الباحث القرآني

﴿وإنْ كانُوا مِن قَبْلِ أنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ ) الوَدْقُ ﴿مِن قَبْلِهِ﴾ أيِ التَّنْزِيلِ، ﴿لَمُبْلِسِينَ﴾ أيْ آيِسِينَ، والتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ، وأفادَ كَما قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ الإعْلامَ بِسُرْعَةِ تَقَلُّبِ قُلُوبِ البَشَرِ مِنَ الإبْلاسِ إلى الِاسْتِبْشارِ، وذَلِكَ أنَّ ﴿مِن قَبْلِ أنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ يَحْمِلُ الفُسْحَةَ في الزَّمانِ فَجاءَ ﴿مِن قَبْلِهِ﴾ لِلدِّلالَةِ عَلى الِاتِّصالِ، ودَفْعِ ذَلِكَ الِاحْتِمالِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أُكِّدَ لِيَدُلَّ عَلى بُعْدِ عَهْدِهِمْ بِالمَطَرِ، فَيُفْهَمُ مِنهُ اسْتِحْكامُ يَأْسِهِمْ، وما ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ أقْرَبُ، لِأنَّ المُتَبادِرَ مِنَ القَبْلِيَّةِ الِاتِّصالُ، وتَأْكِيدٌ دالٌّ عَلى شِدَّتِهِ. وأبُو حَيّانَ أنْكَرَ عَلى كِلا الشَّيْخَيْنِ، وقالَ: ما ذَكَراهُ مِن فائِدَةِ التَّأْكِيدِ غَيْرُ ظاهِرٍ، وإنَّما هو عِنْدِي لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، ويُفِيدُ رَفْعَ المَجازِ فَقَطْ، وقالَ قُطْرُبٌ: ضَمِيرُ ( قَبْلِهِ ) لِلْمَطَرِ، فَلا تَأْكِيدَ. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: مِن قَبْلِ تَنْزِيلِ المَطَرِ مِن قَبْلِ المَطَرِ، وهو تَرْكِيبٌ لا يَسُوغُ في كَلامٍ فَصِيحٍ فَضْلًا عَنِ القُرْآنِ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلزَّرْعِ الدّالِّ عَلَيْهِ المَطَرُ أيْ مِن قَبْلِ تَنْزِيلِ المَطَرِ مِن قَبْلِ أنْ يَزْرَعُوا، وفِيهِ أنَّ ﴿مِن قَبْلِ أنْ يُنَزَّلَ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمُبْلِسِينَ، ولا يُمْكِنُ تَعَلُّقُ ( ﴿مِن قَبْلِهِ﴾ ) بِهِ أيْضًا، لِأنَّ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى لا يَتَعَلَّقانِ بِعامِلٍ واحِدٍ إلّا أنْ يَكُونَ بِوَساطَةِ حَرْفِ العَطْفِ، أوْ عَلى جِهَةِ البَدَلِ، ولا عاطِفَ هُنا، ولا يَصِحُّ البَدَلُ ظاهِرًا، وجَوَّزَ بَعْضُهم فِيهِ بَدَلَ الِاشْتِمالِ مُكْتَفِيًا فِيهِ بِكَوْنِ الزَّرْعِ ناشِئًا عَنِ التَّنْزِيلِ، فَكانَ التَّنْزِيلُ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ وهو كَما تَرى. وقالَ المُبَرِّدُ: الضَّمِيرُ لِلسَّحابِ، لِأنَّهم لَمّا رَأوُا السَّحابَ كانُوا راجِينَ المَطَرَ، والمُرادُ مِن قَبْلِ رُؤْيَةِ السَّحابِ، ويَحْتاجُ أيْضًا إلى حَرْفِ عَطْفٍ حَتّى يَصِحَّ تَعَلُّقُ الحَرْفَيْنِ (بِمُبْلِسِينَ)، وقالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى: الضَّمِيرُ لِلْإرْسالِ، وقالَ الكِرْمانِيُّ: لِلِاسْتِبْشارِ، لِأنَّهُ قُرِنَ بِالإبْلاسِ ومَنَّ عَلَيْهِمْ بِهِ، وأُورِدَ عَلَيْهِما أمْرُ التَّعَلُّقِ مِن غَيْرِ عَطْفٍ كَما أُورِدَ عَلى مَن قَبْلَهُما، فَإنْ قالُوا بِحَذْفِ حَرْفِ العَطْفِ فَفي جَوازِهِ في مِثْلِ هَذا المَوْضِعِ قِياسًا خِلافٌ. واخْتارَ بَعْضُهم كَوْنَهُ لِلِاسْتِبْشارِ عَلى أنَّ ( مِن ) مُتَعَلِّقَةٌ (بِيُنَزَّلَ)، ( ومِنَ ) الأُولى مُتَعَلِّقَةٌ (بِمُبْلِسِينَ) لِأنَّهُ يُفِيدُ سُرْعَةَ تَقَلُّبِ قُلُوبِهِمْ مِنَ اليَأْسِ إلى الِاسْتِبْشارِ بِالإشارَةِ إلى غايَةِ تَقارُبِ زَمانَيْهِما بِبَيانِ اتِّصالِ اليَأْسِ بِالتَّنْزِيلِ المُتَّصِلِ بِالِاسْتِبْشارِ بِشَهادَةِ إذا الفُجائِيَّةِ فَتَأمَّلْ، ( وإنْ ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، واللّامُ في (لَمُبْلِسِينَ) هي الفارِقَةُ، ولا ضَمِيرَ شَأْنٍ مُقَدَّرًا لِإنْ، لِأنَّهُ إنَّما يُقَدَّرُ لِلْمَفْتُوحَةِ وأمّا المَكْسُورَةُ فَيَجِبُ إهْمالُها، كَما فَصَّلَهُ في المُغْنِي، وبَعْضُ الأجِلَّةِ قالَ بِالتَّقْدِيرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب