الباحث القرآني

﴿ما خَلْقُكم ولا بَعْثُكم إلا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ )،﴾ أيْ إلّا كَخَلْقِها وبَعْثِها في سُهُولَةِ التَّأتِّي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ، إذْ لا يَشْغَلُهُ تَعالى شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، لِأنَّ مَناطَ وُجُودِ الكُلِّ تَعَلُّقُ إرادَتِهِ تَعالى الواجِبَةِ، أوْ قَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: كُنْ مَعَ قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ الذّاتِيَّةِ، وإمْكانُ المُتَعَلِّقِ، ولا تَوَقُّفَ لِذَلِكَ عَلى آلَةٍ ومُباشَرَةٍ تَقْتَضِي التَّعاقُبَ لِيَخْتَلِفَ عِنْدَهُ تَعالى الواحِدُ والكَثِيرُ كَما يَخْتَلِفُ ذَلِكَ عِنْدَ العِبادِ، ﴿إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ يَسْمَعُ كُلَّ مَسْمُوعٍ ﴿بَصِيرٌ﴾ يُبْصِرُ كُلَّ مُبْصِرٍ في حالَةٍ واحِدَةٍ لا يَشْغَلُهُ إدْراكُ بَعْضِها عَنْ إدْراكِ بَعْضٍ، فَكَذا الخَلْقُ والبَعْثُ، وحاصِلُهُ كَما أنَّهُ تَعالى شَأْنُهُ بِبَصَرٍ واحِدٍ يُدْرِكُ سُبْحانَهُ المُبْصَراتِ، وبِسَمْعٍ واحِدٍ يَسْمَعُ جَلَّ وعَلا المَسْمُوعاتِ، ولا يَشْغَلُهُ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ، كَذَلِكَ فِيما يَرْجِعُ إلى القُدْرَةِ والفِعْلِ، فَهو اسْتِشْهادٌ بِما سَلَّمُوهُ، فَشَبَّهَ المَقْدُوراتِ فِيما يُرادُ مِنها بِالمُدْرَكاتِ فِيما يُدْرَكُ مِنها، كَذا في الكَشْفِ. واسْتَشْكَلَ كَوْنُ ذَلِكَ مُسَلَّمًا بِأنَّهُ قَدْ كانَ بَعْضُهم إذا طَعَنُوا في الدِّينِ يَقُولُ: أسِرُّوا قَوْلَكم لِئَلّا يَسْمَعَ إلَهُ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَنَزَلَ: ﴿وأسِرُّوا قَوْلَكم أوِ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [المُلْكِ: 13]. وأُجِيبَ بِأنَّهُ لا اعْتِدادَ بِمِثْلِهِ مِنَ الحَماقَةِ بَعْدَ ما رَدَّ عَلَيْهِمْ ما زَعَمُوا، وأُعْلِمُوا بِما أسَرُّوا، وقِيلَ: إنَّ الجُمْلَةَ تَعْلِيلٌ لِإثْباتِ القُدْرَةِ الكامِلَةِ بِالعِلْمِ الواسِعِ، وأنَّ شَيْئًا مِنَ المَقْدُوراتِ لا يَشْغَلُهُ سُبْحانَهُ عَنْ غَيْرِهِ لِعِلْمِهِ تَعالى بِتَفاصِيلِها وجُزْئِيّاتِها، فَيَتَصَرَّفُ فِيها كَما يَشاءُ كَما يُقالُ: فُلانٌ يُجِيدُ عَمَلَ كَذا لِمَعْرِفَتِهِ بِدَقائِقِهِ ومُتَمِّماتِهِ، والمَقْصُودُ مِن إيرادِ الوَصْفَيْنِ إثْباتُ الحَشْرِ والنَّشْرِ لِأنَّهُما عُمْدَتانِ فِيهِ، ألا تَرى كَيْفَ عَقَّبَ ذَلِكَ بِما يَدُلُّ عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ وشُمُولِ العِلْمِ. وأيًّا ما كانَ يَنْدَفِعُ تَوَهُّمُ أنَّ المُناسِبَ لِما قَبْلُ أنْ يُقالَ: إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ قَدِيرٌ أوْ نَحْوُ ذَلِكَ، دُونَ ما ذُكِرَ، لِأنَّ الخَلْقَ والبَعْثَ لَيْسا مِنَ المَسْمُوعاتِ والمُبْصَراتِ، وعَنْ مُقاتِلٍ: «إنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ قالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَنا أطْوارًا نُطْفَةً عَلَقَةً مُضْغَةً لَحْمًا، فَكَيْفَ يَبْعَثُنا خَلْقًا جَدِيدًا في ساعَةٍ واحِدَةٍ؟ فَنَزَلَتْ،» وذَكَرَ النَّقّاشُ: أنَّها نَزَلَتْ في أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، وأبِي الأسْوَدِ، ونَنِيهٍ، ومُنَبِّهٍ ابْنَيِ الحَجّاجِ، وذُكِرَ في سَبَبِ نُزُولِها فِيهِمْ نَحْوُ ما ذُكِرَ، وعَلى كَوْنِ سَبَبِ النُّزُولِ ذَلِكَ قِيلَ: المَعْنى أنَّهُ تَعالى سَمِيعٌ بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بَصِيرٌ بِما يُضْمِرُونَهُ وهو كَما تَرى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب