الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا﴾ الدُّبُرَ عَنِ المُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ ﴿مِنكُمْ﴾ أيُّها المُسْلِمُونَ، أوْ إنَّ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنكم إلى المَدِينَةِ ﴿يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ﴾ وهُما جَمْعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وجَمْعُ أبِي سُفْيانَ.
﴿إنَّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ﴾ أيْ طَلَبَ مِنهُمُ الزَّلَلَ ودَعاهم إلَيْهِ ﴿بِبَعْضِ ما كَسَبُوا﴾ مِن ذُنُوبِهِمْ يَعْنِي إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا كانَ السَّبَبُ في تَوْلِيَتِهِمْ أنَّهم كانُوا أطاعُوا الشَّيْطانَ فاقْتَرَفُوا ذُنُوبًا فَمُنِعُوا مِنَ التَّأْيِيدِ وتَقْوِيَةِ القُلُوبِ حَتّى تَوَلَّوْا، وعَلى هَذا لا يَكُونُ الزَّلَلُ هو التَّوَلِّي بَلِ الذُّنُوبُ المُفْضِيَةُ إلَيْهِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الزَّلَلُ الَّذِي أوْقَعَهُمُ الشَّيْطانُ فِيهِ ودَعاهم إلَيْهِ هو التَّوَلِّيَ نَفْسَهُ، وحِينَئِذٍ يُرادُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا إمّا الذُّنُوبُ السّابِقَةُ، ومَعْنى السَّبَبِيَّةِ انْجِرارُها إلَيْهِ؛ لِأنَّ الذَّنْبَ يَجُرُّ الذَّنْبَ كَما أنَّ الطّاعَةَ تَجُرُّ الطّاعَةَ، وإمّا قَبُولُ ما زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مِنَ الهَزِيمَةِ وهو المَرْوِيُّ عَنِ الحَسَنِ، وإمّا مُخالَفَةُ أمْرِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالثَّباتِ في المَرْكَزِ فَجَرَّهم ذَلِكَ إلى الهَزِيمَةِ، وإمّا الذُّنُوبُ السّابِقَةُ لا بِطْرِيقِ الِانْجِرارِ بَلْ لِكَراهَةِ الجِهادِ مَعَها، فَقَدْ قالَ الزَّجّاجُ: إنَّ الشَّيْطانَ ذَكَّرَهم خَطايا لَهم كَرِهُوا لِقاءَ اللَّهِ تَعالى مَعَها فَأخَّرُوا الجِهادَ وتَوَلَّوْا حَتّى يُصْلِحُوا أمْرَهم ويُجاهِدُوا عَلى حالٍ مَرْضِيَّةٍ، والتَّرْكِيبُ عَلى الوَجْهَيْنِ مِن بابِ تَحْقِيقِ الخَبَرِ كَقَوْلِهِ:
؎إنَّ الَّتِي ضَرَبَتْ بَيْتًا مُهاجِرَةً بِكُوفَةِ الجُنْدِ غالَتْ وُدَّها غُولُ
ولَيْسَ مِن بابِ أنَّ الصِّفَةَ عِلَّةٌ لِلْخَبَرِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم جَنّاتُ النَّعِيمِ﴾ لِأنَّ ﴿بِبَعْضِ ما كَسَبُوا﴾ يَأْباهُ ويُحَقِّقُ التَّحْقِيقَ، وهو أيْضًا مِن بابِ التَّرْدِيدِ لِلتَّعْلِيقِ كَقَوْلِهِ:
؎صَفْراءُ لا تَنْزِلُ الأحْزانُ ساحَتَها ∗∗∗ لَوْ مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرّاءُ
لَأنَّ ﴿إنَّما اسْتَزَلَّهُمُ﴾ إلَخْ خَبَرُ إنَّ، وزِيدَ إنَّ للتَّوْكِيدِ وطُولِ الكَلامِ، وما لِتَكُفَّها عَنِ العَمَلِ، (p-99)وأصْلُ التَّرْكِيبِ: إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكم يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ إنَّما تَوَلَّوْا لِأنَّ الشَّيْطانَ اسْتَزَلَّهم بِبَعْضِ إلَخْ، فَهو كَقَوْلِكَ: إنَّ الَّذِي أكْرَمَكَ إنَّما أكْرَمَكَ لِأنَّكَ تَسْتَحِقُّهُ، وذِكْرُ بَعْضٍ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ في كَسْبِهِمْ ما هو طاعَةٌ لا يُوجِبُ الِاسْتِزْلالِ، أوْ لِأنَّ هَذِهِ العُقُوبَةَ لَيْسَتْ بِكُلِّ ما كَسَبُوا لِأنَّ الكُلَّ يَسْتَدْعِي زِيادَةً عَلَيْها لَكِنَّهُ تَعالى مَنَّ بِالعَفْوِ عَنْ كَثِيرٍ ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ﴾ .
﴿ولَقَدْ عَفا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ أعادَ سُبْحانَهُ ذِكْرَ العَفْوِ تَأْكِيدًا لِطَمَعِ المُذْنِبِينَ فِيهِ ومَنعًا لَهم عَنِ اليَأْسِ وتَحْسِينًا لِلظُّنُونِ بِأتَمِّ وجْهٍ، وقَدْ يُقالُ: هَذا تَأْسِيسٌ لا تَأْكِيدٌ فَتَذَكَّرْ.
﴿إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لِلذُّنُوبِ صَغائِرِها وكَبائِرِها ﴿حَلِيمٌ﴾ (155) لا يُعاجِلُ بِعُقُوبَةِ المُذْنِبِ، وقَدْ جاءَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ كالتَّعْلِيلِ لِلْعَفْوِ عَنْ هَؤُلاءِ المُتَوَلِّينَ وكانُوا أكْثَرَ القَوْمِ، فَقَدْ ذَكَرَ أبُو القاسِمِ البَلْخِيُّ أنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ إلّا ثَلاثَةَ عَشَرَ نَفْسًا؛ خَمْسَةٌ مِنَ المُهاجِرِينَ: أبُو بَكْرٍ وعَلِيٌّ وطِلْحَةُ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وسَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ، والباقُونَ مِنَ الأنْصارِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم أجْمَعِينَ، ومِن مَشاهِيرِ المُنْهَزِمِينَ: عُثْمانُ ورافِعُ بْنُ المُعَلّى وخارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وأبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ والوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وسَعْدٌ وعُقْبَةُ ابْنا عُثْمانَ مِنَ الأنْصارِ مِن بَنِي زُرَيْقٍ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في الثَّلاثَةِ الأُوَلِ، وعَنْ غَيْرِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، ولَمْ يُوجَدْ في الآثارِ تَصْرِيحٌ بِأكْثَرَ مِن هَؤُلاءِ، ولَعَلَّ الِاقْتِصارَ عَلَيْهِمْ لِأنَّهم بالَغُوا في الفِرارِ ولَمْ يَرْجِعُوا إلّا بَعْدَ مُضِيِّ وقْتٍ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، حَتّى إنَّ مِنهم مَن لَمْ يَرْجِعْ إلّا بَعْدَ ثَلاثٍ، فَزَعَمُوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: لَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِها عَرِيضَةً، وأمّا سائِرُ المُنْهَزِمِينَ فَقَدِ اجْتَمَعُوا في ذَلِكَ اليَوْمِ عَلى الجَبَلِ، وعُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ كانَ مِن هَذا الصِّنْفِ كَما في خَبَرِ ابْنِ جَرِيرٍ خِلافًا لِلشِّيعَةِ، وبِفَرْضِ التَّسْلِيمِ لا تَعْيِيرَ بَعْدَ عَفْوِ اللَّهِ تَعالى عَنِ الجَمِيعِ، ونَحْنُ لا نَدَّعِي العِصْمَةَ في الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم ولا نَشْتَرِطُها في الخِلافَةِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَلَّوۡا۟ مِنكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُوا۟ۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق