الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ﴾ أيْ جِنْسَ الكِتابِ، ﴿فَلا تَكُنْ في مِرْيَةٍ﴾ أيْ شَكٍّ. وقَرَأ الحَسَنُ «مُرْيَةٍ» بِضَمِّ المِيمِ، ﴿مِن لِقائِهِ﴾ أيْ لِقائِكَ ذَلِكَ الجِنْسِ عَلى أنَّ لِقاءَ مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ، وفاعِلُهُ مَحْذُوفٌ، وهو ضَمِيرُ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والضَّمِيرُ المَذْكُورُ لِلْكِتابِ المُرادِ بِهِ الجِنْسُ، وإيتاءُ ذَلِكَ الجِنْسِ بِاعْتِبارِ إيتاءِ التَّوْراةِ، ولِقاؤُهُ بِاعْتِبارِ لِقاءِ القُرْآنِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّكَ لَتُلَقّى القُرْآنَ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النَّمْلُ: 6]، وقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنشُورًا﴾ [الإسْراءُ: 13]، وحَمَلَ بَعْضُهُمُ ( الكِتابَ ) عَلى العَهْدِ، أيِ الكِتابَ المَعْهُودَ وهو التَّوْراةُ، ولَمّا لَمْ يَصِحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ ظاهِرًا لِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يُلَقَّ عَيْنَ ذَلِكَ الكِتابِ قِيلَ:
الكَلامُ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ لِقاءِ مِثْلِهِ أوْ عَلى الِاسْتِخْدامِ، أوْ أنَّ الضَّمِيرَ راجِعٌ إلى القُرْآنِ المَفْهُومِ مِنهُ، ولا يَخْفى ما في كُلٍّ مِنَ البُعْدِ، والمَعْنى إنّا آتَيْنا مُوسى مِثْلَ ما آتَيْناكَ مِنَ الكِتابِ، ولَقَّيْناهُ مِنَ الوَحْيِ مِثْلَ ما لَقَّيْناكَ مِنَ الوَحْيِ، فَلا تَكُنْ في شَكٍّ مِن أنَّكَ لَقِيتَ مِثْلَهُ ونَظِيرَهُ، وخُلاصَةُ ما تُؤْذِنُ بِهِ الفاءُ التَّفْرِيعِيَّةُ أنَّ مَعْرِفَتَكَ بِأنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أُوتِيَ التَّوْراةَ يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ سَبَبًا لِإزالَةِ الرَّيْبِ عَنْكَ في أمْرِ كِتابِكَ، ونَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْ أنْ يَكُونَ في شَكٍّ المَقْصُودُ مِنهُ نَهْيُ أُمَّتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والتَّعْرِيضُ بِمَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ، وقِيلَ: المَصْدَرُ مُضافٌ إلى الفاعِلِ والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ هو ضَمِيرُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أيْ مِن لِقائِهِ إيّاكَ ووُصُولِهِ إلَيْكَ، وفي التَّعْبِيرِ بِاللِّقاءِ دُونَ الإيتاءِ مِن تَعْظِيمِ شَأْنِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ما لا يَخْفى عَلى المُتَدَبِّرِ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ عَلى الوَجْهِ السّابِقِ مُؤْذِنٌ بِالتَّعْظِيمِ أيْضًا لَكِنْ مِن حَيْثِيَّةٍ أُخْرى فَتَدَبَّرْ.
وقِيلَ: الكِتابُ التَّوْراةُ، وضَمِيرُ ﴿لِقائِهِ﴾ عائِدٌ إلَيْهِ مِن غَيْرِ تَقْدِيرِ مُضافٍ، ولا ارْتِكابِ اسْتِخْدامٍ، (ولِقاءٌ) مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى مَفْعُولِهِ، وفاعِلُهُ مُوسى، أيْ مِن لِقاءِ مُوسى الكِتابَ، أوْ مُضافٌ إلى فاعِلِهِ ومَفْعُولُهُ مُوسى، أيْ مِن لِقاءِ الكِتابِ مُوسى، ووُصُولِهِ إلَيْهِ، فالفاءُ مِثْلُها في قَوْلِهِ:
؎لَيْسَ الجَمالُ بِمِئْزَرٍ فاعْلَمْ وإنْ رُدِّيتَ بُرْدا
دَخَلَتْ عَلى الجُمْلَةِ المُعْتَرِضَةِ بَدَلَ الواوِ اهْتِمامًا بِشَأْنِها، وعَنِ الحَسَنِ: أنَّ ضَمِيرَ ( لِقائِهِ ) عائِدٌ عَلى ما تَضَمَّنَهُ الكَلامُ مِنَ الشِّدَّةِ والمِحْنَةِ الَّتِي لَقِيَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى هَذا العِبْءَ الَّذِي أنْتَ بِسَبِيلِهِ، فَلا تَمْتَرِ أنَّكَ تَلْقى ما لَقِيَ هو مِنَ الشِّدَّةِ والمِحْنَةِ بِالنّاسِ، والجُمْلَةُ اعْتِراضِيَّةٌ، ولا يَخْفى بُعْدُهُ، وأبْعَدُ مِنهُ بِمَراحِلَ ما قِيلَ:
الضَّمِيرُ لِمَلَكِ المَوْتِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، والجُمْلَةُ اعْتِراضِيَّةٌ أيْضًا، بَلْ يَنْبَغِي أنْ يَجِلَّ كَلامُ اللَّهِ تَعالى عَنْ مِثْلِ هَذا التَّخْرِيجِ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والضِّياءُ في المُخْتارَةِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ في الآيَةِ: أيْ مِن لِقاءِ مُوسى، وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وغَيْرُهُ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ (p-138)عَنْ أبِي العالِيَةِ أنَّهُ قالَ كَذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ:
أوَلَقِيَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُوسى؟ قالَ: نَعَمْ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واسْألْ مَن أرْسَلْنا مَن قَبْلِكَ مَن رُسُلِنا﴾ [الزُّخْرُفُ: 45]، وأرادَ بِذَلِكَ لِقاءَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إيّاهُ لَيْلَةَ الإسْراءِ كَما ذُكِرَ في الصَّحِيحَيْنِ، وغَيْرِهِما، ورُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ قَتادَةَ وجَماعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، وقالَهُ المُبَرِّدُ حِينَ امْتَحَنَ الزَّجّاجَ بِهَذِهِ الآيَةِ، وكانَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تَكُنْ في مِرْيَةٍ مِن لِقائِهِ﴾ عَلى هَذا وعْدَهُ تَعالى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِلِقاءِ مُوسى، وتَكُونُ الآيَةُ نازِلَةً قَبْلَ الإسْراءِ، والجُمْلَةُ اعْتِراضِيَّةٌ بِالفاءِ بَدَلَ الواوِ، كَما سَمِعْتَ آنِفًا.
وجَعْلُها مُفَرَّعَةً عَلى ما قَبْلَها غَيْرُ ظاهِرٍ، وبِهَذا اعْتَرَضَ بَعْضُهم عَلى هَذا التَّفْسِيرِ، وبِالفِرارِ إلى الإعْراضِ سَلامَةٌ مِنَ الِاعْتِراضِ، وكَأنِّي بِكَ تُرَجِّحُهُ عَلى التَّفْسِيرِ الأوَّلِ مِن بَعْضِ الجِهاتِ، واللَّهُ تَعالى المُوَفِّقُ، ﴿وجَعَلْناهُ﴾ أيِ الكِتابَ الَّذِي آتَيْناهُ مُوسى، وقالَ قَتادَةُ أيْ وجَعَلْنا مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿هُدًى﴾ أيْ هادِيًا مِنَ الضَّلالَةِ ﴿لِبَنِي إسْرائِيلَ﴾ خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِما أنَّهم أكْثَرُ المُنْتَفِعِينَ بِهِ، وقِيلَ: لِأنَّهُ لَمْ يَتَعَبَّدْ بِما في كِتابِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولَدُ إسْماعِيلَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَلَا تَكُن فِی مِرۡیَةࣲ مِّن لِّقَاۤىِٕهِۦۖ وَجَعَلۡنَـٰهُ هُدࣰى لِّبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











