الباحث القرآني
﴿ومِن آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ﴾ ذَهَبَ أبُو عَلِيٍّ إلى أنَّهُ بِتَقْدِيرِ أنِ المَصْدَرِيَّةِ، والأصْلُ أنْ يُرِيَكُمْ، فَحُذِفَ أنْ، وارْتَفَعَ الفِعْلُ، وهو الشّائِعُ بَعْدَ الحَذْفِ في مِثْلِ ذَلِكَ، وشَذَّ بَقاؤُهُ مَنصُوبًا بَعْدَهُ، وقَدْ رُوِيَ بِالوَجْهَيْنِ قَوْلُ طَرَفَةَ:(p-33)
؎ألا أيُّهَذا الزّاجِرِي أحْضُرَ الوَغى وأنْ أشْهَدَ اللَّذّاتِ هَلْ أنْتَ مُخْلِدِي
وجُوِّزَ كَوْنُهُ مِمّا نُزِّلَ فِيهِ الفِعْلُ مَنزِلَةَ المَصْدَرِ، فَلا تُقَدَّرُ أنْ، بَلِ الفِعْلُ مُسْتَعْمَلٌ في جُزْءِ مَعْناهُ، وهو الحَدَثُ مَقْطُوعٌ فِيهِ النَّظَرُ عَنِ الزَّمانِ، فَيَكُونُ اسْمًا في صُورَةِ الفِعْلِ، (فَيُرِيكُمْ) بِمَعْنى الرُّؤْيَةِ، وحُمِلَ عَلى ذَلِكَ في المَشْهُورِ قَوْلُهُمْ:
؎تَسْمَعُ بِالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِن أنْ تَراهُ
وجُوِّزَ فِيهِ أنْ يَكُونَ مِمّا حُذِفَ فِيهِ أنْ، وأُيِّدَ بِأنَّهُ رُوِيَ فِيهِ: تَسْمَعَ، بِالنَّصْبِ أيْضًا، ولَمْ يَرْتَضِهِ بَعْضُ الأجِلَّةِ لِأنَّ المَعْنى لَيْسَ عَلى الِاسْتِقْبالِ، وأمّا أنْ تَراهُ، فالِاسْتِقْبالُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلى السَّماعِ فَلا يُنافِيهِ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ:
؎فَقالُوا ما تَشاءُ فَقُلْتُ ألْهُو ∗∗∗ إلى الإصْباحِ آثِرَ ذِي أثِيرِ
ورُجِّحَ الحَمْلُ عَلى التَّنْزِيلِ مَنزِلَةَ اللّازِمِ دِلالَةً عَلى أنَّهُ كالحالِ اهْتِمامًا بِشَأْنِ المُرادِ لِقَوْلِهِ: آثِرَ ذِي أثِيرِ، والتَّعْلِيلُ بِأنَّ ما تَشاءُ، سُؤالٌ عَمّا يَشاؤُوهُ في الحالِ، وأنْ لِلِاسْتِقْبالِ، لَيْسَ بِالوَجْهِ، لِأنَّ المَشِيئَةَ تَتَعَلَّقُ بِالمُسْتَقْبَلِ أبَدًا، وقالَ الجامِعُ الأصْفَهانِيُّ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: ومِن آياتِهِ آيَةٌ يُرِيكُمُ البَرْقَ، عَلى أنَّ ( يُرِيكُمُ ) صِفَةٌ، وحُذِفَ المَوْصُوفُ، وأُقِيمَتِ الصِّفَةُ مَقامَهُ كَما في قَوْلِهِ:
؎وما الدَّهْرُ إلّا تارَتانِ فَمِنهُما ∗∗∗ أمُوتُ وأُخْرى أبْتَغِي العَيْشَ أكْدَحُ
أيْ فَمِنهُما تارَةٌ أمُوتُ، قِيلَ: فَلا بُدَّ مِن راجِعٍ، فَقُدِّرَ فِيها أوْ بِها، ونَصَّ عَلى الثّانِي الرُّمّانِيُّ، كَما في البَحْرِ، وكِلاهُما لا يَسُدُّ - كَما في الكَشْفِ- عَلَيْهِ المَعْنى، وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: ومِن آياتِهِ البَرْقُ ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ يُرِيكُمُ البَرْقَ، وقِيلَ: ﴿مِن آياتِهِ﴾ حالٌ مِنَ البَرْقِ، أيْ يُرِيكُمُ البَرْقَ حالَ كَوْنِهِ مِن آياتِهِ، وجَوَّزَ أبُو حَيّانَ تَعَلُّقَهُ بِيُرِيكُمْ، ( ومِن ) لِابْتِداءِ الغايَةِ، وفِيهِ مُخالَفَةٌ لِنُظَرائِهِ.
وفِي الكَشْفِ: لَعَلَّ الأوْجَهَ أنْ يَكُونَ (مِن آياتِهِ) خَبَرَ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، أيْ مِن آياتِهِ ما يُذْكَرُ، أوْ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ، ثُمَّ قِيلَ: ﴿يُرِيكُمُ البَرْقَ﴾ بَيانًا لِذَلِكَ، ثُمَّ قالَ: وهَذا أقَلُّ تَكَلُّفًا مِنَ الكُلِّ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الأوْجَهَ ما تُوافِقُ الآيَةُ بِهِ نَظائِرَها.
﴿خَوْفًا﴾ أيْ مِنَ الصَّواعِقِ ﴿وطَمَعًا﴾ في المَطَرِ، قالَهُ الضَّحّاكُ، وقالَ قَتادَةُ: خَوْفًا لِلْمُسافِرِ، لِأنَّهُ عَلامَةُ المَطَرِ، وهو يَضُرُّهُ لِعَدَمِ ما يُكِنُّهُ، ولا نَفْعَ لَهُ فِيهِ، وطَمَعًا لِلْمُقِيمِ، وقِيلَ: خَوْفًا أنْ يَكُونَ خَلَبًا وطَمَعًا أنْ يَكُونَ ماطِرًا، وقالَ ابْنُ ٍسَلّامٍ: خَوْفًا مِنَ البَرَدِ أنْ يُهْلِكَ الزَّرْعَ، وطَمَعًا في المَطَرِ، ونَصْبُهُما عَلى العِلَّةِ عِنْدَ الزَّجّاجِ، وهو عَلى مَذْهَبِ مَن لا يَشْتَرِطُ في نَصْبِ المَفْعُولِ لَهُ اتِّحادَ المَصْدَرِ، والفِعْلُ المُعَلَّلُ في الفاعِلِ ظاهِرٌ، وأمّا عَلى مَذْهَبِ الأكْثَرِينَ المُشْتَرِطِينَ لِذَلِكَ فَقِيلَ في تَوْجِيهِهِ: إنَّ ذَلِكَ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ إرادَةُ خَوْفٍ وطَمَعٍ، أوْ عَلى تَأْوِيلِ الخَوْفِ والطَّمَعِ بِالإخافَةِ والإطْماعِ، إمّا بِأنْ يُجْعَلَ أصْلُهُما ذَلِكَ عَلى حَذْفِ الزَّوائِدِ، أوْ بِأنْ يُجْعَلا مَجازَيْنِ عَنْ سَبَبَيْهِما.
وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لِأنَّ إراءَتَهم تَسْتَلْزِمُ رُؤْيَتَهُمْ، فالمَفْعُولُونَ فاعِلُونَ في المَعْنى فَكَأنَّهُ قِيلَ: لَجَعَلَكم رائِينَ خَوْفًا وطَمَعًا.
واعْتُرِضَ بِأنَّ الخَوْفَ والطَّمَعَ لَيْسا غَرَضَيْنِ لِلرُّؤْيَةِ، ولا داعِيَيْنِ لَها، بَلْ يَتْبَعانِها، فَكَيْفَ يَكُونانِ عِلَّةً عَلى فَرْضِ الِاكْتِفاءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَ المُشْتَرِطِينَ، ووُجِّهَ بِأنَّهُ لَيْسَ المُرادُ بِالرُّؤْيَةِ مُجَرَّدُ وُقُوعِ البَصَرِ، بَلِ الرُّؤْيَةُ القَصْدِيَّةُ بِالتَّوَجُّهِ والِالتِفاتِ، فَهو مِثْلُ: قَعَدْتُ عَنِ الحَرْبِ جُبْنًا، ولَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ أبُو حَيّانَ أيْضًا، ثُمَّ قالَ: لَوْ قِيلَ عَلى مَذْهَبِ المُشْتَرِطِينَ أنَّ التَّقْدِيرَ: يُرِيكُمُ البَرْقَ فَتَرَوْنَهُ خَوْفًا وطَمَعًا، فَحُذِفَ العامِلُ لِلدِّلالَةِ عَلَيْهِ، لَكانَ إعْرابًا سائِغًا، وقِيلَ: لَعَلَّ الأظْهَرَ (p-34)نَصْبُهُما عَلى العِلَّةِ لِلْإراءَةِ لِوُجُودِ المُقارَنَةِ والِاتِّحادِ في الفاعِلِ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى هو خالِقُ الخَوْفِ والطَّمَعِ، وكَوْنُ مَعْنى قَوْلِ النُّحاةِ: لا بُدَّ أنْ يَكُونَ المَفْعُولُ لَهُ فِعْلَ الفاعِلِ، أنَّهُ لا بُدَّ مِن كَوْنِهِ مُتَّصِفًا بِهِ كالإكْرامِ في قَوْلِكَ: جِئْتُكَ إكْرامًا لَكَ، إنْ سُلِّمَ فَلا حَجْرَ مِنَ الِانْتِصابِ عَلى التَّشْبِيهِ في المُقارَنَةِ والِاتِّحادِ المَذْكُورِ.
وتُعُقِّبَ بِأنَّ كَوْنَ المَعْنى ما ذُكِرَ مِمّا لا شُبْهَةَ فِيهِ، وقَدْ ذَكَرَهُ صاحِبُ الِانْتِصافِ وغَيْرُهُ، فَإنَّ الفاعِلَ اللُّغَوِيَّ غَيْرُ الفاعِلِ الحَقِيقِيِّ، فالتَّوَقُّفُ فِيهِ وادِّعاءُ أنَّهُ لا حَجْرَ مِنَ الِانْتِصابِ عَلى التَّشْبِيهِ مِمّا لا وجْهَ لَهُ، وأنا أمِيلُ إلى عَدَمِ اشْتِراطِ الِاتِّحادِ في الفاعِلِ، لِكَثْرَةِ النَّصْبِ مَعَ عَدَمِ الِاتِّحادِ، كَما يَشْهَدُ بِذَلِكَ التَّتَبُّعُ والرُّجُوعُ إلى شَرْحِ الكافِيَةِ لِلرَّضِيِّ، والتَّأْوِيلُ مَعَ الكَثْرَةِ مِمّا لا مُوجِبَ لَهُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ النَّصْبُ هُنا عَلى المَصْدَرِ، أيْ تَخافُونَ خَوْفًا، وتَطْمَعُونَ طَمَعًا، عَلى أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ حالًا، وأوْلى مِنهُ أنْ يَكُونا نَصْبًا عَلى الحالِ، أيْ خائِفِينَ وطامِعِينَ.
﴿ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ وقَرَأ غَيْرُ واحِدٍ بِالتَّخْفِيفِ، ﴿فَيُحْيِي بِهِ﴾ أيْ بِسَبَبِ الماءِ ﴿الأرْضَ﴾ بِأنْ يُخْرِجَ سُبْحانَهُ بِهِ النَّباتَ ﴿بَعْدَ مَوْتِها﴾ يُبْسِها ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يَسْتَعْمِلُونَ عُقُولَهم في اسْتِنْباطِ أسْبابِها، وكَيْفِيَّةِ تَكَوُّنِها، لِيَظْهَرَ لَهم كَمالُ قُدْرَةِ الصّانِعِ جَلَّ شَأْنُهُ وحِكْمَتُهُ سُبْحانَهُ، وقالَ الطِّيبِيُّ: لَمّا كانَ ما ذُكِرَ تَمْثِيلًا لِإحْياءِ النّاسِ، وإخْراجِ المَوْتى، وكانَ التَّمْثِيلُ لِإدْناءِ المُتَوَهَّمِ المَعْقُولِ، وإراءَةِ المُتَخَيَّلِ في صُورَةِ المُحَقَّقِ، ناسَبَ أنْ تَكُونَ الفاصِلَةُ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
{"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦ یُرِیكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَیُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَیُحۡیِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق