الباحث القرآني
(p-2)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ﴾ أيْ ومَن تَخْشَعْ وتَخْضَعْ ﴿لِلَّهِ ورَسُولِهِ﴾ عَمَلًا ﴿وتَعْمَلْ صالِحًا﴾ كَصَلاةٍ وصَوْمٍ وحَجٍّ وإيتاءِ زَكاةٍ، وهَذا العَمَلُ غَيْرُ القُنُوتِ لِلَّهِ تَعالى عَلى ما سَمِعْتَ مِن تَفْسِيرِهِ فَلا تَكْرارَ، وفَسَّرَهُ بَعْضُهم بِالطّاعَةِ، ودَفَعَ التَّكْرارَ بِأنَّ المُرادَ ﴿ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ﴾ لِرَسُولِ اللَّهِ ﴿وتَعْمَلْ صالِحًا﴾ لِلَّهِ تَعالى، وذِكْرُ اللَّهِ إنَّما هو لِتَعْظِيمِ الرَّسُولِ ﷺ بِجَعْلِ طاعَتِهِ غَيْرَ مُنْفَكَّةٍ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وبَعْضُهم بِما ذُكِرَ أيْضًا إلّا أنَّهُ دَفَعَ التَّكْرارَ بِأنَّ المُرادَ بِالعَمَلِ الصّالِحِ الخِدْمَةُ الحَسَنَةُ والقِيامُ بِمَصالِحِ البَيْتِ لا نَحْوَ الصَّلاةِ والصِّيامِ وبِالطّاعَةِ المُفَسَّرِ بِها القُنُوتُ اِمْتِثالُ الأوامِرِ واجْتِنابُ النَّواهِي، وفَسَّرَهُ بَعْضُهم بِدَوامِ الطّاعَةِ فَقِيلَ في دَفْعِ التَّكْرارِ نَحْوُ ما مَرَّ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ الدَّوامُ عَلى الطّاعَةِ السّابِقَةِ وبِالعَمَلِ الصّالِحِ: العِباداتُ الَّتِي يُكَلَّفْنَ بِها بَعْدُ.
وقِيلَ: القُنُوتُ السُّكُوتُ كَما قِيلَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ﴾ [اَلْبَقَرَةِ: 238] والمُرادُ بِهِ هاهُنا السُّكُوتُ عَنْ طَلَبِ ما لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ تَعالى ورَسُولُهُ ﷺ لَهُنَّ بِهِ مِن زِيادَةِ النَّفَقَةِ وثِيابِ الزِّينَةِ، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
﴿نُؤْتِها أجْرَها﴾ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ عَلى ذَلِكَ فَضْلًا وكَرَمًا ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ فَيَكُونُ أجْرُها مُضاعَفًا وهَذا في مُقابَلَةِ ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ .
أخْرَجَ اِبْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ أنَّهُ قالَ في حاصِلِ مَعْنى الآيَتَيْنِ: أنَّهُ مَن عَصى مِنكُنَّ فَإنَّهُ يَكُونُ لِلْعَذابِ عَلَيْها الضِّعْفُ مِنهُ عَلى سائِرِ نِساءِ المُؤْمِنِينَ ومَن عَمِلَ صالَحًا فَإنَّ الأجْرَ لَها الضِّعْفُ عَلى سائِرِ نِساءِ المُسْلِمِينَ، ويَسْتَدْعِي هَذا أنَّهُ إذا أُثِيبَ نِساءُ المُسْلِمِينَ عَلى الحَسَنَةِ بِعَشْرِ أمْثالِها أُثِبْنَ هُنَّ عَلى الحَسَنَةِ بِعِشْرِينَ مَثَلًا لَها، وإنْ زِيدَ لِلنِّساءِ عَلى العَشْرِ شَيْءٌ زِيدَ لَهُنَّ ضِعْفُهُ، وكَأنَّهُ واَللَّهُ تَعالى أعْلَمُ إنَّما قِيلَ ﴿نُؤْتِها أجْرَها مَرَّتَيْنِ﴾ دُونَ يُضاعَفُ لَها الأجْرُ، كَما قِيلَ في المُقابِلِ ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ لِأنَّ أصْلَ تَضْعِيفِ الأجْرِ لَيْسَ مِن خَواصِّهِنَّ بَلْ كُلُّ مَن عَمِلَ صالِحًا مِنَ النِّساءِ والرِّجالِ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ يُضاعَفُ أجْرُهُ، فَأُخْرِجَ الكَلامُ مُغايِرًا لِما تَقْتَضِيهِ المُقابَلَةُ رَمْزًا إلى أنَّ تَضْعِيفَ الأجْرِ عَلى طُرُزٍ مُغايِرٍ لِطُرُزِ تَضْعِيفِ العَذابِ مَعَ تَضَمُّنِ الكَلامِ المَذْكُورِ الإشارَةَ إلى مَزِيدِ تَكْرِيمِهِنَّ ووُفُورِ الِاعْتِناءِ بِهِنَّ فَإنَّ الإحْسانَ المُكَرَّرَ أحْلى، ومَن تَأمَّلَ في الجُمْلَتَيْنِ ظَهَرَ لَهُ تَغْلِيبُ جانِبِ الرَّحْمَةِ عَلى جانِبِ الغَضَبِ وكَفى بِالتَّصْرِيحِ بِفاعِلِ إيتاءِ الأجْرِ وجَعْلِهِ ضَمِيرَ العَظَمَةِ والتَّعْبِيرِ عَمّا يُؤْتُونَ مِنَ النَّعِيمِ بِالأجْرِ مَعَ إضافَتِهِ إلى ضَمِيرِهِنَّ مَعَ خُلُوِّ جُمْلَةِ تَضْعِيفِ العَذابِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ - شُهَداءَ عَلى ما ذُكِرَ، ثُمَّ إنَّ تَضْعِيفَ أجْرِهِنَّ لِمَزِيدِ كَرامَتِهِنَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُنَّ عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مِمّا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِنَّ مِنَ النِّسْبَةِ إلى خَيْرِ البَرِيَّةِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى أفْضَلُ الصَّلاةِ وأكْمَلُ التَّحِيَّةِ، والظّاهِرُ أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالنِّسْبَةِ إلى أعْمالِهِنَّ الصّالِحَةِ الَّتِي عَمِلْنَها في حَياتِهِ ﷺ فَقَطْ بَلْ يُضاعَفُ أجْرُهُنَّ عَلَيْها وعَلى الأعْمالِ الصّالِحَةِ الَّتِي يَعْمَلْنَها بَعْدَ وفاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. (p-3)
وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: إنَّ هاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ إحْداهُما عَلى الطّاعَةِ والأُخْرى عَلى طَلَبِهِنَّ رِضاءً لِلنَّبِيِّ ﷺ بِالقَناعَةِ وحُسْنِ المُعاشَرَةِ، وجَعَلَ في البَحْرِ وغَيْرِهِ سَبَبَ التَّضْعِيفِ هَذا الطَّلَبَ وتِلْكَ الطّاعَةِ، ولا يَخْفى أنَّ ما ذَكَرُوهُ مُوهِمٌ لِعَدَمِ التَّضْعِيفِ بِالنِّسْبَةِ لِما فَعَلُوهُ مِنَ العَمَلِ الصّالِحِ بَعْدَ وفاتِهِ ﷺ، وقالَ بَعْضُ المُدَقِّقِينَ: أرادَ مِن جَعْلِ سَبَبِ مُضاعَفَةِ أُجُورِهِنَّ ما ذُكِرَ التَّطْبِيقُ عَلى لَفْظِ الآيَةِ، حَيْثُ جُعِلَ القُنُوتُ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ مَعَ ما تَلاهُ سَبَبًا، ويُدْمَجُ فِيهِ أنَّ مُضاعَفَةَ العَذابِ إنَّما نَشَأتْ مِن أنَّ النُّشُوزَ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ، وطَلَبُ ما يَشُقُّ عَلَيْهِ لَيْسَ كالنُّشُوزِ مَعَ سائِرِ الأزْواجِ ولِذَلِكَ اِقْتَضى مُضاعَفَةَ العَذابِ وكَذَلِكَ طاعَتُهُ وحَسَنُ التَّخَلُّقِ مَعَهُ والمُعاشَرَةُ عَلى عَكْسِ ذَلِكَ، فَهَذا يُؤَكِّدُ ما قالُوا مِن أنَّ سَبَبَ تَضْعِيفِ العَذابِ زِيادَةُ قُبْحِ الذَّنْبِ مِنهُنَّ وفِيهِ أنَّ العَكْسَ يُوجِبُ العَكْسَ، فَتَأمَّلْ.
وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: العَذابُ الَّذِي تَوَعَّدَ بِهِ ضِعْفَيْنِ هو عَذابُ الدُّنْيا ثُمَّ عَذابُ الآخِرَةِ وكَذَلِكَ الأجْرُ، فالمَرَّتانِ إحْداهُما في الدُّنْيا وثانِيَتُهُما في الأُخْرى، ولا يَخْفى ضَعْفُهُ وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ والأسْوارِيُّ ويَعْقُوبُ في رِوايَةٍ وكَذا اِبْنُ عامِرٍ «ومَن تَقْنُتْ» بِتاءِ التَّأْنِيثِ حَمْلًا عَلى المَعْنى وقَرَأ السُّلَمِيُّ وابْنُ وثّابٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِياءٍ مِن تَحْتٍ في الأفْعالِ الثَّلاثَةِ عَلى أنَّ في «يُؤْتِها» ضَمِيرُ اِسْمِ اللَّهِ تَعالى، وذَكَرَ أبُو البَقاءِ أنَّ بَعْضَهم قَرَأ «ومَن تَقْنُتْ» بِالتّاءِ مِن فَوْقٍ حَمْلًا عَلى المَعْنى «ويَعْمَلْ» بِالياءِ مِن تَحْتٍ حَمْلًا عَلى اللَّفْظِ، فَقالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: هَذا ضَعِيفٌ لِأنَّ التَّذْكِيرَ أصْلٌ فَلا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلتَّأْنِيثِ وما عَلَّلُوهُ بِهِ قَدْ جاءَ مِثْلُهُ في القُرْآنِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ومُحَرَّمٌ عَلى أزْواجِنا﴾ [اَلْأنْعامِ: 139] اِنْتَهى، فَتَذَكَّرْ.
﴿وأعْتَدْنا لَها﴾ في الجَنَّةِ زِيادَةً عَلى أجْرِها المُضاعَفِ ﴿رِزْقًا كَرِيمًا﴾ عَظِيمَ القَدْرِ رَفِيعَ الخَطْرِ مَرْضِيًّا لِصاحِبِهِ، وقِيلَ الرِّزْقُ الكَرِيمُ ما يَسْلَمُ مِن كُلِّ آفَةٍ.
وجَوَّزَ اِبْنُ عَطِيَّةَ أنْ يَكُونَ في ذَلِكَ وعْدٌ دُنْياوِيٌّ، أيْ إنَّ رِزْقَها في الدُّنْيا عَلى اللَّهِ تَعالى وهو كَرِيمٌ مِن حَيْثُ هو حَلالٌ وقَصْدٌ بِرِضًا مِنَ اللَّهِ تَعالى في نَيْلِهِ، وهو كَما تَرى
{"ayah":"۞ وَمَن یَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَـٰلِحࣰا نُّؤۡتِهَاۤ أَجۡرَهَا مَرَّتَیۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقࣰا كَرِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











