الباحث القرآني

﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا﴾ قالَ عَطاءٌ وقَتادَةُ: نَزَلَتْ في اليَهُودِ كَفَرُوا بِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ والإنْجِيلِ بَعْدَ إيمانِهِمْ بِأنْبِيائِهِمْ وكُتُبِهِمْ، ثُمَّ اِزْدادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ والقُرْآنِ، وقِيلَ: في أهْلِ الكِتابِ آمَنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ، ثُمَّ اِزْدادُوا كُفْرًا بِالإصْرارِ والعِنادِ والصَّدِّ عَنِ السَّبِيلِ، ونُسِبَ ذَلِكَ إلى الحَسَنِ، وقِيلَ: في أصْحابِ الحَرْثِ بْنِ سُوَيْدٍ فَإنَّهُ لَمّا رَجَعَ قالُوا: نُقِيمُ بِمَكَّةَ عَلى الكُفْرِ ما بَدا لَنا فَمَتى أرَدْنا الرَّجْعَةَ رَجَعْنا فَيَنْزِلُ فِينا ما نَزَلَ في الحَرْثِ، وقِيلَ: في قَوْمٍ مِن أصْحابِهِ مِمَّنْ كانَ يَكْفُرُ ثُمَّ يُراجِعُ الإسْلامَ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أبِي صالِحٍ مَوْلى أُمِّ هانِئٍ، و﴿كُفْرًا﴾ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ فاعِلٍ، والدّالُ الأُولى في ﴿ازْدادُوا﴾ بَدَلٌ مِن تاءِ الِافْتِعالِ لِوُقُوعِها بَعْدَ الزّايِ. ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ قالَ الحَسَنُ وقَتادَةُ والجُبّائِيُّ: لِأنَّهم لا يَتُوبُونَ إلّا عِنْدُ حُضُورِ المَوْتِ والمُعايَنَةِ وعِنْدَ ذَلِكَ لا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الكافِرِ، وعَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لِأنَّها لَمْ تَكُنْ عَنْ قَلْبٍ، وإنَّما كانَتْ نِفاقًا، وقِيلَ: إنَّ هَذا مِن قَبِيلِ: ؎ولا تَرى الضَّبَّ بِها يَنْجَحِرُ أيْ لا تَوْبَةَ لَهم حَتّى تُقْبَلَ لِأنَّهم لَمْ يُوَفَّقُوا لَها، فَهو مِن قَبِيلِ الكِنايَةِ، كَما قالَ العَلّامَةُ دُونَ المَجازِ حَيْثُ أُرِيدَ بِالكَلامِ مَعْناهُ لِيَنْتَقِلَ مِنهُ إلى المَلْزُومِ، وعَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ لا يُنافِي هَذا ما دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْناءُ وتَقَرَّرَ في الشَّرْعِ كَما لا يَخْفى، وقِيلَ: إنَّ هَذِهِ التَّوْبَةَ لَمْ تَكُنْ عَنِ الكُفْرِ وإنَّما هي عَنْ ذُنُوبٍ كانُوا يَفْعَلُونَها مَعَهُ فَتابُوا عَنْها مَعَ إصْرارِهِمْ عَلى الكُفْرِ فَرُدَّتْ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ، ويُؤَيِّدُهُ ما أخْرَجَهُ اِبْنُ جَرِيرٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ قالَ: هَؤُلاءِ اليَهُودُ والنَّصارى كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمَّ اِزْدادُوا كُفْرًا بِذُنُوبٍ أذْنَبُوها ثُمَّ ذَهَبُوا يَتُوبُونَ مِن تِلْكَ الذُّنُوبِ في كُفْرِهِمْ فَلَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُمْ، ولَوْ كانُوا عَلى الهُدى قُبِلَتْ ولَكِنَّهم عَلى ضَلالَةٍ، وتَجِيءُ عَلى هَذا مَسْألَةُ تَكْلِيفِ الكافِرِ بِالفُرُوعِ وقَدْ بُسِطَ الكَلامُ عَلَيْها في الأُصُولِ. ﴿وأُولَئِكَ هُمُ الضّالُّونَ﴾ [ 90 ] عَطْفٌ إمّا عَلى خَبَرِ (إنَّ) فَمَحَلُّها الرَّفْعُ، وإمّا عَلى (إنَّ) مَعَ اِسْمِها فَلا مَحَلَّ لَها، و﴿الضّالُّونَ﴾ المُخْطِئُونَ طَرِيقَ الحَقِّ والنَّجاةِ، وقِيلَ: الهالِكُونَ المُعَذَّبُونَ، والحَصْرُ بِاعْتِبارِ أنَّهم كامِلُونَ في الضَّلالِ فَلا يُنافِي وُجُودَ الضَّلالِ في غَيْرِهِمْ أيْضًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب