الباحث القرآني
﴿وإذا غَشِيَهم مَوْجٌ﴾ أيْ عَلاهم وغَطّاهم مِنَ الغِشاءِ بِمَعْنى الغِطاءِ مِن فَوْقُ، وهو المُناسِبُ هُنا، وقِيلَ: أيْ أتاهم مِنَ الغَشَيانِ بِمَعْنى الإتْيانِ، وضَمِيرُ ﴿غَشِيَهُمْ﴾ إنِ اتَّحَدَ بِضَمِيرِ المُخاطَبِينَ قَبْلَهُ فَفي الكَلامِ التِفاتٌ مِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ وإلّا فَلا التِفاتَ، والمَوْجُ ما يَعْلُو مِن غَوارِبِ الماءِ، وهو اسْمُ جِنْسٍ واحِدُهُ مَوْجَةٌ وتَنْكِيرُهُ لِلتَّعْظِيمِ، والتَّكْثِيرِ، ولِذا أُفْرِدَ مَعَ جَمْعِ المُشَبَّهِ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كالظُّلَلِ﴾ وهو جَمْعُ ظُلَّةٍ كَغُرْفَةٍ وغُرَفٍ وقُرْبَةٍ وقُرَبٍ، والمُرادُ بِها ما أظَلَّ مِن سَحابٍ أوْ جَبَلٍ أوْ غَيْرِهِما.
وقالَ الرّاغِبُ: الظُّلَّةُ السَّحابَةُ تُظِلُّ، وأكْثَرَ ما يُقالُ فِيما يُسْتَوْخَمُ ويُكْرَهُ، وفَسَّرَ قَتادَةُ الظِّلَّ هُنا بِالسَّحابِ، (p-106)وبَعْضُهم بِالجِبالِ، وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ الحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ «كالظِّلالِ» وهو جَمْعُ ظُلَّةٍ أيْضًا كَعُلْبَةٍ وعِلابٍ، وجُفْرَةٍ وجِفارٍ، (وإذا) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿دَعَوُا﴾ أيْ دَعَوُا ﴿اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ إذا غَشِيَهم مَوْجٌ كالظُّلَلِ، وإنَّما فَعَلُوا ذَلِكَ حِينَئِذٍ لِزَوالِ ما يُنازِعُ الفِطْرَةِ مِنَ الهَوى، والتَّقْلِيدِ بِما دَهاهم مِنَ الخَوْفِ الشَّدِيدِ.
﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ فَمِنهم مُقْتَصِدٌ﴾ سالِكُ القَصْدِ أيِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ لا يَعْدِلُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، وأصْلُهُ اسْتِقامَةُ الطَّرِيقِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَيْهِ مُبالَغَةً، والمُرادُ بِالطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ التَّوْحِيدُ مَجازًا فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَمِنهم مُقِيمٌ عَلى التَّوْحِيدِ، وقَوْلُ الحَسَنِ: أيُّ مُؤْمِنٍ يَعْرِفُ حَقَّ اللَّهِ تَعالى في هَذِهِ النِّعْمَةِ يَرْجِعُ إلى هَذا، وقِيلَ: مُقْتَصِدٌ مِنَ الِاقْتِصادِ بِمَعْنى التَّوَسُّطِ والِاعْتِدالِ.
والمُرادُ حِينَئِذٍ عَلى ما قِيلَ: مُتَوَسِّطٌ في أقْوالِهِ وأفْعالِهِ بَيْنَ الخَوْفِ والرَّجاءِ مُوفٍ بِما عاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ تَعالى في البَحْرِ، وتَفْسِيرُهُ بِمُوفٍ بِعَهْدِهِ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، ويَدْخُلُ في هَذا البَعْضِ عَلى هَذا المَعْنى عِكْرِمَةُ بْنُ أبِي جَهْلٍ.
فَقَدْ رَوى السُّدِّيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أبِيهِ قالَ: «لَمّا كانَ فَتْحُ مَكَّةَ أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ النّاسَ أنْ يَكُفُّوا عَنْ قَتْلِ أهْلِها إلّا أرْبَعَةَ نَفَرٍ مِنهُمْ، قالَ: اقْتُلُوهم وإنْ وجَدْتُمُوهم مُتَعَلِّقِينَ بِأسْتارِ الكَعْبَةِ، عِكْرِمَةُ بْنُ أبِي جَهْلٍ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، وقَيْسُ بْنُ ضُبابَةَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي سَرْحٍ.
فَأمّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ البَحْرَ، فَأصابَتْهم رِيحٌ عاصِفَةٌ، فَقالَ أهْلُ السَّفِينَةِ: أخْلِصُوا، فَإنَّ آلِهَتَكم لا تُغْنِي عَنْكم شَيْئًا ها هُنا، فَقالَ عِكْرِمَةُ: لَئِنْ لَمْ يُنْجِنِي في البَحْرِ إلّا الإخْلاصُ ما يُنْجِنِي في البَرِّ غَيْرُهُ. اللَّهُمَّ إنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إنْ أنْتَ عافَيْتَنِي مِمّا أنا فِيهِ أنْ آتِيَ مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتّى أضَعَ يَدِي في يَدِهِ فَلَأجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، فَجاءَ وأسْلَمَ،» وقِيلَ: مُتَوَسِّطٌ في الكُفْرِ لِانْزِجارِهِ بِما شاهَدَهُ بَعْضَ الِانْزِجارِ.
وقِيلَ: مُتَوَسِّطٌ في الإخْلاصِ الَّذِي كانَ عَلَيْهِ في البَحْرِ، فَإنَّ الإخْلاصَ الحادِثَ عِنْدَ الخَوْفِ قَلَّما يَبْقى لِأحَدٍ عِنْدَ زَوالِ الخَوْفِ. وأيًّا ما كانَ، فالظّاهِرُ أنَّ المُقابِلَ لِقَسَمِ المُقْتَصِدِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما يَجْحَدُ بِآياتِنا إلا كُلُّ خَتّارٍ﴾ والآيَةُ دَلِيلُ ابْنِ مالِكٍ ومَن وافَقَهُ عَلى جَوازِ دُخُولِ الفاءِ في جَوابِ لَمّا، ومَن لَمْ يُجَوِّزْ قالَ: الجَوابُ مَحْذُوفٌ أيْ فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ، فَمِنهم مُقْتَصِدٌ، ومِنهم جاحِدٌ، والخَتّارُ مِنَ الخَتْرِ، وهو أشَدُّ الغَدْرِ، ومِنهُ قَوْلُهُمْ: إنَّكَ لا تَمُدُّ لَنا شِبْرًا مِن غَدْرٍ إلّا مَدَدْنا لَكَ باعًا مِن غَدْرٍ، وبِنَحْوِ ذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لِابْنِ الأزْرَقِ، وأنْشَدَ قَوْلَ الشّاعِرِ:
؎لَقَدْ عَلِمَتْ واسْتَيْقَنَتْ ذاتُ نَفْسِها بِأنْ لا تَخافَ الدَّهْرَ صَرْمِي ولا خَتْرِي
ونَحْوُهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ:
؎وإنَّكَ لَوْ رَأيْتَ أبا عُمَيْرٍ ∗∗∗ مَلَأْتَ يَدَيْكَ مِن غَدْرٍ وخَتْرِ
وفِي مُفْرَداتِ الرّاغِبِ: الخَتْرُ غَدْرٌ يَخْتُرُ فِيهِ الإنْسانُ أيْ يَضْعُفُ، ويُكْسَرُ لِاجْتِهادِهِ فِيهِ، أيْ وما يَجْحَدُ بِآياتِنا ويَكْفُرُ بِها إلّا كُلُّ غَدّارٍ أشَدَّ الغَدْرِ، لِأنَّ كُفْرَهُ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ الفِطْرِيِّ، وقِيلَ: لِأنَّهُ نَقْضٌ لِما عاهَدَ اللَّهَ تَعالى عَلَيْهِ في البَحْرِ مِنَ الإخْلاصِ لَهُ عَزَّ وجَلَّ، ﴿كَفُورٍ﴾ مُبالِغٌ في كُفْرانِ نِعَمِ اللَّهِ تَعالى، ( وخَتّارٌ ) مُقابِلٌ لِصَبّارٍ (p-107)لِأنَّ مَن غَدَرَ لَمْ يَصْبِرْ عَلى العَهْدِ، وكَفُورٌ مُقابِلٌ لِشَكُورٍ.
{"ayah":"وَإِذَا غَشِیَهُم مَّوۡجࣱ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدࣱۚ وَمَا یَجۡحَدُ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَّا كُلُّ خَتَّارࣲ كَفُورࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











