الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿أوَلَمّا أصابَتْكم مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أنّى هَذا﴾ كَلامٌ مُبْتَدَأٌ مَسُوقٌ لِإبْطالِ بَعْضِ ما نَشَأ مِنَ الظُّنُونِ الفاسِدَةِ إثْرَ إبْطالِ بَعْضٍ آخَرَ، والهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيعِ والتَّقْرِيرِ، والواوُ عاطِفَةٌ لِمَدْخُولِها عَلى مَحْذُوفٍ قَبْلَها، و(لَمّا) ظَرْفٌ بِمَعْنى حِينَ مُضافَةٌ إلى ما بَعْدَها مُسْتَعْمَلَةٌ في الشَّرْطِ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ الفارِسِيُّ وهو الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمْعٍ مِنَ المُحَقِّقِينَ، وناصِبُها (قُلْتُمْ) وهو الجَزاءُ و﴿قَدْ أصَبْتُمْ﴾ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ - لِمُصِيبَةٍ - وجَعْلُهُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ يَحْتاجُ إلى تَكَلُّفٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، والمُرادُ بِالمُصِيبَةِ ما أصابَهم يَوْمَ أُحُدٍ مِن قَتْلِ سَبْعِينَ مِنهم - وبِمِثْلَيْها - ما أصابَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِن قَتْلِ سَبْعِينَ مِنهم وأسْرِ سَبْعِينَ، وجُعِلَ ذَلِكَ مِثْلَيْنِ بِجَعْلِ الأسْرِ كالقَتْلِ أوْ لِأنَّهم كانُوا قادِرِينَ عَلى القَتْلِ وكانَ مَرْضى اللَّهِ تَعالى، فَعَدَمُهُ كانَ مِن عِنْدِهِمْ، فَتَرْكُهُ مَعَ القُدْرَةِ لا يُنافِي الإصابَةَ.
وقِيلَ: المُرادُ بِالمِثْلَيْنِ المِثْلانِ في الهَزِيمَةِ لا في عَدَدِ القَتْلى، وذَلِكَ لِأنَّ المُسْلِمِينَ هَزَمُوا الكُفّارَ يَوْمَ بَدْرٍ وهَزَمُوهم أيْضًا يَوْمَ أُحُدٍ أوَّلَ الأمْرِ، وعَلَيْهِ يَكُونُ المُرادُ بِالمُصِيبَةِ هَزِيمَةُ الكُفّارِ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أنْ فارَقُوا المَرْكَزَ، و﴿أنّى هَذا﴾ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مُقَدِّمَةُ الخَبَرِ، والمَعْنى مِن أيْنَ هَذا لا كَيْفَ هَذا لِدَلالَةِ الجَوابِ مَفْعُولِ القَوْلِ، وقِيلَ (أنّى) مَنصُوبَةٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ –لَأصابَنا- المُقَدَّرُ، و(هَذا) فاعِلٌ لَهُ، والجُمْلَةُ مَقُولُ قُلْتُمْ، وتَوْسِيطُ الظَّرْفِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ بَيْنَهُ وبَيْنَ الهَمْزَةِ مَعَ أنَّهُ المَقْصُودُ إنْكارُهُ والمَعْطُوفُ بِالواوِ حَقِيقَةً لِتَأْكِيدِ النَّكِيرِ وتَشْدِيدِ التَّقْرِيعِ، فَإنَّ فِعْلَ القَبِيحِ في غَيْرِ وقْتِهِ أقْبَحُ. والإنْكارُ عَلى فاعِلِهِ أدْخَلُ، والمَعْنى أحِينَ نالَكم مِنَ المُشْرِكِينَ نِصْفُ ما قَدْ نالَهم مِنكم قَبْلَ ذَلِكَ رَجَعْتُمْ وقُلْتُمْ مِن أيْنَ هَذا ونَحْنُ مُسْلِمُونَ نُقاتِلُ غَضَبًا لِلَّهِ تَعالى وفِينا رَسُولُهُ، وهَؤُلاءِ مُشْرِكُونَ أعْداءُ اللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ ﷺ، أوْ قَدْ وعَدَنا اللَّهُ تَعالى النَّصْرَ ؟ وإلَيْهِ ذَهَبَ الجُبّائِيُّ، وهَذا عَلى تَقْدِيرِ تَوْجِيهِ الإنْكارِ والتَّقْرِيعِ إلى صُدُورِ ذَلِكَ القَوْلِ عَنْهم في ذَلِكَ الوَقْتِ خاصَّةً بِناءً عَلى عَدَمِ كَوْنِهِ مَظِنَّةً لَهُ داعِيًا إلَيْهِ، بَلْ عَلى كَوْنِهِ داعِيًا إلى عَدَمِهِ، فَإنَّ كَوْنَ مُصِيبَةِ عَدُوِّهِمْ مِثْلَيْ مُصِيبَتِهِمْ مِمّا يُهَوِّنُ الخَطْبَ ويُورِثُ السَّلْوَةَ، أوْ أفَعَلْتُمْ ما فَعَلْتُمْ مِنَ الفَشَلِ والتَّنازُعِ أوِ الخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ والإلْحاحِ عَلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولَمّا أصابَتْكم غائِلَةُ ذَلِكَ قُلْتُمْ (أنّى هَذا) وهَذا عَلى تَقْدِيرِ تَوْجِيهِ الإنْكارِ لِاسْتِبْعادِهِمُ الحادِثَةَ مَعَ مُباشَرَتِهِمْ لِسَبَبِها، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المَعْطُوفُ عَلَيْهِ القَوْلُ إشارَةً إلى أنَّ قَوْلَهم كانَ غَيْرَ واحِدٍ بَلْ قالُوا أقْوالًا لا يَنْبَغِي أنْ يَقُولُوها.
وذَهَبَ جَماعَةٌ إلى أنَّ المَعْطُوفَ عَلَيْهِ ما مَضى مِن قَوْلِهِ تَعالى ( لَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وعْده ) إلى هُنا، ولِلتَّعَلُّقِ بِقِصَّةٍ واحِدَةٍ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُما أجْنَبِيٌّ لِيَكُونَ القَوْلُ بِذَلِكَ بَعِيدًا كَما ادَّعاهُ أبُو حَيّانَ، والهَمْزَةُ حِينَئِذٍ مُتَخالَّةٌ بَيْنَ المُتَعاطِفَيْنِ لِلتَّقْرِيرِ بِمَعْنى التَّثْبِيتِ أوِ الحَمْلِ عَلى الإقْرارِ والتَّقْرِيعِ عَلى مَضْمُونِ المَعْطُوفِ، والمَعْنى أكانَ مِنَ اللَّهِ تَعالى الوَعْدُ بِالنَّصْرِ بِشَرْطِ الصَّبْرِ والتَّقْوى فَحِينَ فَشِلْتُمْ وتَنازَعْتُمْ وعَصَيْتُمْ وأصابَكُمُ اللَّهُ تَعالى بِما أصابَكم ﴿قُلْتُمْ أنّى هَذا﴾ (p-116)والجُمْهُورُ عَلى أنَّ الهَمْزَةَ مُقَدَّمَةٌ مِن تَأْخِيرٍ، والواوَ أصْلُها التَّقْدِيمُ، وهو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وغَيْرِهِ، والجُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى ما قَبْلَها واخْتارَ هَذا في البَحْرِ، وإسْنادُ الإصابَةِ إلى المُصِيبَةِ مَجازٌ، وإلى المُخاطَبِينَ حَقِيقَةٌ، ولَمْ يُؤْتَ بِالِاسْنادَيْنِ مِن بابٍ واحِدٍ زِيادَةً في التَّقْرِيعِ، وتَذْكِيرُ اسْمِ الإشارَةِ في ﴿أنّى هَذا﴾ مُراعاةً لِمَعْنى المُصِيبَةِ المُشارِ إلَيْها وهو المَشْهُورُ، أوْ لِما أنَّ إشارَتَهم لَيْسَتْ إلّا لِما شاهَدُوهُ في المَعْرَكَةِ مِن حَيْثُ هو هو مِن غَيْرِ أنْ يَخْطُرَ بِبالِهِمْ تَسْمِيَتُهُ بِاسْمٍ ما، فَضْلًا عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِاسْمِ المُصِيبَةِ، وإنَّما هي عِنْدَ الحِكايَةِ، وفي الآيَةِ عَلى ما قِيلَ: جَوابٌ ضِمْنِيٌّ عَنِ اسْتِبْعادِهِمْ تِلْكَ الإصابَةَ، يَعْنِي أنَّ أحْوالَ الدُّنْيا لا تَدُومُ عَلى حالَةٍ واحِدَةٍ، فَإذا أصَبْتُمْ مِنهم مِثْلَ ما أصابُوا مِنكم وزِيادَةً، فَما وجْهُ الِاسْتِبْعادِ ؟ لَكِنْ صَرَّحَ بِجَوابٍ آخَرَ يُبْرِئُ العَلِيلَ ويَشْفِي الغَلِيلَ، وتَطَأْطَأُ مِنهُ الرُّءُوسُ، فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿قُلْ﴾ يا مُحَمَّدُ في جَوابِ سُؤالِهِمُ الفاسِدِ ﴿هُوَ﴾ أيْ هَذا الَّذِي أصابَكم كائِنٌ ﴿مِن عِنْدِ أنْفُسِكُمْ﴾ أيْ أنَّها السَّبَبُ لَهُ حَيْثُ خالَفَ الرُّماةُ أمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِتَرْكِهِمُ المَرْكَزَ وحَرَصُوا عَلى الغَنِيمَةِ فَعاقَبَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِذَلِكَ، قالَهُ عِكْرِمَةُ، أوْ حَيْثُ إنَّكم قَدِ اخْتَرْتُمْ قَبْلَ أنْ يُقْتَلَ مِنكم سَبْعُونَ في مُقابَلَةِ الفِداءِ الَّذِي أخَذْتُمُوهُ مِن أُسارى بَدْرٍ، وعُزِيَ هَذا إلى الحَسَنِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ والنَّسائِيُّ وآخَرُونَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ قالَ: «جاءَ جِبْرِيلُ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ كَرِهَ ما فَعَلَ قَوْمُكَ في أخْذِهِمُ الأُسارى، وقَدْ أمَرَكَ أنْ تُخَيِّرَهم بَيْنَ أمْرَيْنِ: إمّا أنْ يُقَدَّمُوا فَتَضْرِبَ أعْناقَهم، وإمّا أنْ يَأْخُذُوا الفِداءَ عَلى أنْ يُقْتَلَ مِنهم عِدَّتُهم، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ النّاسَ فَذَكَرَ لَهم ذَلِكَ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ عَشائِرُنا وإخْوانُنا نَأْخُذُ فِداءَهم نَتَقَوّى بِهِ عَلى قِتالِ عَدُوِّنا، ويُسْتَشْهَدُ مِنّا عِدَّتُهم فَلَيْسَ ذَلِكَ ما نَكْرَهُ، فَقُتِلَ مِنهم يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا عِدَّةُ أُسارى أهْلِ بَدْرٍ، أوْ حَيْثُ اخْتَرْتُمُ الخُرُوجَ مِنَ المَدِينَةِ ولَمْ تَبْقَوْا حَتّى تُقاتِلُوا المُشْرِكِينَ فِيها»، قالَهُ الرَّبِيعُ وغَيْرُهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ أنَّهُ قالَ: «ذُكِرَ لَنا أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ لِأصْحابِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ قَدِمَ أبُو سُفْيانَ والمُشْرِكُونَ: إنّا في جَنَّةٍ حَصِينَةٍ - يَعْنِي بِذَلِكَ المَدِينَةَ - فَدَعُوا القَوْمَ يَدْخُلُوا عَلَيْنا نُقاتِلُهم، فَقالَ لَهُ ناسٌ مِنَ الأنْصارِ: إنّا نَكْرَهُ أنْ نَقْتُلَ في طُرُقِ المَدِينَةِ، وقَدْ كُنّا نَمْتَنِعُ مِن ذَلِكَ في الجاهِلِيَّةِ فَبِالإسْلامِ أحَقُّ أنْ نَمْتَنِعَ، فابْرُزْ بِنا إلى القَوْمِ، فانْطَلَقَ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ فَتَلاوَمَ القَوْمُ فَقالُوا: عَرَضَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بِأمْرٍ وعَرَضْتُمْ بِغَيْرِهِ، اذْهَبْ يا حَمْزَةُ فَقُلْ لَهُ أمْرُنا لِأمْرِكَ تَبَعٌ، فَأتى حَمْزَةُ، فَقالَ لَهُ: إنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إذا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أنْ يَضَعَها حَتّى يُناجِزَ، وإنَّهُ سَيَكُونُ فِيكم مُصِيبَةٌ، قالُوا: يا نَبِيَّ اللَّهِ خاصَّةً أوْ عامَّةً ؟ قالَ: سَتَرَوْنَها»، واعْتُرِضَ هَذا القَوْلُ بِأنَّهُ يَأْباهُ أنَّ الوَعْدَ بِالنَّصْرِ كانَ بَعْدَ اخْتِيارِ الخُرُوجِ، وأنَّ عَمَلَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بِمُوجَبِهِ قَدْ رَفَعَ الخَطَرَ عَنْهُ، وخَفَّفَ جِنايَتَهم فِيهِ عَلى أنَّ اخْتِيارَ الخُرُوجِ والإصْرارَ عَلَيْهِ كانَ مِمَّنْ أكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِالشَّهادَةِ يَوْمَئِذٍ، وأيْنَ هم مِنَ التَّفَوُّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ ؟ وأُجِيبَ بِأنَّ الإباءَ المَذْكُورَ في حَيِّزِ المَنعِ كَيْفَ والنَّصْرُ المَوْعُودُ كانَ مَشْرُوطًا بِما يَعْلَمُ اللَّهُ تَعالى عَدَمَ حُصُولِهِ، وبِأنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، وإنْ كانَ قَدْ عَمِلَ بِمُوجَبِهِ، لَكِنْ لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ الكَرِيمَةُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مُنْبَسِطَةً لِذَلِكَ، ولا قَلْبُهُ الشَّرِيفُ مائِلًا إلَيْهِ، وكَأنَّ سِهامَ الأقْدارِ نَفَذَتْ حِينَ خالَفُوا رَأْيَهُ السّامِيَ، وعَدَلُوا عَنِ الوُرُودِ مِن عَذْبِ بَحْرِ عَقْلِهِ الطّامِيِّ كَما يُرْشِدُكَ إلى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَعْدَ أنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ: ”وإنَّهُ سَيَكُونُ فِيكم مُصِيبَةٌ“ وقَوْلُهُ في جَوابِ الِاسْتِفْهامِ عَنْها: خاصَّةً أوْ عامَّةً ؟ ”سَتَرَوْنَها“ فَإنَّ ذَلِكَ كالصَّرِيحِ في عَدَمِ الرِّضا والفَصِيحِ في اسْتِيجابِ ذَلِكَ الِاخْتِيارِ نُزُولَ القَضاءِ، وبِأنَّ الخِطابَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ هو مِن عِنْدِ أنْفُسِكُمْ﴾ لَيْسَ نَصًّا في أنَّ المُتَسَبِّبِينَ هُمُ المُتَفَوِّهُونَ بِتِلْكَ (p-117)الكَلِمَةِ لِيَضُرَّ اسْتِشْهادُ المُخْتارِينَ لِلْخُرُوجِ في المَقْصُودِ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ مِن قَبِيلِ قَوْلِكَ لِقَبِيلَةٍ: أنْتُمْ قَتَلْتُمْ فُلانًا، والقاتِلُ مِنهم أُناسٌ مَخْصُوصُونَ لَمْ يُوجَدُوا وقْتَ الخِطابِ، ومِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ في المُحاوَراتِ، عَلى أنَّ كَوْنَ مُصِيبَةِ المُتَفَوِّهِينَ هي قَتْلُ أُولَئِكَ المُسْتَشْهَدِينَ نَصٌّ في التَّأسُّفِ عَلَيْهِمْ، فَيُناسِبُهُ التَّعْرِيضُ بِهِمْ بِنِسْبَةِ القُصُورِ إلَيْهِمْ لِيَهُونَ هَذا التَّأسُّفُ، ولِيَعْلَمُوا أنَّ شُؤْمَ الِانْحِرافِ عَنْ سَمْتِ إرادَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَعُمُّ الكَبِيرَ والصَّغِيرَ، بَلْ رُبَّما يُقالُ: إنَّ اسْتِشْهادَ أُولَئِكَ المُصِرِّينَ شاهِدٌ عَلى أنَّهم هُمُ الَّذِينَ كانُوا سَبَبًا في تِلْكَ المُصِيبَةِ، ولِهَذا اسْتَشُهِدُوا لِيَذْهَبُوا إلى رَبِّهِمْ عَلى أحْسَنِ حالٍ.
هَذا ولا يَخْفى أنَّ هَذا الجَوابَ لا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ، وكَأنَّ الدّاعِيَ إلَيْهِ أنَّ الذّاهِبِينَ إلى تَفْسِيرِ ﴿مِن عِنْدِ أنْفُسِكُمْ﴾ بِالخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ وتَبَعِيَّةِ أبِي سُفْيانَ وقَوْمِهِ جَماعَةٌ أجِلّاءُ يَبْعُدُ نِسْبَةُ الغَلَطِ إلَيْهِمْ، فَقَدْ أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ، وابْنُ جُرَيْجٍ، وأخْرَجَهُ ابْنُ المُنْذِرِ مِن طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فَتَدَبَّرْ.
﴿إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (165) ومِن جُمْلَتِهِ النَّصْرُ عِنْدَ المُوافَقَةِ، والخِذْلانُ عِنْدَ المُخالَفَةِ، وحَيْثُ خالَفْتُمْ أصابَكم سُبْحانَهُ بِما أصابَكم، والجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَها داخِلٌ تَحْتِ الأمْرِ، وقِيلَ: المُرادُ مِنها تَطْيِيبُ أنْفُسِهِمْ ومَزْجُ مَرارَةِ التَّقْرِيعِ بِحَلاوَةِ الوَعْدِ أيْ أنَّهُ سُبْحانَهُ قادِرٌ عَلى نُصْرَتِكم بَعْدُ لِأنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، فَلا تَيْأسُوا مِن رَوْحِ اللَّهِ، واعْتِناءً بِشَأْنِ التَّطْيِيبِ وإرْشادًا لَهم إلى حَقِيقَةِ الحالِ فِيما سَألُوا عَنْهُ، وبَيانًا لِبَعْضِ ما فِيهِ مِنَ الحِكَمِ.
{"ayah":"أَوَلَمَّاۤ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَیۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَـٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











