الباحث القرآني
﴿الَّذِينَ اسْتَجابُوا﴾ أيْ أطاعُوا ﴿لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ بِامْتِثالِ الأوامِرِ ﴿مِن بَعْدِ ما أصابَهُمُ القَرْحُ﴾ أيْ نالَهُمُ الجِراحُ يَوْمَ أُحُدٍ، والمَوْصُولُ في مَوْضِعِ جَرِّ صِفَةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ أوْ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإضْمارِ أعْنِي، أوْ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى إضْمارِ هم، أوْ مُبْتَدَأٌ أوَّلٌ وخَبَرُهُ جُمْلَةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا مِنهم واتَّقَوْا أجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (172) قالَ الطَّبَرْسِيُّ: وهو الأشْبَهُ.
و(مِنهُمْ) حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في (أحْسَنُوا) و(مِن) لِلتَّبْعِيضِ - وإلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُهم - وذَهَبَ غَيْرُ واحِدٍ إلى أنَّها لِلْبَيانِ، فالكَلامُ حِينَئِذٍ فِيهِ تَجْرِيدٌ جَرَّدَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ والرَّسُولِ المُحْسِنَ المُتَّقِيَ، والمَقْصُودُ مِنَ الجَمْعِ بَيْنَ الوَصْفَيْنِ المَدْحُ والتَّعْلِيلُ لا التَّقْيِيدُ؛ لِأنَّ المُسْتَجِيبِينَ كُلَّهم مُحْسِنُونَ ومُتَّقُونَ.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ وغَيْرُهُ: «لَمّا كانَ يَوْمُ الأحَدِ لِسِتَّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِن شَوّالٍ وكانَتْ وقْعَةُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنهُ أذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِطَلَبِ العَدُوِّ، وأنْ لا يَخْرُجَ مَعَنا أحَدٌ إلّا أحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنا بِالأمْسِ، فَكَلَّمَهُ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِزامٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ (p-125)أبِي كانَ خَلَّفَنِي عَلى أخَواتٍ لِي سَبْعٍ وقالَ: يا بُنَيَّ لا يَنْبَغِي لِي ولا لَكَ أنْ نَتْرُكَ هَؤُلاءِ النِّسْوَةَ لا رَجُلَ فِيهِنَّ ولَسْتُ بِالَّذِي أُوثِرُكَ بِالجِهادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى نَفْسِي، فَتَخَلَّفْ عَلى أخَواتِكَ، فَتَخَلَّفْتُ عَلَيْهِنَّ، فَأذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إرْهابًا لِلْعَدُوِّ حَتّى انْتَهى إلى حَمْراءِ الأسَدِ عَلى ثَمانِيَةِ أمْيالٍ مِنَ المَدِينَةِ فَأقامَ بِها يَوْمَ الإثْنَيْنِ والثُّلاثاءِ والأرْبِعاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى المَدِينَةِ، وقَدْ مَرَّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أبِي مَعْبَدٍ الخُزاعِيُّ، وكانَتْ خُزاعَةُ مُسْلِمُهم ومُشْرِكُهم عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بِتِهامَةَ صَفْقَتُهم مَعَهُ لا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كانَ بِها، ومَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، أما واللَّهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنا ما أصابَكَ في أصْحابِكَ ولَوَدِدْنا أنَّ اللَّهَ تَعالى عافاكَ فِيهِمْ، ثُمَّ ذَهَبَ ورَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بِحَمْراءِ الأسَدِ حَتّى لَقِيَ أبا سُفْيانَ ومَن مَعَهُ بِالرَّوْحاءِ، وقَدْ أجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وأصْحابِهِ وقالُوا: أصَبْنا أجَلَّ أصْحابِهِ وقادَتَهم وأشْرافَهم ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أنْ نَسْتَأْصِلَهم لَنَكُرَّنَّ عَلَيْهِمْ فَلَنَفْرَغَنَّ مِنهم، فَلَمّا رَأى أبُو سُفْيانَ مَعْبَدًا قالَ: ما وراءَكَ يا مَعْبَدُ ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ في أصْحابِهِ يَطْلُبُكم في جَمْعٍ لَمْ أرَ مِثْلَهُ قَطُّ وهم يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكم تَحَرُّقًا، وقَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَن كانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ في يَوْمِكم، ونَدِمُوا عَلى ما صَنَعُوا فِيهِمْ مِنَ الحَنَقِ عَلَيْكم شَيْءٌ لَمْ أرَ مِثْلَهُ. قالَ: ويْلَكَ ما تَقُولُ ؟ قالَ: ما أرى واللَّهِ أنْ تَرْتَحِلَ حَتّى تَرى نَواصِيَ الخَيْلِ. قالَ: فَواللَّهِ لَقَدْ أجْمَعْنا الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهم. قالَ: فَإنِّي أنْهاكَ عَنْ ذَلِكَ، واللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي ما رَأيْتُ عَلى أنْ قُلْتُ فِيهِمْ أبْياتًا مِنَ الشِّعْرِ. قالَ: وما قُلْتَ ؟ قالَ قُلْتُ:
؎كادَتْ تَهُدُّ مِنَ الأصْواتِ راحِلَتِي إذْ سالَتِ الأرْضُ بِالجُرْدِ الأبابِيلِ
؎تَرْمِي بِأُسْدٍ كِرامٍ لا تَنابِلَةٍ ∗∗∗ عِنْدَ اللِّقاءِ ولا مِيلٍ مَعازِيلِ
؎فَظَلَّتْ عَدْوًا كَأنَّ الأرْضَ مائِلَةٌ ∗∗∗ لَمّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
؎وقُلْتُ ويْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِن لِقائِهِمْ ∗∗∗ إذا تَغَطْمَطَتِ البَطْحاءُ بِالخَيْلِ
؎إنِّي نَذِيرٌ لِأهْلِ النَّبْلِ ضاحِيَةً ∗∗∗ لِكُلِّ آرِبَةٍ مِنهم ومَعْقُولِ
؎مِن خَيْلِ أحْمَدَ لا وخْشًا تَنابِلَةً ∗∗∗ ولَيْسَ يُوصَفُ ما أنْذَرْتُ بِالقِيلِ
فَثَنى عِنْدَ ذَلِكَ أبُو سُفْيانَ ومَن مَعَهُ، ومَرَّ بِهِ رَكْبٌ مِن عَبْدِ القَيْسِ فَقالَ: أيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قالُوا: نُرِيدُ المَدِينَةَ. قالَ: ولِمَ ؟ قالُوا: نُرِيدُ المِيرَةَ. قالَ: فَهَلْ أنْتُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِّي مُحَمَّدًا رِسالَةً أُرْسِلُكم بِها إلَيْهِ وأحْمِلُ هَذِهِ لَكم غَدًا زَبِيبًا بِعُكاظٍ إذا وافَيْتُمُوهُ ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: إذا وافَيْتُمُوهُ فَأخْبِرُوهُ أنْ قَدْ أجْمَعْنا السَّيْرَ إلَيْهِ وإلى أصْحابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهم، فَمَرَّ الرَّكْبُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو بِحَمْراءِ الأسَدِ فَأخْبَرُوهُ بِالَّذِي قالَ أبُو سُفْيانَ وأصْحابُهُ، فَقالَ: حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ هِشامٍ «أنَّ أبا سُفْيانَ لَمّا أرادَ الرُّجُوعَ إلى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ لَهم صَفْوانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: لا تَفْعَلُوا فَإنَّ القَوْمَ قَدْ جَرَّبُوا، وقَدْ خَشِينا أنْ يَكُونَ لَهم قِتالٌ غَيْرَ الَّذِي كانَ فارْجِعُوا إلى مَحالِّكم، فَرَجَعُوا، فَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو بِحَمْراءِ الأسَدِ أنَّهم هَمُّوا بِالرَّجْعَةِ قالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَوَّمْتُ لَهم حِجارَةً لَوْ صَبَّحُوا بِها لَكانُوا كَأمْسِ الذّاهِبِ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأصْحابُهُ إلى المَدِينَةِ، وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآياتِ»، وإلى هَذا ذَهَبَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡا۟ أَجۡرٌ عَظِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











