الباحث القرآني

﴿وقالُوا آمَنّا بِهِ﴾ أيْ بِاَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى ما أخْرَجَهُ جَمْعٌ (p-158)عَنْ مُجاهِدٍ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: أيْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ما بِصاحِبِكم مِن جِنَّةٍ﴾ وقِيلَ الضَّمِيرُ لِلْعَذابِ، وقِيلَ لِلْبَعْثِ، ورُجِّحَ رُجُوعُهُ إلى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِأنَّ الإيمانَ بِهِ ﷺ شامِلٌ لِلْإيمانِ بِاَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وبِما ذُكِرَ مِنَ العَذابِ والبَعْثِ. ﴿وأنّى لَهُمُ التَّناوُشُ﴾ التَّناوُشُ التَّناوُلُ كَما قالَ الرّاغِبُ ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو تَناوُلٌ سَهْلٌ لِشَيْءٍ قَرِيبٍ يُقالُ ناشَهُ يَنُوشُهُ وتَناوَشَهُ القَوْمُ وتَناوَشُوا في الحَرْبِ ناشَ بَعْضُهم بَعْضًا بِالسِّلاحِ، وقالَ الرّاجِزُ: ؎فَهِيَ تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشًا مِن عُلا نَوْشًا بِهِ تَقْطَعُ أجْوازَ الفَلا وإبْقاؤُهُ عَلى عُمُومِهِ أوْلى أيْ مِن أيْنَ لَهم أنْ يَتَناوَلُوا الإيمانَ ﴿مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ فَإنَّهُ في حَيِّزِ التَّكْلِيفِ وهم مِنهُ بِمَعْزِلٍ بَعِيدٍ، ونَقَلَ في البَحْرِ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ تَفْسِيرَ ﴿التَّناوُشُ﴾ بِالرُّجُوعِ أيْ مِن أيْنَ لَهُمُ الرُّجُوعُ إلى الدُّنْيا، وأنْشَدَ اِبْنُ الأنْبارِيِّ: ؎تَمَنّى أنْ تَؤُوبَ إلى مَيَّ ∗∗∗ ولَيْسَ إلى تَناوُشِها سَبِيلُ ولا يَخْفى أنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ في ذَلِكَ، والمُرادُ تَمْثِيلُ حالِهِمْ في الِاسْتِخْلاصِ بِالإيمانِ بَعْدَ ما فاتَ عَنْهم وبَعُدَ بِحالٍ مِن يُرِيدُ أنْ يَتَناوَلَ الشَّيْءَ بَعْدَ أنْ بَعُدَ عَنْهُ وفاتَ في الِاسْتِحالَةِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وأبُو عَمْرٍو وأبُو بَكْرٍ «اَلتَّناؤُشُ» بِالهَمْزِ، وخُرِّجَ عَلى قَلْبِ الواوِ هَمْزَةً، قالَ الزَّجّاجُ: كُلُّ واوٍ مَضْمُومَةٍ ضَمَّةٌ لازِمَةٌ فَأنْتَ بِالخِيارِ فِيها إنْ شِئْتَ أبْقَيْتُها وإنْ شِئْتَ قَلَبْتُها هَمْزَةً، فَتَقُولُ ثَلاثَ أدْوُرٍ بِلا هَمْزٍ وثَلاثُ أدْؤُرٍ بِالهَمْزِ، وتَعَقَّبَ ذَلِكَ أبُو حَيّانَ فَقالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلى إطْلاقِهِ بَلْ لا يَجُوزُ ذَلِكَ في المُتَوَسِّطَةِ إذا كانَتْ مُدْغَمًا فِيها نَحْوُ تَعَوُّدٍ وتَعَوُّذٍ مَصْدَرَيْنِ، وقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ في التَّسْهِيلِ، ولا إذا صَحَّتْ في الفِعْلِ نَحْوَ تَرَهْوَكَ تَرَهْوُكًا وتَعاوَنَ تَعاوُنًا، وعَلى هَذا لا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ المَذْكُورُ لِأنَّ التَّناوُشَ كالتَّعاوُنِ في أنَّ واوَهُ قَدْ صَحَّتْ في الفِعْلِ إذْ تَقُولُ تَناوُشٌ فَلا يُهْمَزُ، وقالَ الفَرّاءُ: هو مِن نَأشْتَ أيْ تَأخَّرْتَ وأنْشَدَ قَوْلَ نَهْشَلَ: ؎تَمَنّى نَئِيشًا أنْ يَكُونَ أطاعَنِي ∗∗∗ وقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأُمُورِ أُمُورُ أيْ تَمَنّى أخِيرًا، والضَّمِيرُ لِلْمَوْلى في قَوْلِهِ: ؎ومَوْلًى عَصانِي واسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ ∗∗∗ كَما لَمْ يُطَعْ فِيما أشاءُ قَصِيرُ فالهَمْزَةُ فِيهِ أصْلِيَّةٌ واللَّفْظُ ورَدَ مِن مادَّتَيْنِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: هو مِن نَأشْتَ الشَّيْءَ إذا طَلَبْتَهُ، قالَ رُؤْبَةُ: ؎أقْحَمَنِي جارُ أبِي الخابُوشِ ∗∗∗ إلَيْكَ نَأْشُ القَدَرِ النَّؤُوشِ فالهَمْزَةُ أصْلِيَّةٌ أيْضًا، قِيلَ والتَّناؤُشُ عَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ بِمَعْنى التَّناوُلِ مِن بُعْدٍ لِأنَّ الأخِيرَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، والطَّلَبُ لا يَكُونُ لِلشَّيْءِ القَرِيبِ مِنكَ الحاضِرِ عِنْدَكَ فَيَكُونُ مِن ﴿مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ تَأْكِيدًا، أوْ يُجَرَّدُ التَّناوُشُ لِمُطْلَقِ التَّناوُلِ، وحَمْلُ البُعْدِ في قَيْدِهِ عَلى البُعْدِ الزَّمانِيِّ بَحَثَ فِيهِ الشِّهابُ بِأنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأنَّ المُسْتَعارَ مِنهُ هو في المَكانِ وما ذُكِرَ مِن أحْوالِ المُسْتَعارِ لَهُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب