الباحث القرآني

﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدًا﴾ عَلى مَن بُعِثْتَ إلَيْهِمْ تُراقِبُ أحْوالَهم وتُشاهِدُ أعْمالَهم وتَتَحَمَّلُ عَنْهُمُ الشَّهادَةَ بِما صَدَرَ عَنْهم مِنَ التَّصْدِيقِ والتَّكْذِيبِ وسائِرِ ما هم عَلَيْهِ مِنَ الهُدى والضَّلالِ وتُؤَدِّيها يَوْمَ القِيامَةِ أداءً مَقْبُولًا فِيما لَهم وما عَلَيْهِمْ، وهو حالٌ مُقَدَّرَةٌ وإنِ اُعْتُبِرَ الإرْسالُ أمْرًا مُمْتَدًّا لِاعْتِبارِ التَّحَمُّلِ والأداءِ في الشَّهادَةِ، والإرْسالُ بِذَلِكَ الِاعْتِبارِ وإنْ قارَنَ التَّحَمُّلَ إلّا أنَّهُ غَيْرُ مُقارِنٍ لِلّاداءَ وإنِ اُعْتُبِرَ الِامْتِدادُ. وقِيلَ بِإطْلاقِ الشَّهادَةِ عَلى التَّحَمُّلِ فَقَطْ تَكُونُ الحالُ مُقارِنَةً والأحْوالُ المَذْكُورَةُ بَعْدُ عَلى اِعْتِبارِ الِامْتِدادِ مُقارِنَةً، ولَكَ أنْ لا تَعْتَبِرَهُ أصْلًا فَتَكُونُ الأحْوالُ كُلُّها مُقَدَّرَةً، ثُمَّ أنَّ تَحَمُّلَ الشَّهادَةِ عَلى مَن عاصَرَهُ ﷺ واطَّلَعَ عَلى عَمَلِهِ أمْرٌ ظاهِرٌ، وأمّا تَحَمُّلُها عَلى مَن بَعْدَهُ بِأعْيانِهِمْ فَإنْ كانَ مُرادًا أيْضًا فَفِيهِ خَفاءٌ لِأنَّ ظاهِرَ الأخْبارِ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا يَعْرِفُ أعْمالَ مَن بَعْدَهُ بِأعْيانِهِمْ، رَوى أبُو بَكْرٍ وأنَسٌ وحُذَيْفَةُ وسَمُرَةُ وأبُو الدَّرْداءِ عَنْهُ ﷺ «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ ناسٌ مِن أصْحابِي الحَوْضَ حَتّى إذا رَأيْتُهم وعَرَفْتُهُمِ اِخْتَلَجُوا دُونِي فَأقُولُ: يا رَبِّ أُصَيْحابِي أُصَيْحابِي فَيُقالُ لِي: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ» . نَعَمْ قَدْ يُقالُ: إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَعْلَمُ بِطاعاتٍ ومَعاصٍ تَقَعُ بَعْدَهُ مِن أُمَّتِهِ لَكِنْ لا يَعْلَمُ أعْيانَ الطّائِعِينَ والعاصِينَ، وبِهَذا يُجْمَعُ بَيْنَ الحَدِيثِ المَذْكُورِ وحَدِيثِ عَرْضِ الأعْمالِ عَلَيْهِ ﷺ كُلَّ أُسْبُوعٍ أوْ أكْثَرَ أوْ أقَلَّ، وقِيلَ: يُجْمَعُ بِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَعْلَمُ الأعْيانَ أيْضًا إلّا أنَّهُ نَسِيَ فَقالَ: أُصَيْحابِي، ولِتَعْظِيمِ قُبْحِ ما أحْدَثُوا قِيلَ لَهُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، وقِيلَ: يُعْرَضُ ما عَدا الكُفْرَ وهو كَما تَرى، وأمّا زَعْمُ أنَّ التَّحَمُّلَ عَلى مَن بَعْدَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ لِما أنَّهُ ﷺ حَيٌّ بِرُوحِهِ وجَسَدِهِ يَسِيرُ حَيْثُ شاءَ في أقْطارِ الأرْضِ والمَلَكُوتِ فَمَبْنِيٌّ عَلى ما عَلِمْتَ حالَهُ، ولَعَلَّ في هَذَيْنِ الخَبَرَيْنِ ما يَأْباهُ كَما لا يَخْفى عَلى المُتَدَبِّرِ، وأشارَ بَعْضُ السّادَةِ الصُّوفِيَّةِ إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ أطْلَعَهُ ﷺ عَلى أعْمالِ العِبادِ فَنَظَرَ إلَيْها ولِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ – شاهِدٌ، قالَ مَوْلانا جَلالُ الدِّينِ الرُّومِيُّ - قُدِّسَ سِرُّهُ العَزِيزُ - في مَثْنَوِيِّهِ: ؎در نظر بودش مقامات العباد زان سبب نامش خدا شاهد نهاد فَتَأمَّلْ ولا تَغْفُلْ، وقِيلَ: المُرادُ شاهِدًا عَلى جَمِيعِ الأُمَمِ يَوْمَ القِيامَةِ بِأنَّ أنْبِياءَهم قَدْ بَلَّغُوهُمُ الرِّسالَةَ ودَعَوْهم إلى اللَّهِ تَعالى، وشَهادَتُهُ بِذَلِكَ لِما عَلِمَهُ مِن كِتابِهِ المَجِيدِ، وقِيلَ: المُرادُ شاهِدًا بِأنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ﴿ومُبَشِّرًا﴾ تُبَشِّرُ الطّائِعِينَ بِالجَنَّةِ ﴿ونَذِيرًا﴾ تُنْذِرُ الكافِرِينَ والعاصِينَ بِالنّارِ، ولِعُمُومِ الإنْذارِ وخُصُوصِ التَّبْشِيرِ قِيلَ: ( مُبَشِّرًا ونَذِيرًا ) عَلى صِيغَةِ المُبالَغَةِ دُونَ ومُنْذِرًا مَعَ أنَّ ظاهِرَ عَطْفِهِ عَلى ( مُبَشِّرًا ) يَقْتَضِي ذَلِكَ وقُدِّمَ التَّبْشِيرُ لِشَرَفِ المُبَشِّرِينَ ولِأنَّهُ المَقْصُودُ الأصْلِيُّ إذْ هو ﷺ رَحْمَةٌ لِلْعالِمِينَ وكَأنَّهُ لِهَذا جُبِرَ ما فاتَهُ مِنَ المُبالَغَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب