الباحث القرآني

﴿ويَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا﴾ أيِ المُسْتَكْبِرِينَ والمُسْتَضْعَفِينَ أوِ الفَرِيقَيْنِ وما كانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿ويَوْمَ﴾ ظَرْفٌ لِمُضْمَرٍ مُتَقَدِّمٍ أيْ واذْكُرْ يَوْمَ، أوْ مُتَأخِّرٍ أيْ ويَوْمَ نَحْشُرُهم جَمِيعًا ﴿ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ﴾ إلى آخِرِهِ يَكُونُ مِنَ الأحْوالِ والأهْوالِ ما لا يُحِيطُ بِهِ نِطاقُ المَقالِ، وظاهِرُ العَطْفِ بِثُمَّ يَقْتَضِي أنَّ القَوْلَ لِلْمَلائِكَةِ مُتَراخٍ عَنِ الحَشْرِ، وفي الآثارِ ما شَهِدَ لَهُ، فَقَدْ رُوِيَ أنَّ الخَلْقَ بَعْدَ أنْ يُحْشُرُوا يَبْقَوْنَ قِيامًا في المَوْقِفِ سَبْعَ آلافِ سَنَةٍ لا يُكَلِّمُونَ حَتّى يَشْفَعَ في فَصْلِ القَضاءِ نَبِيُّنا ﷺ، فَلَعَلَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ سُبْحانَهُ لِلْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ﴿أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ تَقْرِيعًا لِلْمُشْرِكِينَ وتَبْكِيتًا وإقْناطًا لَهم عَمّا عَلَّقُوا بِهِ أطْماعَهُمُ الفارِغَةَ مِن شَفاعَةِ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لِعِلْمِهِ سُبْحانَهُ بِما تُجِيبُ بِهِ عَلى نَهْجِ قَوْلِهِ تَعالى لِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ﴾ [اَلْمائِدَةِ: 116] وتَخْصِيصُهم بِالذِّكْرِ لِأنَّهم أشْرَفُ شُرَكاءِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا كِتابَ لَهم والصّالِحُونَ عادَةً لِلْخِطابِ وعِبادَتُهم مَبْدَأُ الشِّرْكِ بِناءً عَلى ما نَقَلَ اِبْنُ الوَرْدِيِّ في تارِيخِهِ في أنَّ سَبَبَ حُدُوثِ عِبادَةِ الأصْنامِ في العَرَبِ أنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ مَرَّ بِقَوْمٍ بِالشّامِ فَرَآهم يَعْبُدُونَ الأصْنامَ فَسَألَهم فَقالُوا لَهُ هَذِهِ أرْبابٌ نَتَّخِذُها عَلى شَكْلِ الهَياكِلِ العُلْوِيَّةِ فَنَسْتَنْصِرُ بِها ونَسْتَسْقِي فَتَبِعَهم وأتى بِصَنَمٍ مَعَهُ إلى الحِجازِ ورَسُولٍ لِلْعَرَبِ فَعَبَدُوهُ واسْتَمَرَّتْ عِبادَةُ الأصْنامِ فِيهِمْ إلى أنْ جاءَ الإسْلامُ وحَدَثَتْ عِبادَةُ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمانٍ كَثِيرٍ فَبِظُهُورِ قُصُورِهِمْ عَنْ رُتْبَةِ المَعْبُودِيَّةِ وتَنَزُّهِهِمْ عَنْ عِبادَتِهِمْ يَظْهَرُ حالُ سائِرِ الشُّرَكاءِ بِطَرِيقِ الأوْلَوِيَّةِ. ﴿وهَؤُلاءِ﴾ مُبْتَدَأٌ و( كانُوا يَعْبُدُونَ ) خَبَرُهُ ( وإيّاكم ) مَفْعُولُ ( يَعْبُدُونَ ) قُدِّمَ لِلْفاصِلَةِ مَعَ أنَّهُ أهَمُّ لِأمْرِ التَّقْرِيعِ واسْتُدِلَّ بِتَقْدِيمِهِ عَلى جَوازِ تَقْدِيمِ خَبَرِ كانَ إذا كانَ جُمْلَةً عَلَيْها كَما ذَهَبَ إلَيْهِ اِبْنُ السَّرّاجِ فَإنَّ تَقْدِيمَ المَعْمُولِ مُؤْذِنٌ بِجَوازِ تَقْدِيمِ العامِلِ. وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّ هَذِهِ القاعِدَةَ لَيْسَتْ مُطَّرِدَةً ثُمَّ قالَ: والأوْلى مَنعُ ذَلِكَ إلّا أنْ يَدُلَّ عَلى جَوازِهِ سَماعٌ مِنَ العَرَبِ، وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ «نَحْشُرُهُمْ» «ثُمَّ نَقُولُ» بِالنُّونِ في الفِعْلَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب