الباحث القرآني
﴿وإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ﴾ مُقَدَّرٌ (بِاذْكُرْ) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لا ظَرْفٌ لِفَسادِ المَعْنى، وهو مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلَهُ عَطْفَ القِصَّةِ عَلى القِصَّةِ، أوْ عَلى مُقَدَّرٍ كَخُذْ هَذا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَطْفًا عَلى خَبَرِ كانَ، وهو بَعِيدٌ، وإنْ كانَ قَرِيبًا، ولَمّا كانَ ما سَبَقَ مُتَضَمِّنًا أحْكامًا شَرْعَها اللَّهُ تَعالى، وكانَ فِيها أشْياءُ مِمّا كانَ في الجاهِلِيَّةِ، وأشْياءُ مِمّا كانَ في الإسْلامِ أُبْطِلَتْ ونُسِخَتْ أتْبَعَهُ سُبْحانَهُ بِما فِيهِ حَثٌّ عَلى التَّبْلِيغِ فَقالَ عَزَّ وجَلَّ: ( وإذْ ) إلَخْ، أيْ واذْكُرْ وقْتَ أخْذِنا مِنَ النَّبِيِّينَ كافَّةً عُهُودَهم بِتَبْلِيغِ الرِّسالَةِ والشَّرائِعِ، والدُّعاءِ إلى الدِّينِ الحَقِّ، وذَلِكَ عَلى ما قالَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ وقْتُ اسْتِخْراجِ البَشَرِ مِن صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كالذَّرِّ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ أنَّهُ سُبْحانَهُ أخَذَ مِنَ النَّبِيِّينَ عُهُودَهم بِتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، واتِّباعِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ أخَذَ اللَّهُ تَعالى مِيثاقَهم بِتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، والإعْلانِ بِأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وإعْلانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، ﴿ومِنكَ ومِن نُوحٍ وإبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ تَخْصِيصُهم بِالذِّكْرِ مَعَ انْدِراجِهِمْ في النَّبِيِّينَ انْدِراجًا بَيِّنًا لِلْإيذانِ بِمَزِيدِ مَزِيَّتِهِمْ وفَضْلِهِمْ، وكَوْنِهِمْ مِن مَشاهِيرِ أرْبابِ الشَّرائِعِ.
واشْتُهِرَ أنَّهم هم أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ صَلَواتُ اللَّهِ تَعالى وسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ، وأخْرَجَ البَزّارُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهم خِيارُ ولَدِ آدَمَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتَقْدِيمُ نَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعَ أنَّهُ آخِرُهم بَعْثَةً لِلْإيذانِ بِمَزِيدِ خَطَرِهِ الجَلِيلِ أوْ لِتَقَدُّمِهِ في الخَلْقِ.
فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي عاصِمٍ والضِّياءُ في المُخْتارَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: «(بُدِئَ بِي الخَلْقُ، وكُنْتُ آخِرَهم في البَعْثِ)».
وأخْرَجَ جَماعَةٌ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: «(كُنْتُ أوَّلَ النَّبِيِّينَ في الخَلْقِ وآخِرَهم في البَعْثِ)»
وكَذا في الِاسْتِنْباءِ، فَقَدْ جاءَ في عِدَّةِ رِواياتٍ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: ««كُنْتُ نَبِيًّا وآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ والجَسَدِ»»
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما قالَ: «قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، مَتى أُخِذَ مِيثاقُكَ؟ (قالَ: وآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ والجَسَدِ).» ولا يَضُرُّ فِيما ذُكِرَ تَقْدِيمُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ في آيَةِ الشُّورى أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشُّورى: 13] الآيَةَ، إذْ لِكُلِّ مَقامٍ مَقالٌ، والمَقامُ هُناكَ وصْفُ دِينِ الإسْلامِ بِالأصالَةِ، والمُناسِبُ فِيهِ تَقْدِيمُ نُوحٍ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: شَرَعَ لَكُمُ الدِّينَ الأصِيلَ الَّذِي بُعِثَ عَلَيْهِ نُوحٌ في العَهْدِ القَدِيمِ، وبُعِثَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتَمُ الأنْبِياءِ في العَهْدِ الحَدِيثِ، وبُعِثَ عَلَيْهِ مَن تَوَسَّطَ بَيْنَهُما مِنَ الأنْبِياءِ والمَشاهِيرِ، وقالَ ابْنُ المُنِيرِ: السِّرُّ في تَقْدِيمِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ هو المُخاطَبُ والمُنَزَّلُ عَلَيْهِ هَذا المَتْلُوُّ، فَكانَ أحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ، وفِيهِ بَحْثٌ، ﴿وأخَذْنا مِنهم مِيثاقًا غَلِيظًا﴾ أيْ عَهْدٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ أوْ وثِيقًا قَوِيًّا، وهَذا هو المِيثاقُ الأوَّلُ، وأخْذُهُ هو أخْذُهُ، والعَطْفُ مَبْنِيٌّ عَلى تَنْزِيلِ التَّغايُرِ العُنْوانِيِّ مَنزِلَةَ التَّغايُرِ الذّاتِيِّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ونَجَّيْناهم مِن عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ [هُودٌ: 58]، إثْرَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَمّا جاءَ أمْرُنا نَجَّيْنا هُودًا والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [هُودٌ: 58]، وفي ذَلِكَ مِن تَفْخِيمِ الشَّأْنِ ما فِيهِ، ولِهَذا لَمْ يَقُلْ عَزَّ وجَلَّ: وإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ ومِنكَ ومِن نُوحٍ وإبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ مِيثاقًا غَلِيظًا مَثَلًا، وقالَ سُبْحانَهُ ما في النَّظْمِ الكَرِيمِ، وقِيلَ: المِيثاقُ الغَلِيظُ اليَمِينُ بِاللَّهِ تَعالى فَيَكُونُ بَعْدَ ما أخَذَ اللَّهُ سُبْحانَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ المِيثاقَ بِتَبْلِيغِ الرِّسالَةِ والدَّعْوَةِ إلى الحَقِّ أكَّدَ بِاليَمِينِ بِاللَّهِ تَعالى عَلى الوَفاءِ بِما حَمَلُوا، فالمِيثاقانِ مُتَغايِرانِ بِالذّاتِ، وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ:
{"ayah":"وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِیثَـٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحࣲ وَإِبۡرَ ٰهِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّیثَـٰقًا غَلِیظࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











