الباحث القرآني

﴿وأمّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ بَيانٌ لِحالِ القِسْمِ الثّانِي، وبَدَأ بِقِسْمِ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لِأنَّ ذِكْرَ ما قَبْلَهُ مِن حُكْمِ اللَّهِ تَعالى بَيْنَهم أوَّلُ ما يَتَبادَرُ مِنهُ في بادِئِ النَّظَرِ التَّهْدِيدُ فَناسَبَ البُداءَةَ بِهِمْ، ولِأنَّهم أقْرَبُ في الذِّكْرِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ولِكَوْنِ الكَلامِ مَعَ اليَهُودِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ وهَمُّوا بِقَتْلِهِ ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ أيْ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِمْ ويُتَمِّمُ جَزاءَ أعْمالِهِمِ القَلْبِيَّةِ والقالَبِيَّةِ ويُعْطِيهِمْ ثَوابَ ذَلِكَ وافِيًا مِن غَيْرِ نَقْصٍ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ تَوْفِيَةَ الأُجُورِ هي قِسْمُ المَنازِلِ في الجَنَّةِ، والظّاهِرُ أنَّها أعَمُّ مِن ذَلِكَ، وعَلَّقَ التَّوْفِيَةَ عَلى الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ ولَمْ يُعَلَّقِ العَذابَ بِسِوى الكُفْرِ تَنْبِيهًا عَلى دَرَجَةِ الكَمالِ في الإيمانِ ودُعاءً إلَيْها وإيذانًا بِعِظَمٍ قُبْحِ الكُفْرِ، وقَرَأ حَفْصٌ ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ (فَيُوَفِّيهِمْ) بِياءِ الغَيْبَةِ، وزادَ رُوَيْسٌ ضَمَّ الهاءِ، وقَرَأ الباقُونَ بِالنُّونِ جَرْيًا عَلى سُنَنِ العَظَمَةِ والكِبْرِياءِ، ولَعَلَّ وجْهَ الِالتِفاتِ إلى الغَيْبَةِ عَلى القِراءَةِ الأُولى الإيذانُ بِأنَّ تَوْفِيَةَ الأجْرِ مِمّا لا يَقْتَضِي لَها نَصْبُ نَفْسٍ لِأنَّها مِن آثارِ الرَّحْمَةِ الواسِعَةِ ولا كَذَلِكَ العَذابُ، والمَوْصُولُ في الآيَتَيْنِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ما بَعْدُ الفاءِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ ما ذُكِرَ، ومَوْضِعُ المَحْذُوفِ بَعْدَ الصِّلَةِ كَما قالَ أبُو البَقاءِ، ولا يَجُوزُ أنْ يُقَدَّرَ قَبْلَ المَوْصُولِ لِأنَّ أمّا لا يَلِيها الفِعْلُ. ﴿واللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ [ 57 ] أيْ لا يُرِيدُ تَعْظِيمَهم ولا يَرْحَمُهم ولا يُثْنِي عَلَيْهِمْ، أوِ المُرادُ يُبْغِضُهم عَلى ما هو الشّائِعُ في مِثْلِ هَذِهِ العِبارَةِ، والجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِما قَبْلُ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب