الباحث القرآني
﴿ما كانَ عَلى النَّبِيِّ مِن حَرَجٍ﴾ أيْ ما صَحَّ وما اِسْتَقامَ في الحِكْمَةِ أنْ يَكُونَ لَهُ حَرَجٌ ﴿فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ أيْ قَسَمَ لَهُ ﷺ وقَدَّرَ، مِن قَوْلِهِمْ: فَرَضَ لَهُ في الدِّيوانِ كَذا، ومِنهُ فُرُوضُ العَساكِرِ لِما يَقْطَعُهُ السُّلْطانُ لَهم ويَرْسُمُ بِهِ، وقالَ قَتادَةُ: أيْ فِيما أحَلَّ لَهُ، وقالَ الحَسَنُ: فِيما خَصَّهُ بِهِ مِن صِحَّةِ (p-27)النِّكاحِ بِلا صَداقٍ، وقالَ الضَّحّاكُ: مِنَ الزِّيادَةِ عَلى الأرْبَعِ.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ أيْ سَنَّ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ سُنَّةً، فَهو مَصْدَرٌ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مِن لَفْظِهِ، والجُمْلَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِما قَبْلَها مِن نَفْيِ الحَرَجِ، وذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلى أنَّهُ اِسْمٌ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ المَصْدَرِ كَقَوْلِهِمْ: تُرْبًا وجَنْدَلًا أيْ رَغْمًا وهَوانًا وخَيْبَةً، وكَأنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ مَصْدَرِيَّتُهُ، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِتَقْدِيرِ (اِلْزَمْ) ونَحْوِهِ.
قالَ اِبْنُ عَطِيَّةَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلى الإغْراءِ كَأنَّهُ قِيلَ: فَعَلَيْهِ سُنَّةَ اللَّهِ، وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأنَّ عامِلَ الِاسْمِ في الإغْراءِ لا يَجُوزُ حَذْفُهُ، وأيْضًا تَقْدِيرُ فَعَلَيْهِ سُنَّةَ اللَّهِ بِضَمِيرِ الغائِبِ لا يَجُوزُ إذْ لا يُغْرى غائِبٌ، وقَوْلُهُمْ: عَلَيْهِ رَجُلًا لَيْسَنِي مُؤَوَّلٌ وهو مَعَ ذَلِكَ نادِرٌ، واعْتُرِضَ بِأنَّ قَوْلَهُ: لِأنَّ عامِلَ الِاسْمِ في الإغْراءِ لا يَجُوزُ حَذْفُهُ، مَمْنُوعٌ، وهو خِلافُ ما يُفْهَمُ مِن كُتُبِ النَّحْوِ وبِأنَّ ما ذَكَرَهُ في أمْرِ إغْراءِ الغائِبِ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ هاهُنا كَما لا يَخْفى، ثُمَّ قِيلَ: إنَّ ظاهِرَ كَلامِ اِبْنِ عَطِيَّةَ يُشْعِرُ بِأنَّ النَّصْبَ بِتَقْدِيرِ اِلْزَمْ قَسِيمٌ لِلنَّصْبِ عَلى الإغْراءِ ولَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هو قِسْمٌ مِنهُ، اه فَتَدَبَّرْ.
﴿فِي الَّذِينَ خَلَوْا﴾ أيْ مَضَوْا ﴿مِن قَبْلُ﴾ أيْ مِن قَبْلِكَ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَيْثُ لَمْ يُحَرِّجُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَيْهِمْ في الإقْدامِ عَلى ما أحَلَّ لَهم ووَسَّعَ عَلَيْهِمْ في بابِ النِّكاحِ وغَيْرِهِ وقَدْ كانَتْ تَحْتَهُمُ المَهائِرُ والسَّرارِي وكانَتْ لِداوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِائَةُ اِمْرَأةٍ وثَلاثُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ ولِسُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ ثَلاثُمِائَةِ اِمْرَأةٍ وسَبْعُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ.
وأخْرَجَ اِبْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ أنَّهُ كانَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ألْفُ اِمْرَأةٍ، والظّاهِرُ أنَّهُ عَنى بِالمَرْأةِ ما يُقابِلُ السُّرِّيَّةَ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ أرادَ بِها الأعَمَّ فَيُوافَقْ ما قَبْلَهُ.
يُرْوى أنَّ اليَهُودَ قاتَلَهُمُ اللَّهُ تَعالى عابُوهُ وحاشاهُ مِنَ العَيْبِ ﷺ بِكَثْرَةِ النِّكاحِ وكَثْرَةِ الأزْواجِ فَرَدَّ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ الآيَةَ.
وقِيلَ: إنَّهُ جَلَّ وعَلا أشارَ بِذَلِكَ إلى ما وقَعَ لِداوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن تَزَوُّجِهِ اِمْرَأةَ أُورِيا. وأخْرَجَ ذَلِكَ اِبْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، واسْمُ تِلْكَ المَرْأةِ عِنْدَهُ ألِيسِيَةُ وهَذا مِمّا لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، والقِصَّةُ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ لا أصْلَ لَها.
﴿وكانَ أمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ أيْ عَنْ قَدَرٍ أوْ ذا قَدَرٍ ووَصْفُهُ بِمَقْدُورٍ نَحْوَ وصْفِ الظِّلِّ بِالظَّلِيلِ واللَّيْلِ بِالألْيَلِ في قَوْلِهِمْ ظِلٌّ ظَلِيلٌ ولَيْلٌ ألْيَلُ في قَصْدِ التَّأْكِيدِ، والمُرادُ بِالقَدَرِ عِنْدَ جَمْعِ المَعْنى المَشْهُورِ لِلْقَضاءِ وهو الإرادَةُ الأزَلِيَّةُ المُتَعَلِّقَةُ بِالأشْياءِ عَلى ما هي عَلَيْهِ، وجُوِّزَ كَوْنُهُ بِالمَعْنى المَشْهُورِ لَهُ وهو إيجادُ الأشْياءِ عَلى قَدْرٍ مَخْصُوصٍ وكَمِّيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِن وُجُوهِ المُصْلِحَةِ وغَيْرِها، والمَعْنى الأوَّلُ أظْهَرُ، والقَضاءُ والقَدَرُ يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنهُما بِمَعْنى الآخَرِ وفُسِّرَ الأمْرُ بِنَحْوِ ما فُسِّرَ بِهِ فِيما سَبَقَ. وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِهِ الأمْرُ الَّذِي هو واحِدُ الأوامِرِ مِن غَيْرِ تَأْوِيلٍ ويُرادُ أنَّ اِتِّباعَ أمْرِ اللَّهِ تَعالى المُنَزَّلِ عَلى أنْبِيائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ والعَمَلَ بِمُوجِبِهِ لازِمٌ مَقْضِيٌّ في نَفْسِهِ أوْ هو كالمَقْضِيِّ في لُزُومِ اِتِّباعِهِ، ولا يَخْفى تَكَلُّفُهُ، وظاهِرُ كَلامِ الإمامِ اِخْتِيارُ أنَّ الأمْرَ واحِدُ الأُمُورِ، وفَرَّقَ بَيْنَ القَضاءِ والقَدَرِ بِما لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ فَقالَ ما حاصِلُهُ: القَضاءُ ما يَكُونُ مَقْصُودًا لَهُ تَعالى في الأصْلِ، والقَدَرُ ما يَكُونُ تابِعًا، والخَيْرُ كُلُّهُ بِقَضاءٍ وما في العالَمِ مِنَ الضَّرَرِ بِقَدَرٍ كالزِّنا والقَتْلِ، ثُمَّ بَنى عَلى ذَلِكَ لَطِيفَةً وهو أنَّهُ لَمّا قالَ سُبْحانَهُ: ﴿زَوَّجْناكَها﴾ ذَيَّلَهُ بِ (أمْرًا مَفْعُولًا) لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا أصْلِيًّا وخَيْرًا مَقْضِيًّا، ولَمّا قالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا﴾ إشارَةً إلى قِصَّةِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَيْثُ اُفْتُتِنَ بِاِمْرَأةِ أُورِيا قالَ سُبْحانَهُ: ﴿قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ لِكَوْنِ الِافْتِتانِ شَرًّا غَيْرَ مَقْصُودٍ أصْلِيٍّ مِن خَلْقِ المُكَلَّفِ، وفِيهِ ما فِيهِ، والجُمْلَةُ اِعْتِراضُ وسَطٍ بَيْنِ المَوْصُولَيْنِ (p-28)الجارِيَيْنِ مَجْرى الواحِدِ لِلْمُسارَعَةِ إلى تَقْرِيرِ نَفْيِ الحَرَجِ وتَحْقِيقِهِ.
{"ayah":"مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِیِّ مِنۡ حَرَجࣲ فِیمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِی ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرࣰا مَّقۡدُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق