الباحث القرآني
﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرًى ظاهِرَةً﴾ إلى آخِرِهِ عُطِفَ بِمَجْمُوعِهِ عَلى مَجْمُوعِ ما قَبْلَهُ عَطْفَ القِصَّةِ عَلى القِصَّةِ وهو حِكايَةٌ لِما أُوتُوا مِنَ النِّعَمِ في مَسايِرِهِمْ ومَتاجِرِهِمْ، وما فَعَلُوا بِها مِنَ الكُفْرانِ وما حاقَ بِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وما قَبْلُ كانَ حِكايَةً لِما أُوتُوا مِنَ النِّعَمِ في مَساكِنِهِمْ ومَحَلِّ إقامَتِهِمْ وما فَعَلُوا بِها وما فُعِلَ بِهِمْ، والمُرادُ بِالقُرى الَّتِي بُورِكَ فِيها قُرى الشّامِ وذَلِكَ بِكَثْرَةِ أشْجارِها وأثْمارِها والتَّوْسِعَةِ عَلى أهْلِها، وعَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ هي قُرى بَيْتِ المَقْدِسِ وعَنْ مُجاهِدٍ هي السَّراوِيَّةُ، وعَنْ وهْبٍ قُرى صَنْعاءَ، وقالَ اِبْنُ جُبَيْرٍ: قُرى مَأْرِبَ، والمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الأوَّلُ حَتّى قالَ اِبْنُ عَطِيَّةَ: إنَّ إجْماعَ المُفَسِّرِينَ عَلَيْهِ.
ومَعْنى ﴿ظاهِرَةً﴾ عَلى ما رُوِيَ عَنْ قَتادَةَ مُتَواصِلَةٌ يَقْرُبُ بَعْضُها مِن بَعْضٍ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِمَن في بَعْضِها ما في مُقابَلَتِهِ مِنَ الأُخْرى، وهَذا يَقْتَضِي القُرْبَ الشَّدِيدَ لَكِنْ سَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى ما قِيلَ في مِقْدارِ ما بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ، وقالَ المُبَرِّدُ ظاهِرَةٌ مُرْتَفِعَةٌ أيْ عَلى الآكامِ والظِّرابِ وهي أشْرَفُ القُرى، وقِيلَ ظاهِرَةٌ مَعْرُوفَةٌ يُقالُ هَذا أمْرٌ ظاهِرٌ أيْ مَعْرُوفٌ وتَعُرْفُ القَرْيَةُ لِحُسْنِها ورِعايَةِ أهْلِها المارِّينَ عَلَيْها، وقِيلَ: ظاهِرَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلى الطُّرُقِ لِيَسْهُلَ سَيْرُ السّابِلَةِ فِيها.
وقالَ اِبْنُ عَطِيَّةَ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أنَّ مَعْنى ﴿ظاهِرَةً﴾ خارِجَةٌ عَنِ المُدُنِ فَهي عِبارَةٌ عَنِ القُرى الصِّغارِ الَّتِي في ظَواهِرِ المُدُنِ كَأنَّهُ فَصَلَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَيْنَ القُرى الصِّغارِ وبَيْنَ القُرى المُطْلَقَةِ الَّتِي هي المُدُنُ، وظَواهِرُ المُدُنِ ما خَرَجَ عَنْها في الفَيافِي، ومِنهُ قَوْلُهم نَزَلْنا بِظاهِرِ البَلَدِ الفُلانِيِّ أيْ خارِجًا عَنْهُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎فَلَوْ شَهِدَتْنِي مِن قُرَيْشٍ عِصابَةُ قُرَيْشِ البِطاحِ لا قُرَيْشِ الظَّواهِرِ
يَعْنِي أنَّ الخارِجِينَ مِن بَطْحاءِ مَكَّةَ ويُقالُ لِلسّاكِنِينَ خارِجَ البَلَدِ أهْلُ الضَّواحِي وأهْلُ البَوادِي أيْضًا. (p-130)
﴿وقَدَّرْنا فِيها السَّيْرَ﴾ أيْ جَعَلْنا نِسْبَةَ بَعْضِها إلى بَعْضٍ عَلى مِقْدارٍ مُعَيَّنٍ مِنَ السَّيْرِ، قِيلَ مَن سارَ مِن قَرْيَةٍ صَباحًا وصَلَ إلى أُخْرى وقْتَ الظَّهِيرَةِ والقَيْلُولَةِ ومَن سارَ بَعْدَ الظُّهْرِ وصَلَ إلى أُخْرى عِنْدَ الغُرُوبِ، فَلا يُحْتاجُ لِحَمْلِ زادٍ ولا مَبِيتٍ في أرْضٍ خالِيَةٍ ولا يَخافُ مِن عَدُوٍّ ونَحْوِهِ، وقِيلَ: كانَ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ مِيلٌ، وقالَ الضَّحّاكُ: مَقادِيرُ المَراحِلِ كانَتِ القُرى عَلى مَقادِيرِها، وهَذا هو الأوْفَقُ بِمَعْنى ﴿ظاهِرَةً﴾ عَلى ما سَمِعْتَ عَنْ قَتادَةَ، وكَذا بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿سِيرُوا فِيها﴾ فَإنَّهُ مُؤْذِنٌ بِشِدَّةِ القُرْبِ، حَتّى كَأنَّهم لَمْ يَخْرُجُوا مِن نَفْسِ القُرى، والظّاهِرُ أنَّ ﴿سِيرُوا﴾ أمْرٌ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ عَلى لِسانِ نَبِيٍّ أوْ نَحْوِهِ، وهو بِتَقْدِيرِ القَوْلِ أيْ قُلْنا لَهم سِيرُوا في تِلْكَ القُرى ﴿لَيالِيَ وأيّامًا﴾ أيْ مَتى شِئْتُمْ مِن لَيْلٍ ونَهارٍ ﴿آمِنِينَ﴾ مَن كُلِّ ما تَكْرَهُونَهُ لا يَخْتَلِفُ إلّا مَن فِيها بِاخْتِلافِ الأوْقاتِ، وقَدَّمَ اللَّيالِي لِأنَّها مَظِنَّةُ الخَوْفِ مِن مُغْتالٍ وإنْ قِيلَ اللَّيْلُ أخْفى لِلْوَيْلِ أوْ لِأنَّها سابِقَةٌ عَلى الأيّامِ أوْ قُلْنا سِيرُوا فِيها آمِنِينَ، وإنْ تَطاوَلَتْ مُدَّةُ سَفَرِكم وامْتَدَّتْ لَيالِيَ وأيّامًا كَثِيرَةً، قالَ قَتادَةُ: كانُوا يَسِيرُونَ مَسِيرَةَ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ في أمانٍ ولَوْ وجَدَ الرَّجُلُ قاتِلَ أبِيهِ لَمْ يَهْجُهُ، أوْ سِيرُوا فِيها لَيالِيَكم وأيّامَكُمْ، أيْ مُدَّةَ أعْمارِكم لا تَلْقَوْنَ فِيها إلّا الأمْنَ، وقُدِّمَتِ اللَّيالِي لِسَبْقِها.
وأيًّا ما كانَ فَقَدْ عُلِمَ فائِدَةُ ذِكْرِ اللَّيالِي والأيّامِ وإنْ كانَ السَّيْرُ لا يَخْلُو عَنْهُما، وجُوِّزَ أنْ لا يَكُونَ هُناكَ قَوْلٌ حَقِيقَةً، وإنَّما نَزَلَ تَمْكِينُهم مِنَ السَّيْرِ المَذْكُورِ وتَسْوِيَةُ مَبادِئِهِ وأسْبابِهِ مَنزِلَةَ القَوْلِ لَهم وأمْرِهِمْ بِذَلِكَ والأمْرُ عَلى الوَجْهَيْنِ لِلْإباحَةِ.
{"ayah":"وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا قُرࣰى ظَـٰهِرَةࣰ وَقَدَّرۡنَا فِیهَا ٱلسَّیۡرَۖ سِیرُوا۟ فِیهَا لَیَالِیَ وَأَیَّامًا ءَامِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق