الباحث القرآني

﴿وداعِيًا إلى اللَّهِ﴾ أيْ إلى الإقْرارِ بِهِ سُبْحانَهُ وبِوَحْدانِيَّتِهِ وبِسائِرِ ما يَجِبُ الإيمانُ بِهِ مِن صِفاتِهِ وأفْعالِهِ عَزَّ وجَلَّ، ولَعَلَّ هَذا هو مُرادُ اِبْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ مِن قَوْلِهِما، أيْ شَهادَةَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. ﴿بِإذْنِهِ﴾ أيْ بِتَسْهِيلِهِ وتَيْسِيرِهِ تَعالى، وأُطْلِقَ الإذْنُ عَلى التَّسْهِيلِ مَجازًا لِما أنَّهُ مِن أسْبابِهِ لا سِيَّما الإذْنُ مِنَ (p-46)اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ولَمْ يُحْمَلْ عَلى حَقِيقَتِهِ وإنْ صَحَّ هُنا أنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعالى شَأْنُهُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَقِيقَةً في الدَّعْوَةِ لِأنَّهُ قَدْ فُهِمَ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: إنّا أرْسَلْناكَ داعِيًا أنَّهُ ﷺ مَأْذُونٌ لَهُ في الدَّعْوَةِ، ومِمّا ذُكِرَ يُعْلَمُ أنَّ ( بِإذْنِهِ ) مِن مُتَعَلِّقاتِ ( داعِيًا )، وقُيِّدَتِ الدَّعْوَةُ بِذَلِكَ إيذانًا بِأنَّها أمْرٌ صَعْبُ المَنالِ وخَطْبٌ في غايَةِ الإعْضالِ لا يَتَأتّى إلّا بِإمْدادٍ مِن جَنابِ قُدْسِهِ، كَيْفَ لا وهو صَرْفٌ لِلْوُجُوهِ عَنِ القُبُلِ المَعْبُودَةِ وإدْخالٌ لِلْأعْناقِ في قِلادَةٍ غَيْرِ مَعْهُودَةٍ، وجُوِّزَ رُجُوعُ القَيْدِ لِلْجَمِيعِ، والأوَّلُ أظْهَرُ، ﴿وسِراجًا مُنِيرًا﴾ يَسْتَضِيءُ بِهِ الضّالُّونَ في ظُلُماتِ الجَهْلِ والغَوايَةِ ويُقْتَبَسُ مِن نُورِهِ أنْوارُ المُهْتَدِينَ إلى مَناهِجِ الرُّشْدِ والهِدايَةِ، وهو تَشْبِيهٌ إمّا مُرَكَّبٌ عَقْلِيٌّ أوْ تَمْثِيلٌ مُنْتَزَعٌ مِن عِدَّةِ أُمُورٍ أوْ مُفَرَّقٌ، وبُولِغَ في الوَصْفِ بِالإنارَةِ لِأنَّ مِنَ السُّرُجِ ما لا يُضِيءُ إذا قَلَّ سَلِيطُهُ ودَقَّتْ فَتِيلَتُهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: هو مَعْطُوفٌ عَلى ﴿شاهِدًا﴾ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ ذا سِراجٍ مُنِيرٍ، وقالَ الفَرّاءُ: إنْ شِئْتَ كانَ نَصْبًا عَلى مَعْنى وتالِيًا سِراجًا مُنِيرًا، وعَلَيْهِما السِّراجُ المُنِيرُ القُرْآنُ، وإذا فُسِّرَ بِذَلِكَ اِحْتَمَلَ عَلى ما قِيلَ أنْ يُعْطَفَ عَلى كافِ ( أرْسَلْناكَ ) عَلى مَعْنى أرْسَلْناكَ، والقُرْآنُ إمّا عَلى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ وإمّا مِن بابِ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحًا، وقِيلَ: إنَّهُ عَلى تَقْدِيرِ تالِيًا سِراجًا يَجُوزُ هَذا العَطْفُ، أيْ إنّا أرْسَلْناكَ وتالِيًا سِراجًا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ [اَلْبَيِّنَةِ: 2] عَلى أنَّهُ الجامِعُ بَيْنَ الأمْرَيْنِ عَلى نَحْوِ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الفُرْقانَ وضِياءً﴾ [اَلْأنْبِياءِ: 48] أيْ أرْسَلْنا بِإرْسالِكَ تالِيًا. وجُوِّزَ أنْ يُرادَ وجَعَلْناكَ تالِيًا، وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِذا سِراجُ القُرْآنِ وحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّقْدِيرُ إنّا أرْسَلْناكَ وأنْزَلْنا عَلَيْكَ ذا سِراجٍ. وتُعُقِّبَ بِأنَّ جَعْلَ القُرْآنِ ذا سِراجٍ تَعَسُّفٌ، والحَقُّ أنَّ كُلَّ ما قِيلَ كَذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب