍ مِن كَلامِهِمْ، وفِيهِ أنَّ شَرْطَ الزِّيادَةِ والإعْمالِ مَوْجُودٌ، ولَمْ يُبْدِ مانِعًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فالتَّوَقُّفُ تَعَنُّتٌ مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ. وفِي الكَشْفِ لا مانِعَ مِن أنْ يَكُونَ ( غَيْرُ ) خَبَرًا، ومَنَعَهُ الشِّهابُ بِأنَّ المَعْنى لَيْسَ عَلَيْهِ، وقَرَأ اِبْنُ وثّابٍ وشَقِيقٌ وأبُو جَعْفَرٍ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ «غَيْرِ» بِالخَفْضِ صِفَةً لِخالِقٍ عَلى اللَّفْظِ، وهَذا مُتَعَيَّنٌ في هَذِهِ القِراءَةِ، ولِأنَّ تَوافُقَ القِراءَتَيْنِ أوْلى مِن تَخالُفِهِما كانَ الأظْهَرُ في القِراءَةِ الأُولى كَوْنَهُ وصْفًا لِخالِقٍ أيْضًا، وقَرَأ الفَضْلُ بْنُ إبْراهِيمَ النَّحْوِيُّ «غَيْرَ» بِالنَّصْبِ عَلى الِاسْتِثْناءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَرْزُقُكم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ بِالمَطَرِ والنَّباتِ كَلامٌ مُبْتَدَأٌ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعْرابِ لا صِفَةُ ﴿خالِقٍ﴾ بِاعْتِبارِ لَفْظِهِ أوْ مَحَلِّهِ، قالَ في الكَشْفِ: لِأنَّ المَعْنى عَلى التَّقْرِيعِ والتَّذْكِيرِ بِما هم مُعْتَرِفُونَ بِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: هَلْ مِن خالِقٍ لِتِلْكَ النِّعَمِ الَّتِي أُمِرْتُمْ بِذِكْرِها أوْ مُطْلَقًا، وهو أوْلى، وتَدْخُلُ دُخُولًا أوَّلِيًّا ﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ ثُمَّ تَمَّمَ ذَلِكَ بِأنَّهُ يَرْزُقُكم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ وذَلِكَ أيْضًا يَقْتَضِي اِخْتِصاصَهُ تَعالى بِالعِبادَةِ كَما أنَّ الخالِقِيَّةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وفِيهِ أنَّ الخالِقَ لا يَكُونُ إلّا رازِقًا ولَوْ قِيلَ هَلْ مِن خالِقٍ رازِقٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ غَيْرُ اللَّهِ يَخْرُجُ الكَلامُ عَنْ سَنَنِهِ المَقْصُودِ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ﴿خالِقٍ﴾ فاعِلًا لِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ المَذْكُورُ، والأصْلُ هَلْ يَرْزُقُكم خالِقٌ ومِن زائِدَةٌ في الفاعِلِ، وتُعُقِّبَ بِأنَّ ما في النَّظْمِ الجَلِيلِ إنْ كانَ مِن بابِ هَلْ رَجُلٌ عُرِفَ، فَقَدْ صَرَّحَ السَّكّاكِيُّ بِقُبْحِ هَذا التَّرْكِيبِ لِأنَّ هَلْ إنَّما تَدْخُلُ عَلى الجُمْلَةِ الخَبَرِيَّةِ فَلا بُدَّ مِن صِحَّتِها قَبْلَ دُخُولِ هَلْ ورَجُلٌ عُرِفَ لا يَصِحُّ بِدُونِ اِعْتِبارِ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ لِعَدَمِ مُصَحِّحِ الِابْتِدائِيَّةِ سِواهُ، وإذا اُعْتُبِرَ التَّقْدِيمُ والتَّأْخِيرُ كانَ الكَلامُ مُفِيدًا لِحُصُولِ التَّصْدِيقِ بِنَفْسِ الفِعْلِ فَلا يَصِحُّ دُخُولُ هَلْ عَلَيْهِ لِأنَّها لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ وما حَصَلَ لا يُطْلَبُ لِئَلّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الحاصِلِ ولِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ رَجُلٌ فاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، قالَ بِالقُبْحِ دُونَ الِامْتِناعِ، وإنْ كانَ مِن بابِ: هَلْ زَيْدٌ عُرِفَ، فَقَدْ صَرَّحَ العَلّامَةُ الثّانِي السَّعْدُ التَّفْتازانِيُّ بِأنَّهُ قَبِيحٌ بِاتِّفاقِ النُّحاةِ وأنَّ ما ذَكَرَهُ صاحِبُ المُفَصَّلِ مِن أنَّ نَحْوَ هَلْ زَيْدٌ خَرَجَ عَلى تَقْدِيرِ الفِعْلِ تَصْحِيحٌ لِلْوَجْهِ القَبِيحِ البَعِيدِ لا أنَّهُ شائِعٌ حَسَنٌ، غايَةُ ما في البابِ أنَّ سَبَبَ قُبْحِهِ لَيْسَ ما ذُكِرَ في قُبْحِ هَلْ زَيْدٌ عُرِفَ عِنْدَ السَّكّاكِيِّ لِعَدَمِ تَأتِّيهِ فِيهِ بَلِ السَّبَبُ أنَّ هَلْ بِمَعْنى قَدْ في الأصْلِ وأصْلُهُ أهَلْ كَقَوْلِهِ: ؎أهَلْ عَرَفْتَ الدّارَ بِالغُرَّتَيْنِ وتَرْكُ الهَمْزَةِ قَبْلَها لِكَثْرَةِ وُقُوعِها في الِاسْتِفْهامِ فَأُقِيمَتْ هي مَقامَ الهَمْزَةِ وتَطَفَّلَتْ عَلَيْها في الِاسْتِفْهامِ، وقَدْ مِن لَوازِمِ الأفْعالِ فَكَذا ما هي بِمَعْناها، ولَمْ يُقَبَّحْ دُخُولُها عَلى الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الَّتِي طَرَفاها اِسْمانِ لِأنَّها إذا لَمْ تَرَ الفِعْلَ في حَيِّزِها تَتَسَلّى عَنْهُ ذاهِلَةً، وهَذا بِخِلافِ ما إذا رَأتْهُ فَإنَّها حِينَئِذٍ تَتَذَكَّرُ (p-167)عُهُودًا بِالحُمّى وتَحِنُّ إلى الألْفِ المَأْلُوفِ وتَطْلُبُ مُعانَقَتَهُ ولَمْ تَرْضَ بِافْتِراقِ الِاسْمِ بَيْنَهُما، ويُعْلَمْ مِن هَذا أنَّهُ لا فَرْقَ عِنْدَ النُّحاةِ بَيْنَ هَلْ رَجُلٌ عُرِفَ وهَلْ زَيْدٌ تَعْرِفُ في القُبْحِ لِذَلِكَ. وأجابَ بَعْضُهم بِأنَّ مُجَوِّزَ هَذا الوَجْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ ومُتابِعُوهُ وهو لا يُسَلِّمُ ما ذَكَرَ لِأنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ كانَ مَثَلًا أُلْزِمَ لِلْفِعْلِ مِن هَلْ لِأنَّهُ لا يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلى الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الَّتِي طَرَفاها اِسْمانِ كَما دَخَلَتْ عَلَيْها هَلْ، وقَدْ جازَ بِلا قُبْحٍ عَمَلُ الفِعْلِ بَعْدَهُ عَلى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ﴾ فَيَجُوزُ في هَلْ بِالطَّرِيقِ الأوْلى، وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ إلخ مُسْتَأْنَفًا في جَوابِ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أيُّ خالِقٍ يَسْألُ عَنْهُ، وأنْ يَكُونَ هو الخَبَرُ لِخالِقٍ، ولا يَخْفى عَلى مُتَأمِّلٍ أنَّ ما نُقِلَ عَنِ الكَشْفِ قاضٍ بِمَرْجُوحِيَّةِ هَذِهِ الأوْجُهِ جَمِيعِها، فَتَأمَّلْ. وفِي الآيَةِ عَلى ما هو الأوْلى في تَفْسِيرِها وإعْرابِها رَدٌّ عَلى المُعْتَزِلَةِ في قَوْلِهِمُ: العَبْدُ خالِقٌ لِأفْعالِهِ، ونُصْرَةٌ لِأهْلِ السُّنَّةِ في قَوْلِهِمْ لا خالِقَ إلّا اللَّهُ تَعالى. ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ اِسْتِئْنافٌ مُقَرِّرٌ لِلنَّفْيِ المَفْهُومِ مِمّا تَقَدَّمَ قَصْدًا، ولَمْ يُجَوِّزْ جارَ اللَّهِ أنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِخالِقٍ كَما جُعِلَ ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ صِفَةً لَهُ، حَيْثُ قالَ: ولَوْ وصَلَتْ جُمْلَةُ ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ كَما وصَلَتْ ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ لَمْ يُساعِدْ عَلَيْهِ المَعْنى، لِأنَّ قَوْلَكَ هَلْ مِن خالِقٍ آخَرَ سِوى اللَّهِ لا إلَهَ إلّا ذَلِكَ الخالِقُ - غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، لِأنَّ قَوْلَكَ هَلْ مِن خالِقٍ سِوى اللَّهِ إثْباتٌ لِلَّهِ تَعالى فَلَوْ ذَهَبْتَ تَقُولُ ذَلِكَ كُنْتَ مُناقِضًا بِالنَّفْيِ بَعْدَ الإثْباتِ اه، وبَيَّنَ صاحِبُ الكَشْفِ وجْهَ المُناقَضَةِ عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ صِفَةً بِأنَّ الكَلامَ مَسُوقٌ لِنَفْيِ المُشارَكَةِ في الصِّفَةِ المُحَقَّقَةِ، أعْنِي الخَلْقَ فَقَوْلُكُ هَلْ مِن خالِقٍ آخَرَ سِوى اللَّهِ إثْباتٌ لِلَّهِ تَعالى ونَفْيُ المُشارِكِ لَهُ فِيها، ثُمَّ وصْفُ الآخَرِ بِانْحِصارِ الإلَهِيَّةِ فِيهِ يَكُونُ لِنَفْيِ خالِقِيَّتِهِ دُونَ تَفَرُّدٍ بِالإلَهِيَّةِ، والتَّفَرُّدُ بِالإلَهِيَّةِ مَعَ مُغايَرَتِهِ لِلَّهِ تَعالى مُتَناقِضانِ لِأنَّ الأوَّلَ يَنْفِيهِ تَعالى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا والثّانِي يُثْبِتُهُ مَعَ الغَيْرِ جُلَّ عَنْ كُلِّ شَرِيكٍ ونَقْصٍ، ثُمَّ قالَ: والتَّحْقِيقُ في هَذا أنَّ هَلْ لِإنْكارِ ما يَلِيها وما تَلاهُ إنْ كانَ مِن تَتِمَّتِهِ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الإنْكارِ بِالبَقِيَّةِ، وإلّا كانَ مُبْقًى عَلى حالِهِ نَفْيًا وإثْباتًا، ولَمّا كانَ الكَلامُ في الخالِقِيَّةِ عَلى ما مَرَّ لَمْ يَكُنِ الوَصْفانِ، أعْنِي تَفَرُّدَ الآخَرِ بِالإلَهِيَّةِ ومُغايَرَتَهُ لِلْقَيُّومِ الحَقِّ مَصَبًّا لَهُ، وهُما مُتَناقِضانِ في أنْفُسِهِما عَلى ما بَيَّنَ، فَيَلْزَمُ ما ذَكَرَهُ جارُ اللَّهِ لُزُومًا بَيِّنًا اه. وقَدْ دُفِعَ بِتَقْرِيرِهِ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنَ القالِ والقِيلِ بَيْدَ أنَّهُ لا يَخْلُو عَنْ بَحْثٍ، ويُمْكِنُ تَقْرِيرُ المُناقَضَةِ عَلى تَقْدِيرِ الوَصْفِيَّةِ بِوَجْهٍ أظْهَرَ لَعَلَّهُ لا يَخْفى عَلى المُتَأمِّلِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المانِعُ مِنَ الوَصْفِيَّةِ النَّظْمُ المُعْجِزُ وحاكِمُهُ الذَّوْقُ السَّلِيمُ والكَلامُ في ذَلِكَ طَوِيلٌ، فَتَأمَّلْ. والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ لِتَرْتِيبِ إنْكارِ عُدُولِهِمْ عَنِ التَّوْحِيدِ إلى الإشْراكِ عَلى ما قَبْلَها كَأنَّهُ قِيلَ: وإذا تَبَيَّنَ تَفَرُّدُهُ تَعالى بِالأُلُوهِيَّةِ والخالِقِيَّةِ والرّازِقِيَّةِ فَمِن أيِّ وجْهٍ تُصْرَفُونَ عَنِ التَّوْحِيدِ إلى الشِّرْكِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب