الباحث القرآني
﴿وأنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ﴾ أيْ عاوَنُوا الأحْزابَ المَرْدُودَةَ، ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ﴾ وهم بَنُو قُرَيْظَةَ عِنْدَ الجُمْهُورِ، وعَنِ الحَسَنِ أنَّهم بَنُو النَّضِيرِ، وعَلى الأوَّلِ المُعَوَّلُ، ﴿مِن صَياصِيهِمْ﴾ أيْ مِن حُصُونِهِمْ جَمْعُ صِيصِيَةٍ، وهي كُلُّ ما يُمْتَنَعُ بِهِ، ويُقالُ لِقَرْنِ الثُّوّارِ والظِّباءِ، ولِشَوْكَةِ الدِّيكِ الَّتِي في رِجْلِهِ كالقَرْنِ الصَّغِيرِ، وتُطْلَقُ الصَّياصِي عَلى الشَّوْكِ الَّذِي لِلنَّسّاجِينَ، ويُتَّخَذُ مِن حَدِيدٍ قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، وأنْشَدَ لِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ الجُشَمِيِّ:
؎نَظَرْتُ إلَيْهِ والرِّماحُ تَنُوشُهُ كَوَقْعِ الصَّياصِي في النَّسِيجِ المُمَدَّدِ
وتُطْلَقُ عَلى الأُصُولِ أيْضًا قالَ: أبُو عُبَيْدَةَ: إنَّ العَرَبَ تَقُولُ: جَذَّ اللَّهُ تَعالى صِئْصِئَهُ أيْ أصْلَهُ.
﴿وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ أيِ الخَوْفَ الشَّدِيدَ بِحَيْثُ أسْلَمُوا أنْفُسَهم لِلْقَتْلِ، وأهْلِيهِمْ، وأوْلادَهم لِلْأسْرِ حَسْبَما يَنْطِقُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ أيْ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ مِن جِهَتِهِمْ حِراكٌ فَضْلًا عَنِ المُخالَفَةِ والِاسْتِعْصاءِ. وفي البَحْرِ: أنَّ قَذْفَ الرُّعْبِ سَبَبٌ لِإنْزالِهِمْ، ولَكِنْ قَدَّمَ المُسَبَّبَ لِما أنَّ السُّرُورَ بِإنْزالِهِمْ أكْثَرُ، والإخْبارَ بِهِ أهَمُّ، وقَدَّمَ مَفْعُولَ ( تَقْتُلُونَ ) لِأنَّ القَتْلَ وقَعَ عَلى الرِّجالِ، وكانُوا مَشْهُورِينَ، وكانَ الِاعْتِناءُ بِحالِهِمْ أهَمَّ، ولَمْ يَكُنْ في المَأْسُورِينَ هَذا الِاعْتِناءُ، بَلِ الِاعْتِناءُ هُناكَ بِالأسْرِ أشَدُّ، ولَوْ قِيلَ: وفَرِيقًا تَأْسِرُونَ لَرُبَّما ظُنَّ قَبْلَ سَماعِ تَأْسِرُونَ أنَّهُ يُقالُ بَعْدُ تَهْزِمُونَ، أوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وقِيلَ: قَدَّمَ المَفْعُولَ في الجُمْلَةِ الأُولى لِأنَّ مَساقَ الكَلامِ (p-176)لِتَفْصِيلِهِ، وأُخِّرَ في الثّانِيَةِ لِمُراعاةِ الفَواصِلِ، وقِيلَ: التَّقْدِيمُ لِذَلِكَ، وأمّا التَّأْخِيرُ فَلِئَلّا يَفْصِلَ بَيْنَ القَتْلِ وأخِيهِ، وهو الأسْرُ فاصِلٌ، وقِيلَ: غُويِرَ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ في النَّظْمِ لِتَغايُرِ حالِ الفَرِيقَيْنِ في الواقِعِ، فَقَدْ قُدِّمَ أحَدُهُما، فَقُتِلَ، وأُخِّرَ الآخَرُ فَأُسِرَ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، والكِسائِيُّ «الرُّعُبَ» بِضَمِّ العَيْنِ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ «تَأْسُرُونَ» بِضَمِّ السِّينِ، وقَرَأ اليَمانِيُّ «يَأْسِرُونَ» بِياءِ الغَيْبَةِ، وقَرَأ ابْنُ أنَسٍ عَنِ ابْنِ ذَكْوانَ بِها فِيهِ، وفي (يَقْتُلُونَ)، ولا يَظْهَرُ لِي وجْهٌ وجِيهٌ لِتَخْصِيصِ الِاسْمِ بِصِيغَةِ الغَيْبَةِ فَتَأمَّلْ، وتَفْصِيلُ القِصَّةِ عَلى سَبِيلِ الِاخْتِصارِ أنَّهُ لَمّا كانَتْ صَبِيحَةُ اللَّيْلَةِ الَّتِي انْهَزَمَ فِيها الأحْزابُ، أوْ ظُهْرُ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَلى ما في بَعْضِ الرِّواياتِ، وقَدْ «رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والمُسْلِمُونَ إلى داخِلِ المَدِينَةِ أتى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُعْتَجِرًا بِعِمامَةِ إسْتَبْرَقٍ عَلى بَغْلَةٍ عَلَيْها رِحالَةٌ عَلَيْها قَطِيفَةٌ مِن دِيباجٍ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وهو عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ تَغْسِلُ رَأْسَهُ الشَّرِيفَ، وقَدْ غَسَلَتْ شِقَّهُ فَقالَ: أوَقَدْ وضَعْتَ السِّلاحَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: نَعَمْ، فَقالَ: عَفا اللَّهُ تَعالى عَنْكَ، ما وضَعَتِ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ السِّلاحَ بَعْدُ، وما رَجَعْتُ إلّا الآنَ مِن طَلَبِ القَوْمِ، وإنَّ اللَّهَ تَعالى يَأْمُرُكَ بِالمَسِيرِ إلى بَنِي قُرَيْظَةَ وإنِّي عامِدٌ إلَيْهِمْ، فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، فَأمَرَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُؤَذِّنًا، فَأذَّنَ في النّاسِ، (مَن كانَ سامِعًا مُطِيعًا، فَلا يُصَلِّينَ العَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ)، واسْتَعْمَلَ عَلى المَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ بِرايَتِهِ إلَيْهِمْ، وابْتَدَرَها النّاسُ، فَسارَ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ حَتّى إذا دَنا مِنَ الحُصُونِ سَمِعَ مِنها مَقالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَرَجَعَ حَتّى لَقِيَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لا عَلَيْكَ أنْ تَدْنُوَ مِن هَؤُلاءِ الأخابِثِ قالَ: لِمَ؟ أظُنُّكَ سَمِعْتَ لِي مِنهم أذًى، قالَ: نَعَمْ يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: لَوْ رَأوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِن ذَلِكَ شَيْئًا، فَلَمّا دَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن حُصُونِهِمْ قالَ: يا إخْوانَ القِرَدَةِ، هَلْ أخْزاكُمُ اللَّهُ تَعالى، وأنْزَلَ بِكم نِقْمَتَهُ؟ قالُوا: يا أبا القاسِمِ، ما كُنْتَ جَهُولًا، وفي رِوايَةٍ: فَحّاشًا، وكانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَدْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِن أصْحابِهِ بِالصُّورَيْنِ، قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ، فَقالَ: هَلْ مَرَّ بِكم أحَدٌ، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ مَرَّ بِنا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الكَلْبِيُّ عَلى بَغْلَةٍ بَيْضاءَ عَلَيْها رِحالَةٌ عَلَيْها قَطِيفَةُ دِيباجٍ، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بُعِثَ إلى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، ويَقْذِفُ الرُّعْبَ في قُلُوبِهِمْ، ولَمّا أتاهم ﷺ نَزَلَ عَلى بِئْرٍ مِن آبارِها مِن ناحِيَةِ أمْوالِهِمْ يُقالُ لَها: بِئْرُ أنّا، وتَلاحَقَ النّاسُ فَأتى رِجالٌ مِن بَعْدِ العِشاءِ الآخِرَةِ، ولَمْ يُصَلُّوا العَصْرَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ) وقَدْ شَغَلَهم ما لَمْ يَكُنْ لَهم مِنهُ بُدٌّ في حَرْبِهِمْ، فَلَمّا أتَوْا صَلَّوْها بَعْدَ العِشاءِ فَما عابَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِذَلِكَ في كِتابِهِ، ولا عَنَّفَهم رَسُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وحاصَرَهم صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَمْسَةً وعِشْرِينَ لَيْلَةً، وقِيلَ: إحْدى وعِشْرِينَ، وقِيلَ: خَمْسَ عَشْرَةَ، وجَهِدَهُمُ الحِصارُ، وخافُوا أشَدَّ الخَوْفِ، وقَدْ كانَ حُيَيُّ بْنُ أخْطَبَ دَخَلَ مَعَهم في حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ عَنْهم قُرَيْشٌ وغَطَفانُ، وفاءً لِكَعْبِ بْنِ أسَدٍ بِما عاهَدَهُ عَلَيْهِ، فَلَمّا أيْقَنُوا بِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهم حَتّى يُناجِزَهُمْ، قالَ لَهم كَعْبٌ: يا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَزَلَ بِكم مِنَ الأمْرِ ما تَرَوْنَ، وإنِّي عارِضٌ عَلَيْكم خِلالًا، فَخُذُوا أيَّها شِئْتُمْ، قالُوا: وما هِيَ؟ قالَ: نُتابِعُ هَذا الرَّجُلَ ونُصَدِّقُهُ، فَواللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكم أنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وأنَّهُ الَّذِي تَجِدُونَهُ في كِتابِكم فَتَأْمَنُونَ عَلى دِمائِكُمْ، وأمْوالِكُمْ، وأبْنائِكُمْ، ونِسائِكُمْ، قالُوا: لا نُفارِقُ حُكْمَ التَّوْراةِ أبَدًا، ولا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، قالَ: فَإذا أبَيْتُمْ عَلى هَذِهِ، فَلْنَقْتُلْ أبْناءَنا ونِساءَنا، ثُمَّ نَخْرُجُ إلى مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأصْحابِهِ رِجالًا مُصَلَّتِينَ بِالسُّيُوفِ، لَمْ نَتْرُكْ وراءَنا ثِقَلًا حَتّى يَحْكُمَ اللَّهُ تَعالى بَيْنَنا وبَيْنَهُمْ، فَإنْ نَهْلِكْ نَهْلِكْ ولَمْ نَتْرُكْ (p-177)وراءَنا نَسْلًا نَخْشى عَلَيْهِ، وأنْ نَظْهَرَ، فَلَعَمْرِي لَنَتَّخِذَنَّ النِّساءَ والأبْناءَ، قالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلاءِ المَساكِينَ، فَما خَيْرُ العَيْشِ بَعْدَهُمْ، قالَ: فَإنْ أبَيْتُمْ عَلى هَذِهِ، فَإنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ وإنَّهُ عَسى أنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأصْحابُهُ قَدْ أمِنُونا فِيها، فانْزِلُوا لَعَلَّنا نُصِيبُ مِنهم غِرَّةً، قالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنا ونُحْدِثُ فِيهِ ما لَمْ يُحْدِثْ مَن كانَ قَبْلَنا، إلّا مَن قَدْ عَلِمْتَ، فَأصابَهُ ما لَمْ يَخَفَ عَلَيْكَ مِنَ المَسْخِ، قالَ: فَما باتَ رَجُلٌ مِنكم مُنْذُ ولَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً واحِدَةً مِنَ الدَّهْرِ حازِمًا، ثُمَّ إنَّهم بَعَثُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنِ ابْعَثْ إلَيْنا أبا لُبابَةَ بْنَ عَبْدِ المُنْذِرِ أخا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وكانُوا حُلَفاءَ الأوْسِ نَسْتَشِيرُهُ في أمْرِنا، فَأرْسَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلَيْهِمْ فَلَمّا رَأوْهُ قامَ إلَيْهِ الرِّجالُ، وجَهَشَ إلَيْهِ النِّساءُ والصِّبْيانُ يَبْكُونَ في وجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ، وقالُوا لَهُ: يا أبا لُبابَةَ أتَرى أنْ نَنْزِلَ عَلى حُكْمِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قالَ: نَعَمْ، وأشارَ بِيَدِهِ إلى حَلْقِهِ، إنَّهُ الذَّبْحُ، فَعَرَفَ أنَّهُ قَدْ خانَ اللَّهَ تَعالى ورَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وذَهَبَ إلى المَدِينَةِ، ورَبَطَ نَفْسَهُ بِجِذْعٍ في المَسْجِدِ حَتّى نَزَلَتْ تَوْبَتُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ اسْتَنْزَلَهُمْ، فَتَواثَبَ الأوْسُ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهم مَوالِينا دُونَ الخَزْرَجِ، وقَدْ فَعَلْتَ في مَوالِي إخْوانِنا بِالأمْسِ ما قَدْ عَلِمْتَ وقَدْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ حاصَرَ بَنِي قَيْنُقاعَ، وقَدْ كانُوا حُلَفاءَ الخَزْرَجِ فَنَزَلُوا عَلى حُكْمِهِ فَسَألَهُ إيّاهم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ، فَوَهَبَهم لَهُ، فَلَمّا كَلَّمَتْهُ الأوْسُ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ألا تَرْضَوْنَ يا مَعْشَرَ الأوْسِ أنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنكُمْ؟ قالُوا: بَلى، قالَ: فَذاكَ، إلى سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ جَعَلَهُ في خَيْمَةٍ لِامْرَأةٍ مِن أسْلَمَ، يُقالُ لَها: رُفَيْدَةُ في مَسْجِدِهِ، كانَتْ تُداوِي الجَرْحى، وتَحْتَسِبُ بِنَفْسِها عَلى خِدْمَةِ مَن كانَتْ بِهِ صَنِيعَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وقَدْ كانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ الخَنْدَقِ رَماهُ رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ يُقالُ لَهُ: ابْنُ العَرِقَةِ بِسَهْمٍ، فَأصابَ أكْحُلَهُ فَقَطَعَهُ، فَدَعا اللَّهَ تَعالى فَقالَ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْنِي حَتّى تَقَرَّ عَيْنِي مِن قُرَيْظَةَ، ورُوِيَ أنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ هُمُ اخْتارُوا النُّزُولَ عَلى حُكْمِ سَعْدٍ ورَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَأتاهُ قَوْمُهُ، وهو في المَسْجِدِ، فَحَمَلُوهُ عَلى حِمارٍ، وقَدْ وطَّؤُوا لَهُ بِوِسادَةٍ مِن أدَمٍ، وكانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا، ثُمَّ أقْبَلُوا مَعَهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهم يَقُولُونَ: يا أبا عَمْرٍو أحْسِنْ في مَوالِيكَ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إنَّما ولّاكَ ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، فَلَمّا أكْثَرُوا عَلَيْهِ قالَ: لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أنْ لا تَأْخُذَهُ في اللَّهِ تَعالى لَوْمَةُ لائِمٍ، فَرَجَعَ بَعْضُ مَن كانَ مَعَهُ مِن قَوْمِهِ إلى دارِ بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ فَنَعى إلَيْهِمْ رِجالَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ سَعْدٌ عَنْ كَلِمَتِهِ الَّتِي سَمِعَ مِنهُ، فَلَمّا انْتَهى سَعْدٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والمُسْلِمِينَ قالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ» فَأمّا المُهاجِرُونَ مِن قُرَيْشٍ فَقالُوا: إنَّما أرادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الأنْصارَ، وأمّا الأنْصارُ فَيَقُولُونَ: قَدْ عَمَّ بِها عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ المُسْلِمِينَ، فَقامُوا إلَيْهِ، فَقالُوا: يا أبا عَمْرٍو، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ ولّاكَ أمْرَ مُوالِيكَ لِتَحْكُمَ فِيهِمْ، فَقالَ سَعْدٌ: عَلَيْكم عَهْدُ اللَّهِ تَعالى ومِيثاقُهُ أنَّ الحُكْمَ فِيهِمْ لَما حَكَمْتُ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: وعَلى مَن ها هُنا في النّاحِيَةِ الَّتِي فِيها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وهو مُعَرِّضٌ بِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؟ فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: نَعَمْ، قالَ سَعْدٌ: فَإنِّي أحْكُمُ فِيهِمْ أنْ تُقْتَلَ الرِّجالُ، وتُقَسَّمَ الأمْوالُ، وتُسْبى الذَّرارِي والنِّساءُ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِن فَوْقِ سَبْعَةِ أرْقِعَةٍ، فَحَبَسَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في دارِ بِنْتِ الحارِثِ امْرَأةٍ مِن بَنِي النَّجّارِ، ثُمَّ خَرَجَ إلى سُوقِ المَدِينَةِ الَّتِي هي سُوقُها اليَوْمَ، فَخَنْدَقَ بِها خَنادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِمْ فَضَرَبَ أعْناقَهم في تِلْكَ الخَنادِقِ، يَخْرُجُ إلَيْهِمْ بِها أرْسالًا، وفِيهِمْ عَدُوُّ اللَّهِ تَعالى حُيَيُّ بْنُ أخْطَبَ، وكَعْبُ بْنُ أسَدٍ رَأْسُ القَوْمِ (p-178)وهم سِتُّمِائَةٍ أوْ سَبْعُمِائَةٍ، والمُسْتَكْثِرُ لَهم يَقُولُ: كانُوا بَيْنَ الثَّمانِمِائَةِ والتِّسْعِمِائَةِ، وقَدْ قالُوا لِكَعْبٍ وهم يُذْهَبُ بِهِمْ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أرْسالًا يا كَعْبُ ما تُراهُ يَصْنَعُ بِنا؟ قالَ: أفِي كُلِّ مَوْطِنٍ لا تَعْقِلُونَ، أما تَرَوْنَ الدّاعِيَ لا يَنْزِعُ، ومَن ذَهَبَ مِنكم لا يَرْجِعُ، هو واللَّهِ القَتْلُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبَ، حَتّى فَرَغَ مِنهم رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأُتِيَ بِحُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ عَدُوِّ اللَّهِ تَعالى وعَلَيْهِ حُلَّةٌ تُفّاحِيَّةٌ قَدْ شَقَّها عَلَيْهِ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ قَدْرَ أنْمُلَةٍ أنْمُلَةٍ لِئَلّا يَسْلُبَها مَجْمُوعَةُ يَداهُ إلى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، فَلَمّا نَظَرَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: أما واللَّهِ ما لُمْتُ نَفْسِي في عَداوَتِكَ، ولَكِنَّهُ مَن يَخْذُلِ اللَّهَ تَعالى يُخْذَلْ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلى النّاسِ فَقالَ: أيُّها النّاسُ، إنَّهُ لا بَأْسَ بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى كِتابٍ وقَدَرٍ ومَلْحَمَةٍ كُتِبَتْ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَقالَ فِيهِ جَبَلُ بْنُ جِدالٍ التَّغْلِبِيُّ:
؎لَعُمْرُكَ ما لامَ ابْنُ أخْطَبَ نَفْسَهُ ∗∗∗ ولَكِنَّهُ مَن يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلُ
؎لِجاهِدٍ حَتّى أبْلَغَ النَّفْسَ عُذْرَها ∗∗∗ وقَلْقَلٍ يَبْغِي العِزَّ كُلُّ مُقَلْقَلِ
»
ورُوِيَ «أنَّ ثابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ اسْتَوْهَبَ مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ باطا القُرَظِيَّ لِأنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ يَوْمَ بُعاثَ، فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: هو لَكَ، فَأتاهُ فَقالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ وهَبَ لِي دَمَكَ، فَهو لَكَ قالَ: شَيْخٌ كَبِيرٌ فَما يَصْنَعُ بِالحَياةِ، ولا أهْلَ لَهُ، ولا ولَدَ؟ فَأتى ثابِتٌ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقالَ: بِأبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأتُهُ ووَلَدُهُ، قالَ: هم لَكَ فَأتاهُ، فَقالَ قَدْ وهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أهْلَكَ ووَلَدَكَ فَهم لَكَ، قالَ أهْلُ بَيْتٍ بِالحِجازِ: لا مالَ لَهم فَما بَقاؤُهم عَلى ذَلِكَ، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقالَ: ما لَهُ؟ قالَ: هو لَكَ، فَأتاهُ، فَقالَ: قَدْ أعْطانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مالَكَ، فَهو لَكَ، فَقالَ أيْ ثابِتٌ: ما فَعَلَ الَّذِي كانَ وجْهُهُ مِرْآةً صِينِيَّةً يَتَمَرَّأُ فِيها عَذارى الحَيِّ كَعْبُ بْنُ أسَدٍ؟ قالَ: قُتِلَ، قالَ: فَما فَعَلَ مُقَدَّمَتُنا إذا شَدَدْنا وحامِيَتُنا إذا فَرَرْنا غَزالُ بْنُ شَمْوالَ؟ قالَ: قُتِلَ، قالَ: فَما فَعَلَ المَجْلِسانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وبَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، قالَ: قُتِلُوا، قالَ: فَإنِّي أسْألُكَ يا ثابِتُ بِيَدِي عِنْدَكَ ألا ألْحِقْنِي بِالقَوْمِ، فَواللَّهِ ما في العَيْشِ بَعْدَ هَؤُلاءِ مِن خَيْرٍ، فَما أنا بِصابِرٍ لِلَّهِ تَعالى قِتْلَةَ ذِكْرِ ناصِحٍ حَتّى ألْقى الأحِبَّةَ، فَقَدَّمَهُ ثابِتٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَلَمّا بَلَغَ أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قَوْلُهُ: ألْقى الأحِبَّةَ، قالَ: يَلْقاهُمْ، واللَّهِ في جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها مُخَلَّدِينَ، واسْتَوْهَبَتْ سَلْمى بِنْتُ أقْيَسَ أُمُّ المُنْذِرِ أُخْتُ سَلِيطِ بْنِ قَيْسٍ، وكانَتْ إحْدى خالاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قَدْ صَلَّتْ مَعَهُ القِبْلَتَيْنِ، وبايَعَتْهُ مُبايَعَةَ النِّساءِ رِفاعَةَ بْنَ شَمْوالَ القُرَظِيَّ، وقالَتْ: بِأبِي أنْتَ وأُمِّي يا نَبِيَّ اللَّهِ، هَبْ لِي رِفاعَةَ، فَإنَّهُ زَعَمَ أنَّهُ سَيَصِلُ ويَأْكُلُ لَحْمَ الجَمَلِ، فَوَهَبَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَها فاسْتَحْيَتْهُ. وقَتَلَ مِنهُ كُلَّ مَن أنْبَتَ مِنَ الذُّكُورِ، وأمّا النِّساءُ فَلَمْ يَقْتُلْ مِنهم إلّا امْرَأةً يُقالُ لَها لُبابَةُ زَوْجَةُ الحَكَمِ القُرَظِيِّ وكانَتْ قَدْ طَرَحَتِ الرَّحى عَلى خَلّادِ بْنِ سُوَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ». أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: واللَّهِ إنَّ هَذِهِ الِامْرَأةُ لَعِنْدِي تُحَدِّثُ مَعِي وتَضْحَكُ ظَهْرًا وبَطْنًا، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْتُلُ رِجالَها بِالسُّيُوفِ، إذْ هَتَفَ هاتِفٌ بِاسْمِها أيْنَ فُلانَةُ؟ قالَتْ: أنا واللَّهِ، قُلْتُ لَها: ويْلُكِ ما لَكِ؟ قالَتْ: أُقْتَلُ، قُلْتُ: ولِمَ؟ قالَتْ: لِحَدَثٍ أحْدَثْتُهُ، فانْطُلِقَ بِها فَضُرِبَتْ عُنُقُها، فَكانَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها تَقُولُ: فَواللَّهِ ما أنْسى عَجَبًا مِنها طِيبَ نَفْسِها، وكَثْرَةَ ضَحِكِها، وقَدْ عَرَفَتْ أنَّها تُقْتَلُ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَسَّمَ (p-179)أمْوالَهم ونِساءَهم وأبْناءَهم عَلى المُسْلِمِينَ، وأُعْلِمَ في ذَلِكَ اليَوْمِ سُهْمانُ الخَيْلِ وسُهْمانُ الرِّجالِ، وأُخْرِجَ مِنها الخُمُسُ، وكانَ لِلْفَرَسِ سَهْمانِ، ولِلْفارِسِ سَهْمٌ، ولِلرّاجِلِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ سَهْمٌ، وكانَتِ الخَيْلُ في تِلْكَ الغَزْوَةِ سِتَّةً وثَلاثِينَ فَرَسًا، وهو أوَّلُ فَيْءٍ وقَعَتْ فِيهِ السُّهْمانُ، وأُخْرِجَ مِنهُ الخُمُسُ» عَلى ما ذَكَرَ ابْنُ إسْحاقَ، «ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الأنْصارِيُّ، أخا بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ بِسَبايا مِن سَبايا القَوْمِ، وكانَتِ السَّبايا كُلُّها عَلى ما قِيلَ سَبْعَمِائَةٍ وخَمْسِينَ إلى نَجْدٍ، فابْتاعَ بِها لَهم خَيْلًا وسِلاحًا، وكانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَدِ اصْطَفى لِنَفْسِهِ الكَرِيمَةِ مِن نِسائِهِمْ رَيْحانَةَ بِنْتَ عَمْرٍو وكانَتْ في مِلْكِهِ ﷺ حَتّى تُوُفِّيَ، وقَدْ كانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَرَضَ عَلَيْها أنْ يَتَزَوَّجَها ويَضْرِبَ عَلَيْها الحِجابَ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ تَتْرُكُنِي في مِلْكٍ، فَهو أخَفُّ عَلَيَّ، وعَلَيْكَ، فَتَرَكَها ﷺ، وكانَتْ حِينَ سَباها قَدْ أبَتْ إلّا اليَهُودِيَّةَ فَعَزَلَها عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ووَجَدَ في نَفْسِهِ لِذَلِكَ، فَبَيْنَما هو صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعَ أصْحابِهِ، إذْ سَمِعَ وقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ، فَقالَ: إنَّ هَذا لَنَعْلا ابْنِ شُعْبَةَ جاءَ يُبَشِّرُنِي بِإسْلامِ رَيْحانَةَ، فَجاءَهُ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أسْلَمَتْ رَيْحانَةُ، فَسَرَّهُ ذَلِكَ مِن أمْرِها،» وكانَ الفَتْحُ عَلى ما في البَحْرِ في آخِرِ ذِي القِعْدَةِ، وهَذِهِ الغَزْوَةُ وغَزْوَةُ الخَنْدَقِ كانَتا في سَنَةٍ واحِدَةٍ، كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ ما ذَكَرْناهُ أوَّلَ القِصَّةِ، وهو الصَّحِيحُ خِلافًا لِمَن قالَ: إنَّ كُلًّا مِنهُما في سَنَةٍ، ولَمّا انْقَضى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ لِسَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ جُرْحُهُ فَماتَ شَهِيدًا، وقَدِ اسْتَبْشَرَتِ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِرُوحِهِ واهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ، وفي ذَلِكَ يَقُولُ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ:
؎وما اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِن مَوْتِ هالِكٍ ∗∗∗ سَمِعْنا بِهِ إلّا لِسَعْدٍ أبِي عَمْرِو
واسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ إسْحاقَ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ مِن بَنِي الحارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ خَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، وطُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحًى فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، وذَكَرُوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: إنَّ لَهُ لَأجْرَ شَهِيدَيْنِ.
وماتَ أبُو سِنانِ بْنُ مُحْصَنِ بْنِ حَرْثانَ أخُو بَنِي أسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، ورَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُحاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَدُفِنَ في مَقْبَرَتِهِمُ الَّتِي يَدْفِنُونَ فِيها اليَوْمَ، وإلَيْهِ دَفَنُوا مَوْتاهم في الإسْلامِ، وتَمامُ الكَلامِ فِيما وقَعَ في هَذِهِ الغَزْوَةِ في كُتُبِ السِّيَرِ.
{"ayah":"وَأَنزَلَ ٱلَّذِینَ ظَـٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن صَیَاصِیهِمۡ وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِیقࣰا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِیقࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











