الباحث القرآني

﴿فانْقَلَبُوا﴾ عَطْفٌ عَلى مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ أيْ فَخَرَجُوا إلَيْهِمْ ورَجَعُوا ﴿بِنِعْمَةٍ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في (انْقَلَبُوا)، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ، والباءُ عَلى الأوَّلِ لِلتَّعْدِيَةِ، وعَلى الثّانِي لِلْمُصاحَبَةِ، والتَّنْوِينُ عَلى التَّقْدِيرَيْنِ لِلتَّفْخِيمِ أيْ (بِنِعْمَةٍ) عَظِيمَةٍ لا يُقَدَّرُ قَدْرُها، ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ صِفَةٌ لِنِعْمَةٍ مُؤَكِّدَةٌ (p-129)لِفَخامَتِها، والمُرادُ مِنها السَّلامَةُ كَما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، أوِ الثَّباتُ عَلى الإيمانِ وطاعَةِ اللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كَما قالَهُ الزَّجّاجُ، أوْ إذْلالُهم أعْداءَ اللَّهِ تَعالى عَلى بُعْدٍ كَما قِيلَ، أوْ مَجْمُوعُ هَذِهِ الأُمُورِ عَلى ما نَقُولُ. ﴿وفَضْلٍ﴾ وهو الرِّبْحُ في التِّجارَةِ، فَقَدْ رَوى البَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ عِيرًا مَرَّتْ وكانَ في أيّامِ المَوْسِمِ فاشْتَراها رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَرَبِحَ مالًا فَقَسَّمَهُ بَيْنَ أصْحابِهِ فَذَلِكَ الفَضْلُ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: «أعْطى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ في غَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرى بِبَدْرٍ أصْحابَهُ دَراهِمَ ابْتاعُوا بِها في المَوْسِمِ فَأصابُوا تِجارَةً» . وعَنْ مُجاهِدٍ: الفَضْلُ ما أصابُوا مِنَ التِّجارَةِ والأجْرِ. ﴿لَمْ يَمْسَسْهم سُوءٌ﴾ أيْ لَمْ يُصِبْهم قَتْلٌ، وهو المَرْوِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ، أوْ لَمْ يُؤْذِهِمْ أحَدٌ، وهو المَرْوِيُّ عَنِ الحَبْرِ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلى الحالِ مِن فاعِلِ (انْقَلَبُوا)، أوْ مِنَ المُسْتَكِنِّ في (بِنِعْمَةٍ) إذا كانَ حالًا، والمَعْنى (فانْقَلَبُوا) مُنَعَّمِينَ مُبَرَّئِينَ مِنَ السُّوءِ، والجُمْلَةُ الحالِيَّةُ إذا كانَ فِعْلُها مُضارِعًا مَنفِيًّا بِلَمْ، وفِيها ضَمِيرُ ذِي الحالِ جازَ فِيها دُخُولُ الواوِ وعَدَمُهُ. ﴿واتَّبَعُوا﴾ عَطْفٌ عَلى انْقَلَبُوا، وقِيلَ: حالٌ مِن ضَمِيرِهِ بِتَقْدِيرِ قَدْ أيْ وقَدِ اتَّبَعُوا في كُلِّ ما أُوتُوا، أوْ في الخُرُوجِ إلى لِقاءِ العَدُوِّ، ﴿رِضْوانَ اللَّهِ﴾ الَّذِي هو مَناطُ كُلِّ خَيْرٍ ﴿واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (174) حَيْثُ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِما تَفَضَّلَ، وفِيما تَقَدَّمَ مَعَ تَذْيِيلِهِ بِهَذِهِ الآيَةِ المُشْتَمِلَةِ عَلى الِاسْمِ الكَرِيمِ الجامِعِ وإسْنادِ (ذُو فَضْلٍ) إلَيْهِ ووَصْفِ الفَضْلِ بِالعِظَمِ إيذانٌ بِأنَّ المُتَخَلِّفِينَ فَوَّتُوا عَلى أنْفُسِهِمْ أمْرًا عَظِيمًا لا يُكْتَنُهُ كُنْهُهُ، وهم أحِقّاءُ بِأنْ يَتَحَسَّرُوا عَلَيْهِ تَحَسُّرًا لَيْسَ بَعْدَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب