الباحث القرآني
﴿أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا﴾ إنْكارٌ واسْتِقْباحٌ لِقِصَرِ نَظَرِهِمْ عَلى ما ذُكِرَ مِن ظاهِرِ الحَياةِ الدُّنْيا مَعَ الغَفْلَةِ عَنِ الآخِرَةِ، والواوُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فِي أنْفُسِهِمْ﴾ ظَرْفٌ لِلتَّفَكُّرِ، وذَكَرَهُ مَعَ أنَّ التَّفَكُّرَ لا يَكُونُ إلّا في النَّفْسِ لِتَحْقِيقِ أمْرِهِ وزِيادَةِ تَصْوِيرِ حالِ المُتَفَكِّرِينَ، كَما فِي: اعْتَقِدْهُ في قَلْبِكَ وأبْصِرْهُ بِعَيْنِكَ، وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلا بِالحَقِّ﴾ مُتَعَلِّقٌ إمّا بِالعِلْمِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَيْهِ التَّفَكُّرُ ويَدُلُّ عَلَيْهِ، أوْ بِالقَوْلِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلا﴾ [آلُ عِمْرانَ: 191]، أيِ اعْلَمُوا ظاهِرَ الحَياةِ الدُّنْيا فَقَطْ، أوِ اقْصُرُوا النَّظَرَ عَلى ذَلِكَ، ولَمْ يُحْدِثُوا التَّفَكُّرَ في قُلُوبِهِمْ، فَيَعْلَمُوا أنَّهُ تَعالى ما خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما مِنَ المَخْلُوقاتِ الَّتِي هم مِن جُمْلَتِها مُلْتَبِسَةً بِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ إلّا مُلْتَبِسَةً بِالحَقِّ، أوْ يَقُولُوا هَذا القَوْلَ مُعْتَرِفِينَ بِمَضْمُونِهِ إثْرَ ما عَلِمُوهُ، والمُرادُ بِالحَقِّ هو الثّابِتُ الَّذِي يَحِقُّ أنْ يَثْبُتَ لا مَحالَةَ لِابْتِنائِهِ عَلى الحِكَمِ البالِغَةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها اسْتِشْهادُ المُكَلَّفِينَ بِذَواتِها وصِفاتِها وأحْوالِها عَلى وُجُودِ صانِعِها ووَحْدَتِهِ وعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ واخْتِصاصِهِ بِالمَعْبُودِيَّةِ، وصِحَّةِ أخْبارِهِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها إحْياؤُهم بَعْدَ الفَناءِ بِالحَياةِ الأبَدِيَّةِ، ومُجازاتُهم بِحَسَبِ أعْمالِهِمْ عَمّا يَتَبَيَّنُ المُحْسِنُ مِنَ المُسِيءِ، ويَمْتازُ دَرَجاتُ أفْرادِ كُلٍّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ حَسَبَ امْتِيازِ طَبَقاتِ عُلُومِهِمْ، واعْتِقاداتِهِمُ المُتَرَتِّبَةِ عَلى أنْظارِهِمْ فِيما نُصِبَ في المَصْنُوعاتِ مِنَ الآياتِ والدَّلائِلِ والأماراتِ والمَخايِلِ، كَما نَطَقَ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلا﴾ [المُلْكُ: 2]، فَإنَّ العَمَلَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِعَمَلِ الجَوارِحِ، ولِذَلِكَ فَسَّرَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِقَوْلِهِ: ««أيُّكم أحْسَنُ عَقْلًا وأوْرَعُ عَنْ مَحارِمِ اللَّهِ تَعالى وأسْرَعُ في طاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ»» .
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وأجَلٍ مُسَمًّى﴾ عَطْفٌ عَلى الحَقِّ، أيْ وبِأجَلٍ مُعَيَّنٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعالى لِبَقائِها، لا بُدَّ لَها مِن أنْ (p-23)تَنْتَهِيَ إلَيْهِ لا مَحالَةَ، وهو وقْتُ قِيامِ السّاعَةِ، وتَبَدُّلِ الأرْضِ غَيْرَ الأرْضِ والسَّماواتِ، هَذا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ( في أنْفُسِهِمْ ) مُتَعَلِّقًا بِـ(يَتَفَكَّرُوا)، ومَفْعُولًا لَهُ بِالواسِطَةِ عَلى مَعْنى: أوْلَمْ يَتَفَكَّرُوا في ذَواتِهِمْ وأنْفُسِهِمُ الَّتِي هي أقْرَبُ المَخْلُوقاتِ إلَيْهِمْ، وهم أعْلَمُ بِشُؤُونِها، وأخْبَرُ بِأحْوالِها مِنهم بِأحْوالِ ما عَداها، فَيَتَدَبَّرُوا ما أوْدَعَها اللَّهُ تَعالى ظاهِرًا وباطِنًا مِن غَرائِبِ الحِكَمِ الدّالَّةِ عَلى التَّدْبِيرِ دُونَ الإهْمالِ، وأنَّهُ لا بُدَّ لَها مِنَ انْتِهاءٍ إلى وقْتٍ يُجازِيها الحَكِيمُ الَّذِي دَبَّرَ أمْرَها عَلى الإحْسانِ إحْسانًا، وعَلى الإساءَةِ مِثْلَها حَتّى يَعْلَمُوا عِنْدَ ذَلِكَ أنَّ سائِرَ الخَلائِقِ كَذَلِكَ أمْرُها جارٍ عَلى الحِكْمَةِ والتَّدْبِيرِ، وأنَّهُ لا بُدَّ لَها مِنَ الِانْتِهاءِ إلى ذَلِكَ الوَقْتِ.
وتُعُقِّبَ بِأنَّ أمْرَ مَعادِ الإنْسانِ ومُجازاتِهِ بِما عَمِلَ مِنَ الإساءَةِ والإحْسانِ هو المَقْصُودُ بِالذّاتِ، والمُحْتاجُ إلى الإثْباتِ، فَجَعَلَهُ ذَرِيعَةً إلى إثْباتِ مَعادِ ما عَداهُ مَعَ كَوْنِهِ بِمَعْزِلٍ مِنَ الأجْزاءِ تَعْكِيسٌ لِلْأمْرِ، فَتَدَبَّرْ. وجَوَّزَ أبُو حَيّانَ أنْ يَكُونَ ( ما خَلَقَ ) إلَخْ، مَفْعُولَ ( يَتَفَكَّرُوا ) مُعَلِّقًا عَنْهُ بِالنَّفْيِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ التَّعْلِيقَ في مِثْلِهِ مَمْنُوعٌ أوْ قَلِيلٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ﴾ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ بِبَيانِ أنَّ أكْثَرَهم غَيْرُ مُقْتَصِرِينَ عَلى ما ذَكَرَهُ مِنَ الغَفْلَةِ مِن أحْوالِ الآخِرَةِ والإعْراضِ عَنِ التَّفَكُّرِ فِيما يُرْشِدُهم إلى مَعْرِفَتِها مِن خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، وما بَيْنَهُما مِنَ المَصْنُوعاتِ، بَلْ هم مُنْكِرُونَ جاحِدُونَ لِقاءَ حِسابِهِ تَعالى وجَزائِهِ عَزَّ وجَلَّ بِالبَعْثِ، وهُمُ القائِلُونَ بِأبَدِيَّةِ الدُّنْيا كالفَلاسِفَةِ عَلى المَشْهُورِ.
{"ayah":"أَوَلَمۡ یَتَفَكَّرُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۗ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَاۤىِٕ رَبِّهِمۡ لَكَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق