الباحث القرآني

﴿ومِن آياتِهِ﴾ الباهِرَةِ الدّالَّةِ عَلى أنَّكم تُبْعَثُونَ دِلالَةٌ أوْضَحُ مِن دِلالَةِ ما سَبَقَ، فَإنَّ دِلالَةَ بَدْءِ خَلْقِهِمْ عَلى إعادَتِهِمْ أظْهَرُ مِن دِلالَةِ إخْراجِ الحَيِّ مِنَ المَيِّتِ، وإخْراجِ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ، ومِن دِلالَةِ إحْياءِ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِها عَلَيْها، ﴿أنْ خَلَقَكُمْ﴾ أيْ في ضِمْنِ خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، لِما مَرَّ مِرارًا مِن أنَّ خَلْقَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُنْطَوٍ عَلى خَلْقِ ذُرِّيّاتِهِ انْطِواءً إجْمالِيًّا ﴿مِن تُرابٍ﴾ لَمْ يَشُمَّ رائِحَةَ الحَياةِ قَطُّ، ولا مُناسَبَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ في ذاتِكم وصِفاتِكُمْ، وقِيلَ: خَلَقَهم مِن تُرابٍ لِأنَّهُ تَعالى خَلَقَ مادَّتَهم مِنهُ، فَهو مَجازٌ، أوْ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، ﴿ثُمَّ إذا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ أيْ في الأرْضِ تَتَصَرَّفُونَ في أغْراضِكم وأسْفارِكُمْ، ( وإذا ) فُجائِيَّةٌ، ( وثُمَّ ) عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ أبُو حَيّانَ لِلتَّراخِي الحَقِيقِيِّ، لِما بَيْنَ الخَلْقِ والِانْتِشارِ مِنَ المُدَّةِ، وقالَ العَلّامَةُ الطِّيبِيُّ: إنَّها لِلتَّراخِي الرُّتَبِيِّ، لِأنَّ المُفاجَأةَ تَأْبى الحَقِيقِيَّ. ورُدَّ بِأنَّهُ لا مانِعَ مِن أنْ يُفاجِئَ أحَدًا أمْرٌ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِن أمْرٍ آخَرَ، أوْ أحَدُهُما حَقِيقِيٌّ، والآخَرُ عُرْفِيٌّ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ عَلى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ يَأْباهُ الذَّوْقُ، فَإنَّهُ كالجَمْعِ بَيْنَ الضَّبِّ والنُّونِ، فَما ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أنْسَبُ بِالنَّظْمِ القُرْآنِيِّ، والظّاهِرُ أنَّ الجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلى المُبْتَدَإ قَبْلَها، وهي بِتَأْوِيلِ مُفْرَدٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: ومِن آياتِهِ خَلْقُكم مِن تُرابٍ، ثُمَّ مُفاجَأتُكم وقْتَ كَوْنِكم بَشَرًا مُنْتَشِرِينَ، كَذا قِيلَ، وفي وُقُوعِ الجُمْلَةِ مُبْتَدَأً بِمِثْلِ هَذا التَّأْوِيلِ نَظَرٌ، إلّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ يُغْتَفَرُ في التّابِعِ ما لا يُغْتَفَرُ في المَتْبُوعِ، ويُتَخَيَّلُ مِن كَلامِ بَعْضِهِمْ أنَّ العَطْفَ عَلى ( خَلَقَكم ) بِحَسَبِ المَعْنى حَيْثُ قالَ: أيْ ثُمَّ فاجَأْتُمْ وقْتَ كَوْنِكم بَشَرًا مُنْتَشِرِينَ، ويُفْهَمُ مِن كَلامِ صاحِبِ الكَشْفِ في نَظِيرِ الآيَةِ أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى الآتِيَ: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ أنَّهُ أُقِيمَتِ الجُمْلَةُ مَقامَ المُفْرَدِ مِن حَيْثُ المَعْنى، لِأنَّها تُفِيدُ فائِدَتَهُ، والكَلامُ عَلى أُسْلُوبِ ﴿مَقامُ إبْراهِيمَ ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾ [آلُ عِمْرانَ: 97]، لِأنَّهُ في مَعْنى: وأمِّنْ داخِلَهُ، وأمّا مِن حَيْثُ الصُّورَةُ فَهي جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَكُمْ﴾ وفائِدَةُ هَذا الأُسْلُوبِ الإشْعارُ بِأنَّ ذَلِكَ آيَةٌ خارِجَةٌ مِن جِنْسِ الآياتِ مُسْتَقِلَّةٌ بِشَأْنِها مَقْصُودَةٌ بِذاتِها، فَتَأمَّلْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب