الباحث القرآني

﴿يَحْسَبُونَ الأحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ أيْ هم مِنَ الجَزَعِ والدَّهْشَةِ لِمَزِيدِ جُبْنِهِمْ وخَوْفِهِمْ بِحَيْثُ هَزَمَ اللَّهُ الأحْزابَ فَرَحَلُوا، وهم يَظُنُّونَ أنَّهم لَمْ يَرْحَلُوا، وقِيلَ: المُرادُ هَؤُلاءِ لِجُبْنِهِمْ يَحْسَبُونَ الأحْزابَ لَمْ يَنْهَزِمُوا، وقَدِ انْهَزَمُوا فانْصَرَفُوا عَنِ الخَنْدَقِ راجِعِينَ إلى المَدِينَةِ لِذَلِكَ، وهَذا إنْ صَحَّتْ فِيهِ رِوايَةٌ فَذاكَ وإلّا فالظّاهِرُ أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والقائِلِينَ لإخْوانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنا﴾ لِدِلالَتِهِ ظاهِرًا عَلى أنَّهم خارِجُونَ عَنْ مُعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَحُثُّونَ إخْوانَهم عَلى اللَّحاقِ بِهِمْ، وكَوْنُ المُرادِ هَلُمُّوا إلى رَأْيِنا، أوْ إلى مَكانِنا الَّذِي هو في طَرَفٍ لا يَصِلُ إلَيْهِ السَّهْمُ خِلافُ الظّاهِرِ، وكَذا مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَوْ كانُوا فِيكُمْ﴾ عَلى ما هو الظّاهِرُ أيْضًا، إذْ يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلى اتِّحادِ المَكانِ، ولَوْ في الخَنْدَقِ، ﴿وإنْ يَأْتِ الأحْزابُ﴾ كَرَّةً ثانِيَةً ﴿يَوَدُّوا لَوْ أنَّهم بادُونَ في الأعْرابِ﴾ تَمَنَّوْا أنَّهم خارِجُونَ إلى البَدْوِ، وحاصِلُونَ مَعَ الأعْرابِ، وهم أهْلُ العَمُودِ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، وابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ يَعْمَرَ، وطَلْحَةُ «بُدًّى» جَمْعُ بادٍ كَغازٍ وغُزًّى، ولَيْسَ بِقِياسٍ في مُعْتَلِّ اللّامِ وقِياسُهُ فُعَلَةٌ كَقاضٍ وقُضاةٍ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «بَدَوْا» فِعْلًا ماضِيًا، وفي رِوايَةِ صاحِبِ الإقْلِيدِ «بَدى» بِوَزْنِ عَدى، ﴿يَسْألُونَ﴾ أيْ كُلَّ قادِمٍ مِن جانِبِ المَدِينَةِ ﴿عَنْ أنْبائِكُمْ﴾ عَمّا جَرى عَلَيْكم مِنَ الأحْزابِ يَتَعَرَّفُونَ أحْوالَكم بِالِاسْتِخْبارِ لا بِالمُشاهَدَةِ (p-167)فَرَقًا وجُبْنًا، واخْتِيارُ البَداوَةِ لِيَكُونُوا سالِمِينَ مِنَ القِتالِ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن فاعِلِ (بادُونَ)، وحَكى ابْنُ عَطِيَّةَ أنَّ أبا عَمْرٍو، وعاصِمًا، والأعْمَشَ قَرَؤُوا «يَسَلُونَ» بِغَيْرِ هَمْزٍ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَلْ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [البَقَرَةُ: 211]، ولَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ عَنْ أبِي عَمْرٍو وعاصِمٍ، ولَعَلَّ ذَلِكَ في شاذِّهِما ونَقَلَها صاحِبُ اللَّوامِحِ عَنِ الحَسَنِ والأعْمَشِ، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وقَتادَةُ والجَحْدَرِيُّ، والحَسَنُ، ويَعْقُوبُ بِخِلافٍ عَنْهُما «يَسّالُونَ» بِتَشْدِيدِ السِّينِ والمَدِّ، وأصْلُهُ يَتَساءَلُونَ فَأُدْغِمَتِ التّاءُ في السِّينِ، أيْ يَسْألُ بَعْضُهم بَعْضًا، أيْ يَقُولُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: ماذا سَمِعْتَ وماذا بَلَغَكَ؟ أوْ يَتَساءَلُونَ الأعْرابَ، أيْ يَسْألُونَهم كَما تَقُولُ: رَأيْتُ الهِلالَ وتَراءَيْتُهُ، وأبْصَرْتُ زَيْدًا وتَباصَرْتُهُ، ﴿ولَوْ كانُوا فِيكُمْ﴾ أيْ في هَذِهِ الكَرَّةِ المَفْرُوضَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ( وإنْ يَأْتِ الأحْزابُ ) أوْ ( لَوْ كانُوا فِيكم ) في الكَرَّةِ الأُولى السّابِقَةِ، ولَمْ يَرْجِعُوا إلى داخِلِ المَدِينَةِ، وكانَتْ مُحارَبَةٌ بِالسُّيُوفِ ومُبارَزَةُ الصُّفُوفِ ما ﴿قاتَلُوا إلا قَلِيلا﴾ رِياءً وسُمْعَةً وخَوْفًا مِنَ التَّعْبِيرِ، قالَ مُقاتِلٌ، والجَيّانِيُّ، والبَعْلَبَكِّيُّ: هو قَلِيلٌ مِن حَيْثُ هو رِياءٌ، ولَوْ كانَ لِلَّهِ تَعالى كانَ كَثِيرًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب