الباحث القرآني
﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ قالَ اِبْنُ عَبّاسٍ: هو الرُّجُوعُ إلى الدُّنْيا، وقالَ الحَسَنُ: هو الإيمانُ المَقْبُولُ، وقالَ قَتادَةُ: طاعَةُ اللَّهِ تَعالى، وقالَ السُّدِّيُّ: التَّوْبَةُ، وقالَ مُجاهِدٌ: الأهْلُ والمالُ والوَلَدُ، وقِيلَ أيْ حِيلَ بَيْنَ الجَيْشِ والمُؤْمِنِينَ بِالخَسْفِ بِالجَيْشِ، أوْ بَيْنَهم وبَيْنَ تَخْرِيبِ الكَعْبَةِ، أوْ بَيْنَهم وبَيْنَ النَّجاةِ مِنَ العَذابِ، أوْ بَيْنَهم وبَيْنَ نَعِيمِ الدُّنْيا ولَذَّتِها، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ أيْضًا، و«حِيلَ» مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ ونائِبُ الفاعِلِ كَما قالَ أبُو حَيّانَ ضَمِيرُ المَصْدَرِ أيْ وحِيلَ هو أيِ الحَوْلُ، وحاصِلُهُ وقَعَتِ الحَيْلُولَةُ، ولِإضْمارِهِ لَمْ يَكُنْ مَصْدَرًا مُؤَكِّدًا فَنابَ مَنابَ الفاعِلِ، وعَلى ذَلِكَ يُخَرَّجُ قَوْلُهُ:
؎وقالَتْ مَتى يُبْخَلْ عَلَيْكَ ويُعْتَلَلْ يَسُؤْكَ وإنْ يُكْشَفْ غَرامُكَ تَدْرُبِ
أيْ يُعْتَلَلْ هو أيِ الِاعْتِلالُ، وقالَ الحَوْفِيُّ: قامَ الظَّرْفُ مَقامَ الفاعِلِ، وتَعَقَّبَهُ في البَحْرِ بِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ مَرْفُوعًا، والإضافَةُ إلى الضَّمِيرِ لا تُسَوِّغُ البِناءَ وإلّا لَساغَ جاءَ غُلامُكَ بِالفَتْحِ ولا يَقُولُهُ أحَدٌ، نَعَمْ لِلْبِناءِ لِلْإضافَةِ إلى المَبْنِيِّ مَواضِعَ أحْكَمْتَ في النَّحْوِ، وماذا يَقُولُ الحَوْفِيُّ في قَوْلِهِ:
؎وقَدْ حِيلَ بَيْنَ العِيرِ والنَّزَوانِ
فَإنَّهُ نَصَبَ بَيْنَ مَعَ إضافَتِها إلى مُعْرَبٍ، وقَرَأ اِبْنُ عامِرٍ والكِسائِيُّ بِإشْمامِ الضَّمِّ لِلِحاءِ.
﴿كَما فُعِلَ بِأشْياعِهِمْ مِن قَبْلُ﴾ أيْ بِأشْباهِهِمْ مِن كَفَرَةِ الأُمَمِ الدّارِجَةِ، ( ومِن قَبْلُ ) مُتَعَلِّقٌ بِأشْياعِهِمْ عَلى أنَّ المُرادَ مَنِ اِتَّصَفَ بِصِفَتِهِمْ مِن قَبْلُ، أيْ في الزَّمانِ الأوَّلِ، ويُرَجِّحُهُ أنَّ ما يُفْعَلُ بِجَمِيعِهِمْ في الآخِرَةِ إنَّما هو في وقْتٍ واحِدٍ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ إذا كانَتِ الحَيْلُولَةُ في الدُّنْيا، وعَنْ الضَّحّاكِ أنَّ المُرادَ بِأشْياعِهِمْ أصْحابُ الفِيلِ، الظّاهِرُ أنَّهُ جَعَلَ الآيَةَ في السُّفْيانِيِّ ومَن مَعَهُ. (p-160)
﴿إنَّهم كانُوا في شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ أيْ مَوْقِعٍ في رِيبَةٍ عَلى أنَّهُ مِن أرابَهُ أوْقَعَهُ في رِيبَةٍ وتُهْمَةٍ أوْ ذِي رِيبَةٍ مِن أرابَ الرَّجُلَ صارَ ذا رِيبَةٍ، فَإمّا أنْ يَكُونَ قَدْ شَبَّهَ الشَّكَّ بِإنْسانٍ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مُرِيبًا عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ التَّخِيِيلِيَّةِ، أوْ يَكُونُ الإسْنادُ مَجازِيًّا أُسْنِدَ فِيهِ ما لِصاحِبِ الشَّكِّ لِلشَّكِّ مُبالَغَةً كَما يُقالُ شِعْرُ شاعِرٍ، وكَأنَّهُ مِن هُنا قالَ اِبْنُ عَطِيَّةَ: الشَّكُّ المُرِيبُ أقْوى ما يَكُونُ مِنَ الشَّكِّ، وضَمِيرُ الجَمْعِ لِلْإشْباعِ وقِيلَ لِأُولَئِكَ المُحَدَّثُ عَنْهُمْ، واَللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
* * *
ومِن بابِ الإشارَةِ في بَعْضِ آياتِ السُّورَةِ ما قِيلَ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلا يا جِبالُ أوِّبِي مَعَهُ والطَّيْرَ﴾ أُشِيرُ بِالجِبالِ إلى عالَمِ المُلْكِ وبِالطَّيْرِ إلى عالَمِ المَلَكُوتِ، وقَدْ ذَكَرُوا أنَّهُ إذا تَمَكَّنَ الذِّكْرُ سَرى في جَمِيعِ أجْزاءِ البَدَنِ، فَيَسْمَعُ الذّاكِرُ كُلَّ جُزْءٍ مِنهُ ذاكِرًا، فَإذا تَرَقّى حالُهُ يَسْمَعُ كُلَّ ما في عالَمِ المُلْكِ كَذَلِكَ، فَإذا تَرَقّى يَسْمَعُ كُلَّ ما في الوُجُودِ كَذَلِكَ وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴿وألَنّا لَهُ الحَدِيدَ﴾ القَلْبَ ﴿أنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ﴾ وهي الحِكَمُ البالِغَةُ الَّتِي تَظْهَرُ مِنَ القَلْبِ عَلى اللِّسانِ ﴿وقَدِّرْ في السَّرْدِ﴾ أيْ في سَرْدِ الحَدِيثِ بِأنْ تَتَكَلَّمَ بِالحِكْمَةِ عَلى قَدْرِ ما يَتَحَمَّلُهُ عَقْلُ مُخاطَبِكَ، وقَدْ ورَدَ كَلِّمُوا النّاسَ بِما يَعْرِفُونَ، أتُرِيدُونَ أنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ تَعالى ورَسُولُهُ ﷺ.
ومِن هُنا يَصْعُبُ الجَوابُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ مِنَ المُتَصَوِّفَةِ بِما يُنْكِرُهُ أكْثَرُ مَن يَسْمَعُهُ مِنَ العُلَماءِ وبِهِ ضَلَّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ ﴿ولِسُلَيْمانَ الرِّيحَ﴾ رِيحَ العِنايَةِ ﴿غُدُوُّها شَهْرٌ ورَواحُها شَهْرٌ﴾ فَكانَ يَتَصَرَّفُ بِالهِمَّةِ وقَذْفِ الأنْوارِ في قُلُوبِ مُتَّبِعِيهِ مِن مَسافَةِ شَهْرٍ ﴿ومِنَ الجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِّهِ﴾ إشارَةٌ إلى قُوَّةِ باطِنِهِ حَيْثُ اِنْقادَ لَهُ مِن جَبَلٍ عَلى المُخالَفَةِ وفِعْلِ الشُّرُورِ ﴿وقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ وهو مَن شَكَرَهُ بِالأحْوالِ أعْنِي التَّخَلُّقَ بِأخْلاقِ اللَّهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ المَوْتَ ما دَلَّهم عَلى مَوْتِهِ إلا دابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأتَهُ﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الضَّعِيفَ قَدْ يُفِيدُ القَوِيَّ عِلْمًا ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ وهي مَقاماتُ أهْلِ الباطِنِ مِنَ العارِفِينَ ﴿قُرًى ظاهِرَةً﴾ وهي مَقاماتُ أهْلِ الظّاهِرِ مِنَ النّاسِكِينَ ﴿سِيرُوا فِيها لَيالِيَ﴾ في لَيالِي البَشَرِيَّةِ ﴿وأيّامًا﴾ في أيّامِ الرُّوحانِيَّةِ ﴿آمِنِينَ﴾ في خِفارَةِ الشَّرِيعَةِ.
وقالَ بَعْضُ الفِرْقَةِ الجَدِيدَةِ الكَشْفِيَّةِ: القُرى المُبارَكُ فِيها الأئِمَّةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمْ، والقُرى الظّاهِرَةُ الدُّعاةُ إلَيْهِمْ والسُّفَراءُ بَيْنَهم وبَيْنَ شِيعَتِهِمْ ﴿وظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ بِمَيْلِهِمْ إلى الدُّنْيا وتَرْكِ السَّيْرِ لِسُوءِ اِسْتِعْدادِهِمْ ﴿حَتّى إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الهَيْبَةَ تَمْنَعُ الفَهْمَ ﴿وما أرْسَلْناكَ﴾ أيْ ما أخْرَجْناكَ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ ﴿إلا كافَّةً لِلنّاسِ﴾ الأوَّلِينَ والآخَرِينَ ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا﴾ وهَذا حالُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في عالَمِ الأرْواحِ وفي عالَمِ الأجْسادِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ إذْ لا نُورَ لَهم يَهْتَدُونَ بِهِ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا﴾ ما هَذا ﴿إلا رَجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَصُدَّكم عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ﴾ هَؤُلاءِ قُطّاعُ الطَّرِيقِ عَلى عِبادِ اللَّهِ تَعالى ومِثْلُهُمُ المُنْكِرُونَ عَلى أوْلِياءِ اللَّهِ تَعالى الَّذِينَ يُنَفِّرُونَ النّاسَ عَنِ الِاعْتِقادِ بِهِمْ واتِّباعِهِمْ ﴿قُلْ إنْ ضَلَلْتُ فَإنَّما أضِلُّ عَلى نَفْسِي﴾ إنَّ النَّفْسَ لَأمّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴿وإنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إلَيَّ رَبِّي﴾ مِنَ القُرْآنِ وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ نُورٌ لا يَبْقى مَعَهُ دَيْجُورٌ أوْ مَراتِبُ الِاهْتِداءِ بِهِ مُتَفاوِتَةٌ حَسَبَ تَفاوُتِ الفَهْمِ النّاشِئِ مِن تَفاوُتِ صَفاءِ الباطِنِ وطِهارَتِهِ، وقَدْ ورَدَ أنَّ لِلْقُرْآنِ ظاهِرًا وباطِنًا ولا يَكادُ يَصِلُ الشَّخْصُ إلى باطِنِهِ إلّا بِتَطْهِيرِ باطِنِهِ كَما يَرْمُزُ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ﴾ [اَلْواقِعَةِ: 79] نَسْألُ اللَّهَ تَعالى أنْ يُوَفِّقَنا لِفَهْمِ ظاهِرِهِ وباطِنِهِ إلى ما شاءَ مِنَ البُطُونِ فَإنَّهُ جَلَّ وعَلا القادِرُ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ.
{"ayah":"وَحِیلَ بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ مَا یَشۡتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشۡیَاعِهِم مِّن قَبۡلُۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ فِی شَكࣲّ مُّرِیبِۭ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق