الباحث القرآني
﴿ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿فَأثابَكُمْ﴾ والخِطابُ لِلْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، والمَعْنى ثُمَّ وهَبَ لَكم أيُّها المُؤْمِنُونَ ﴿مِن بَعْدِ الغَمِّ﴾ الَّذِي اعْتَراكم، والتَّصْرِيحُ بِتَأخُّرِ الإنْزالِ عَنْهُ مَعَ دَلالَةِ ثُمَّ عَلَيْهِ وعَلى تَراخِيهِ عَنْهُ لِزِيادَةِ البَيانِ، وتَذْكِيرِ عِظَمِ المِنَّةِ.
﴿أمَنَةً﴾ مَصْدَرٌ كالمَنَعَةِ وهو مَفْعُولُ (أنْزَلَ) أيْ ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكم أمْنًا ﴿نُعاسًا﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنها، وقِيلَ: عَطْفُ بَيانٍ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ﴿نُعاسًا﴾ مَنصُوبًا عَلى المَفْعُولِيَّةِ، و(أمَنَةً) حالٌ مِنهُ، والمُرادُ ذا أمَنَةٍ، ولا يَضُرُّ كَوْنُها مِنَ النَّكِرَةِ لِتَقَدُّمِها أوْ حالٌ مِنَ المُخاطَبِينَ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ ذَوِي أمَنَةٍ، أوْ عَلى أنَّهُ جَمْعُ آمِنٍ كَبارٍّ وبَرَرَةٍ.
وقِيلَ: إنَّ أمَنَةً مَفْعُولٌ لَهُ لِنُعاسًا، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يَلْزَمُ عَلى ظاهِرِهِ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ المَصْدَرِ عَلَيْهِ، وإنِ التَزَمَ تَقْدِيرُ فِعْلٍ أيْ نَعَسْتُمْ أمَنَةً، ورُدَّ أنَّهُ لَيْسَ لِلْفِعْلِ مَوْقِعٌ حَسَنٌ، وقِيلَ: إنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ لِأنْزَلَ.
واعْتُرِضَ بِأنَّهُ فاسِدٌ لِاخْتِلافِ شَرْطِهِ وهو اتِّحادُ الفاعِلِ إذْ فاعِلُ أنْزَلَ هو اللَّهُ تَعالى وفاعِلُ الأمَنَةِ هو المُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ، ورُدَّ بِأنَّ الأمَنَةَ كَما يَكُونُ مَصْدَرًا لِمَن وقَعَ بِهِ الأمْنُ يَكُونُ مَصْدَرًا لِمَن أوْقَعَهُ، والمُرادُ هُنا الثّانِي كَأنَّهُ قِيلَ: أنْزَلَ عَلَيْكُمُ النُّعاسَ لِيُؤَمِّنَكم بِهِ وحِينَئِذٍ لا شُبْهَةَ في اتِّحادِ الفاعِلِ، وقُرِئَ بِسُكُونِ المِيمِ كَأنَّها لِوُقُوعِها في زَمَنٍ يَسِيرٍ مَرَّةً مِنَ الأمْنِ، فَلا يُنافِي كَوْنُ المَقْصُودِ مُطْلَقَ الأمْنِ، وتَقْدِيمُ الظَّرْفَيْنِ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِلِاعْتِناءِ بِشَأْنِ المُقَدَّمِ، والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، وتَخْصِيصِ الخَوْفِ مِن بَيْنِ فُنُونِ الغَمِّ بِالإزالَةِ لِأنَّهُ المُهِمُّ عِنْدَهم في ذَلِكَ المَقامِ.
فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ أنَّ المُشْرِكِينَ انْصَرَفُوا يَوْمَ أُحُدٍ بَعْدَ الَّذِي كانَ مِن أمْرِهِمْ وأمْرِ المُسْلِمِينَ فَواعَدُوا النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَدْرًا مِن قابِلٍ فَقالَ لَهم: نَعَمْ فَتَخَوَّفَ المُسْلِمُونَ أنْ يَنْزِلُوا المَدِينَةَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجُلًا فَقالَ: انْظُرْ فَإنْ رَأيْتَهم قَدْ قَعَدُوا عَلى أثْقالِهِمْ وجَنَّبُوا خُيُولَهم فَإنَّ القَوْمَ ذاهِبُونَ، وإنْ رَأيْتَهم قَدْ قَعَدُوا عَلى خُيُولِهِمْ وجَنَّبُوا أثْقالَهم فَإنَّ القَوْمَ يَنْزِلُونَ المَدِينَةَ، فاتَّقُوا اللَّهَ تَعالى واصْبِرُوا، ووَطَّنَهم عَلى القِتالِ، فَلَمّا أبْصَرَهُمُ الرَّسُولُ قَعَدُوا عَلى الأثْقالِ سِراعًا عِجالًا نادى بِأعْلى صَوْتِهِ بِذَهابِهِمْ، فَلَمّا رَأى المُؤْمِنُونَ ذَلِكَ صَدَّقُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَنامُوا، وبَقِيَ أُناسٌ مِنَ المُنافِقِينَ يَظُنُّونَ أنَّ القَوْمَ يَأْتُونَهم فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾ إلَخْ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: آمَنُهُمُ اللَّهُ تَعالى يَوْمَئِذٍ بِنُعاسٍ غَشّاهم، وإنَّما يَنْعَسُ مَن يَأْمَنُ، والخائِفُ لا يَنامُ.
وأخْرَجَ خَلْقٌ كَثِيرٌ عَنْ أنَسٍ أنَّ أبا طَلْحَةَ قالَ: غَشِيَنا النُّعاسُ يَوْمَ أُحُدٍ ونَحْنُ في مَصافِّنا، وكُنْتَ مِمَّنْ غَشِيَهُ النُّعاسُ يَوْمَئِذٍ، فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِن يَدِي، وآخُذُهُ ويَسْقُطُ وآخُذُهُ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أنْظُرُ وما مِنهم مَن أحَدٍ إلّا وهو يَمِيدُ تَحْتَ حَجَفَتِهِ - أيْ تُرْسَهُ - مِنَ النُّعاسِ، وعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوّامِ مِثْلَهُ.
قِيلَ: وهَذِهِ عادَةُ اللَّهِ تَعالى مَعَ المُؤْمِنِينَ جَعْلُ النُّعاسِ في الحَرْبِ عَلّامَةً لِلظَّفَرِ، وقَدْ وقَعَ كَذَلِكَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ في صِفِّينَ، وهو مِنَ الوارِداتِ الرَّحْمانِيَّةِ والسِّكِّينَةِ الإلَهِيَّةِ ﴿يَغْشى طائِفَةً مِنكُمْ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هُمُ المُهاجِرُونَ (p-94)وعامَّةُ الأنْصارِ، وفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّهُ لَمْ يَغْشَ الكُلَّ ولا يَقْدَحُ ذَلِكَ في عُمُومِ الإنْزالِ لِلْكُلِّ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى أنَّها صِفَةٌ لِنُعاسًا، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ (تَغْشى) بِالتّاءِ الفَوْقانِيَّةِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ (لِلْأمَنَةِ) والظّاهِرُ أنَّ الجُمْلَةَ حِينَئِذٍ مُسْتَأْنَفَةٌ وقَعَتْ جَوابًا لِسُؤالٍ تَقْدِيرُهُ ما حُكْمُ هَذِهِ الأمَنَةِ ؟ فَأُجِيبَ بِأنَّها تَغْشى طائِفَةً، وقِيلَ: إنَّها في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِأمَنَةٍ، واعْتُرِضَ بِأنَّ الصِّفَةَ حَقُّها أنْ تَتَقَدَّمَ عَلى البَدَلِ وعَطْفِ البَيانِ، وأنْ لا يَفْصِلَ بَيْنَها وبَيْنَ المَوْصُوفِ بِالمَفْعُولِ لَهُ، وأنَّ المَعْهُودَ أنْ يُحَدَّثَ عَنِ البَدَلِ دُونَ المُبْدَلِ مِنهُ ﴿وطائِفَةٌ﴾ وهُمُ المُنافِقُونَ.
﴿قَدْ أهَمَّتْهم أنْفُسُهُمْ﴾ أيْ جَعَلَتْهم ذَوِي هَمٍّ وأوْقَعَتْهم فِيهِ أوْ ما يُهِمُّهم إلّا أنْفُسُهم لا النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولا غَيْرُهُ، مِن أهَمَّهُ بِمَعْنى جَعَلَهُ مُهِمًّا لَهُ ومَقْصُودًا، والحُصْرُ مُسْتَفادٌ مِنَ المَقامِ، وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّ العَرَبَ تُطْلِقُ هَذا اللَّفْظَ عَلى الخائِفِ الَّذِي شَغَلَهُ هَمُّ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ، و﴿طائِفَةً﴾ مُبْتَدَأٌ وجُمْلَةُ ﴿قَدْ أهَمَّتْهُمْ﴾ إلَخْ خَبَرُهُ، وجازَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِها نَكِرَةً لِوُقُوعِها بَعْدَ واوِ الحالِ كَما في قَوْلِهِ:
؎سَرَيْنا ونَجْمٌ قَدْ أضاءَ فَمُذْ بَدا مُحَيّاكِ أخْفى ضَوْءَ كُلِّ شارِقِ
أوْ لِوُقُوعِها مَوْقِعَ التَّفْصِيلِ كَما في قَوْلِهِ:
؎إذا مُتُّ كانَ النّاسُ صِنْفانِ شامِتٌ ∗∗∗ وآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي أنا صانِعُ
وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ نَعْتًا لَها والخَبَرُ حِينَئِذٍ مَحْذُوفٌ أيْ ومَعَكم، أوْ وهُناكَ طائِفَةٌ، وتَقْدِيرُ - ومِنكم طائِفَةٌ - يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ المُنافِقُونَ داخِلِينَ في الخِطابِ بِإنْزالِ الأمَنَةِ، وأيًّا ما كانَ فالجُمْلَةُ إمّا حالِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِفَظاعَةِ الهَوْلِ مُؤَكِّدَةٌ لِعِظَمِ النِّعْمَةِ في الخَلاصِ عَنْهُ، وإمّا مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ حالِ المُنافِقِينَ، فالواوُ إمّا حالِيَّةٌ وإمّا اسْتِئْنافِيَّةٌ، وكَوْنُها بِمَعْنى إذْ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَما نَصَّ عَلَيْهِ أبُو البَقاءِ.
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ ﴿أهَمَّتْهُمْ﴾ لا مِن ﴿طائِفَةً﴾ وإنْ تَخَصَّصَتْ لِما في مَجِيءِ الحالِ مِنَ المُبْتَدَأِ مِنَ المَقالِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ صِفَةً بَعْدَ صِفَةٍ لِطائِفَةٍ، أوْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، أوْ هي الخَبَرُ، و﴿قَدْ أهَمَّتْهُمْ﴾ صِفَةٌ أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِما قَبْلَها، وغَيْرَ مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ المُؤَكِّدَةِ لِأنَّهُ مُضافٌ إلى مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وهو بِحَسَبِ ما يُضافُ إلَيْهِ أيْ غَيْرَ الظَّنِّ الحَقِّ وهو الَّذِي يَحِقُّ أنْ يُظَنَّ بِهِ تَعالى، وقالَ بَعْضُهم: إنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نَوْعِيٌّ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ظَنَّ الجاهِلِيَّةِ﴾ بَدَلٌ مِمّا قَبْلَهُ.
وقالَ ابْنُ الحاجِبِ: (غَيْرَ الحَقِّ)، و(ظَنَّ) مَصْدَرانِ أحَدُهُما لِلتَّشْبِيهِ والآخِرُ تَأْكِيدٌ لِغَيْرِهِ، أيْ يَقُولُونَ غَيْرَ الحَقِّ، ومَفْعُولا (يَظُنُّونَ) مَحْذُوفانِ أيْ يَظُنُّونَ أنَّ إخْلافَ وعْدِهِ سُبْحانَهُ حاصِلٌ، وأبُو البَقاءِ يَجْعَلُ (غَيْرَ الحَقِّ) مَفْعُولًا أوَّلًا أيْ أمْرًا غَيْرَ الحَقِّ، و(بِاللَّهِ) في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثّانِي، وإضافَةُ (ظَنَّ) إلى الجاهِلِيَّةِ قِيلَ: إمّا مِن إضافَةِ المَوْصُوفِ إلى مَصْدَرِ صِفَتِهِ ومَعْناها الِاخْتِصاصُ بِالجاهِلِيَّةِ كَرَجُلِ صِدْقٍ وحاتِمِ الجُودِ، فَهي عَلى مَعْنى اللّامِ أيِ المُخْتَصِّ بِالصِّدْقِ والجُودِ، فالياءُ مَصْدَرِيَّةٌ، والتّاءُ لِلتَّأْنِيثِ اللّازِمِ لَهُ، وإمّا مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى الفاعِلِ عَلى حَذْفِ المُضافِ أيْ ظَنَّ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ أيِ الشِّرْكِ والجَهْلِ بِاللَّهِ تَعالى، وهي اخْتِصاصِيَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ أيْضًا.
﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الأمْرِ مِنَ شَيْءٍ﴾ أيْ يَقُولُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَلى سَبِيلِ الإنْكارِ: هَلْ لَنا مِنَ النَّصْرِ والفَتْحِ والظَّفَرِ نَصِيبٌ أيْ لَيْسَ لَنا مِن ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى لا يَنْصُرُ مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أوْ يَقُولُ (p-95)الحاضِرُونَ مِنهم لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى صُورَةِ الِاسْتِرْشادِ: هَلْ لَنا مِن أمْرِ اللَّهِ تَعالى ووَعْدِهِ بِالنَّصْرِ شَيْءٌ، واخْتارَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ.
والجُمْلَةُ قِيلَ: إمّا حالٌ أوْ خَبَرٌ إثْرَ خَبَرٍ، أوْ صِفَةٌ إثْرَ صِفَةٍ، أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِما قَبْلَها، أوْ بَدَلٌ مِن (يَظُنُّونَ) وهو بَدَلُ الكُلِّ بِحَسَبِ الصِّدْقِ، وبَدَلُ الِاشْتِمالِ بِحَسَبِ المَفْهُومِ، واسْتَشْكَلَ بِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنا﴾ إلَخْ تَفْسِيرٌ (لِيَظُنُّونَ) وتَرْجَمَةٌ لَهُ، والِاسْتِفْهامُ لا يَكُونُ تَرْجَمَةً لِلْخَبَرِ كَما لا يَصِحُّ أنْ تَقُولَ: أخْبَرَنِي زَيْدٌ قالَ: لا تَذْهَبْ أوْ أمَرَنِي قالَ: لا تَضْرِبْ، أوْ نَهانِي قالَ: اضْرِبْ، فَإنَّ المُطابَقَةَ بَيْنَ الحِكايَةِ والمَحْكِيِّ واجِبَةٌ.
وحاصِلُ الإشْكالِ أنَّ مُتَعَلِّقَ الظَّنِّ النِّسْبَةُ التَّصْدِيقِيَّةُ فَكَيْفَ يَقَعُ اسْتِفْهامُ تَرْجَمَةٍ لَهُ ؟ وأُجِيبَ بِأنَّ الِاسْتِفْهامَ طَلَبُ عِلْمٍ فِيما يُشَكُّ ويُظَنُّ، فَجازَ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الظَّنِّ، وتَحْقِيقُهُ أنَّ الظَّنَّ أوِ العِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِما يُقالُ في جَوابِ ذَلِكَ الِاسْتِفْهامِ عَلى ما ذُكِرَ في بابِ تَعْلِيقِ أفْعالِ القُلُوبِ بِاسْتِفْهامٍ، ولا يَخْفى أنَّ هَذا إنَّما هو عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْتِفْهامِ حَقِيقِيًّا، وأمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ إنْكارِيًّا فَلا إشْكالَ، ولا قِيلَ ولا قالَ؛ لِأنَّهُ خَبَرٌ فَيَتَطابَقُ مَعَ ما قَبْلَهُ في الخَبَرِيَّةِ، وبَعْضُ مَن جَعَلَهُ إنْكارِيًّا ذَهَبَ إلى أنَّ المَعْنى إنّا مَنَعْنا تَدْبِيرَ أنْفُسِنا وتَصْرِيفَها بِاخْتِيارِنا فَلَمْ يَبْقَ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ، وقَدْ قالَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ حِينَ أخْبَرَهُ المُنافِقُونَ بِقَتْلِ بَنِي الخَزْرَجِ ثُمَّ قالَ: واللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ، قِيلَ: وظَنُّهُمُ السُّوءَ عَلى هَذا تَصْوِيبُهم رَأْيَ عَبْدِ اللَّهِ ومَن تَبِعَهُ، وقِيلَ: الِاسْتِفْهامُ عَلى ظاهِرِهِ والمَعْنى هَلْ يَزُولُ عَنّا هَذا القَهْرُ فَيَكُونُ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ، ولا يَخْفى أنَّهُ خِلافُ الظّاهِرِ، و(مِنَ) الثّانِيَةُ سَيْفُ خَطِيبٍ، و(شَيْءٌ) في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، وفي خَبَرِهِ كَما قالَ أبُو البَقاءِ: وجْهانِ: أحَدُهُما (لَنا) فَمِنَ الأمْرِ حالٌ، والثّانِي (مِنَ الأمْرِ) فَلَنا تَبْيِينٌ وبِهِ تَتِمُّ الفائِدَةُ ﴿قُلْ﴾ يا مُحَمَّدُ ﴿إنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ أيْ إنَّ الشَّأْنَ والغَلَبَةَ الحَقِيقِيَّةَ لِحِزْبِ اللَّهِ تَعالى وأوْلِيائِهِ، فَيَنْصُرُ رَسُولَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأصْحابَهُ، ويَخْذُلُ أعْداءَهُ ويَقْهَرُهم، وكَنّى بِكَوْنِ الغَلَبَةِ لِلَّهِ تَعالى عَنْ كَوْنِها لِأوْلِيائِهِ لِكَوْنِهِمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِمَكانٍ، أوْ أنَّ القَضاءَ أوِ التَّدْبِيرَ لَهُ تَعالى مَخْصُوصٌ بِهِ لا يُشارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَيَفْعَلُ ما يَشاءُ، ويُجْرِي الأُمُورَ حَسْبَما جَرى بِهِ القَلَمُ في سابِقِ القَضاءِ / وعَلى هَذا لا كِنايَةَ في الكَلامِ، وجاءَ مُؤَكِّدًا لِما أنَّ الكَلامَ الَّذِي وقَعَ هو في مُقابَلَتِهِ كَذَلِكَ.
واسْتَظْهَرَ في البَحْرِ مِن هَذا الأمْرِ كَوْنُ الِاسْتِفْهامِ فِيما تَقَدَّمَهُ باقِيًا عَلى حَقِيقَتِهِ، إذْ لَوْ كانَ مَعْناهُ نَفى أنْ يَكُونَ لَهم شَيْءٌ مِنَ الأمْرِ لَمْ يُجابُوا بِإثْباتِ أنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ إلّا أنْ يُقَدَّرَ مَعَ جُمْلَةِ النَّفْيِ جُمْلَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ لِيَكُونَ المَعْنى لَيْسَ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ، بَلْ لِغَيْرِنا مِمَّنْ حَمَلَنا عَلى الخُرُوجِ وأكْرَهَنا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَوابًا لِهَذا المُقَدَّرِ، وفِيهِ أنَّهُ لا حاجَةَ إلى هَذا التَّقْدِيرِ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أيْضًا، أمّا إذا كانَ مُرادُهم نَفْيَ نَصْرِ اللَّهِ تَعالى نَبِيَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ومَن مَعَهُ فَواضِحٌ؛ لِأنَّ في هَذا القَوْلِ إثْباتَ ذَلِكَ النَّصْرِ عَلى أتَمِّ وجْهٍ، وأمّا إذا كانَ مُرادُهم أنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهم مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ حَيْثُ مُنِعُوا تَدْبِيرَ أنْفُسِهِمْ؛ فَلِأنَّ في ذَلِكَ النَّفْيِ إشْعارًا بِأنَّ لَهم تَدْبِيرًا، وأنَّهم لَوْ تُرِكُوا وتَدْبِيرَهم ما غُمِزَتْ قَناتُهم، وهَذا الإثْباتُ مُتَكَفِّلٌ بِرَدِّ ذَلِكَ وإبْطالِهِ عَلى وجْهِ سُتْرَةٍ عَلَيْهِ كَما لا يَخْفى، فَلا أرى التَّقْدِيرَ عَلى ما فِيهِ إلّا مِن ضِيقِ العَطَنِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ويَعْقُوبُ (كُلُّهُ) بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ، والجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ خَبَرًا لَهُ، والجُمْلَةُ خَبَرُ (إنَّ)، وأمّا عَلى قِراءَةِ النَّصْبِ فَكُلَّ تَوْكِيدٌ لِاسْمِ (إنَّ)، و(لِلَّهِ) خَبَرُها.
وزَعَمَ أبُو البَقاءِ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ (كُلَّهُ) بَدَلًا مِنَ (الأمْرَ) وفِيهِ بُعْدٌ.
﴿يُخْفُونَ في أنْفُسِهِمْ﴾ أيْ يُضْمِرُونَ (p-96)فِيها أوْ يُسِرُّونَ فِيما بَيْنَهم ﴿ما لا يُبْدُونَ لَكَ﴾ أيْ ما لا يَسْتَطِيعُونَ إظْهارَهُ لَكَ، والجُمْلَةَ إمّا اسْتِئْنافٌ أوْ حالٌ مِن ضَمِيرِ (يَقُولُونَ) وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿قُلْ إنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ الحالِ وصاحِبِها أيْ يَقُولُونَ ما يَقُولُونَ مُظْهِرِينَ أنَّهم مُسْتَرْشِدُونَ طالِبُونَ لِلنَّصْرِ مُبْطِنِينَ الإنْكارَ والتَّكْذِيبَ، وهَذا ظاهِرٌ عَلى الِاحْتِمالِ الثّانِي في الآيَةِ الأُولى، والذّاهِبُ إلى حَمْلِ الِاسْتِفْهامِ فِيها عَلى الإنْكارِ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ الِاسْتِئْنافُ أوْ يَجُوزُ الخَبَرِيَّةُ ونَحْوُها أيْضًا عَلى ما مَرَّ، والجُمْلَةُ الجَوابِيَّةُ اعْتِراضِيَّةٌ في كُلِّ حالٍ سِوى احْتِمالِ الِاسْتِئْنافِيَّةِ عَلى الصَّحِيحِ، وأمّا جَعْلُ هَذِهِ الجُمْلَةِ حالًا مِن ضَمِيرِ (قُلْ) والرّابِطُ لَكَ، فَلا يَخْفى حالُهُ ( يَقُولُونَ ) أيْ في أنْفُسِهِمْ أوْ خِفْيَةً لِبَعْضِهِمْ إذْ لَوْ كانَ القَوْلُ جِهارًا لَمْ يَكُونُوا مُنافِقِينَ، والجُمْلَةُ إمّا بَدَلٌ مِن (يُخْفُونَ) أوِ اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا عَنْ سُؤالٍ نَشَأ مِمّا قَبْلَهُ كَأنَّهُ قِيلَ: ما الَّذِي أخْفَوْهُ ؟ فَقِيلَ ذَلِكَ، ورَجَّحَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ بِأنَّهُ أكْثَرُ فائِدَةٍ، وبِأنَّ القَوْلَ إذا حُمِلَ عَلى ظاهِرِهِ لَمْ يَتَفاوَتِ القَوْلانِ؛ لِأنَّ قَوْلَهم ﴿هَلْ لَنا﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ في حالِ قَوْلِهِمْ ﴿لَوْ كانَ لَنا﴾ لِأصْحابِهِمْ، وبَدَلُ الحالِ حالٌ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذا الأخِيرَ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ القَوْلَ الأوَّلَ كانَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وقَدْ عَلِمْتَ أنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وقِيلَ: لِأنَّهُ لا يَجْتَمِعُ قَوْلانِ مِن مُتَكَلِّمٍ واحِدٍ، وفِيهِ أنَّ زَمانَ الحالِ المُقارَنِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلى التَّضْيِيقِ كَما لا يَخْفى، ومِن هُنا عَلَّلَ بَعْضُ الفُضَلاءِ نَفْيَ المُقارَنَةِ بِتَرَتُّبِ هَذا عَلى ما قَبْلَهُ وعَدَلَ عَنْ هَذا التَّعْلِيلِ، فَإنَّ.
﴿لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا ها هُنا﴾ عَلى مَعْنى لَوْ كانَ لَنا شَيْءٌ مِن ذَلِكَ كَما وعَدَ مُحَمَّدٌ وادَّعى أنَّ الأمْرَ لِلَّهِ تَعالى ولِأوْلِيائِهِ ﴿ما قُتِلْنا﴾ فَكَأنَّ هَذا في زَعْمِهِمْ رَدٌّ لِما أُجِيبُوا بِهِ أوَّلًا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ لَوْ كانَ لَنا اخْتِيارٌ وتَدْبِيرٌ لَمْ نَبْرَحْ كَما كانَ رَأْيُ ابْنِ أُبَيٍّ وأتْباعِهِ، ومَعْنى ﴿ما قُتِلْنا﴾ ما غُلِبْنا لِأنَّ القائِلِينَ لَيْسُوا مِمَّنْ قُتِلَ لِاسْتِحالَتِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الإسْنادُ مَجازِيًّا بِإسْنادِ ما لِلْبَعْضِ لِلْكُلِّ، فالمَعْنى لَوْ كانَ لَنا شَيْءٌ مِن ذَلِكَ ما قُتِلَ مَن قُتِلَ مِنّا في هَذِهِ المَعْرَكَةِ، ثُمَّ لا يَخْفى أنَّ القَوْلَ بِالتَّرَتُّبِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ نُزُولِ الآيَةِ الجَوابِيَّةِ وسَماعِهِمْ لَها حَتّى يَتَأتّى القَوْلُ بِزَعْمِ رَدِّها بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ الفاسِدَةِ، والظّاهِرُ مِنَ الآثارِ عَدَمُ نُزُولِها إذْ ذاكَ، فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: لِما قُتِلَ مَن قُتِلَ مِن أصْحابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أتَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ فَقالُوا لَهُ: ما تَرى ؟ فَقالَ: إنّا واللَّهِ ما نُؤامِرُ ( ﴿لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا ها هُنا﴾ ) .
وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ جَرِيرٍ وخَلْقٌ كَثِيرٌ عَنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: لَقَدْ رَأيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ الخَوْفُ عَلَيْنا أرْسَلَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْنا النَّوْمَ فَما مَنّا مِن رَجُلٍ إلّا ذَقْنُهُ في صَدْرِهِ، فَواللَّهِ إنِّي لَأسْمَعُ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ ما أسْمَعُهُ إلّا كالحُلُمِ: ﴿لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا ها هُنا﴾ فَحَفِظْتُها مِنهُ، وفي ذَلِكَ أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ثُمَّ أنْزَلَ إلى (هَهُنا) وقَدْ يُقالُ: إنَّ هَذا القَوْلَ مِنهم كالِاسْتِدْلالَ عَلى القَوْلِ الأوَّلِ، وإنَّ كِلا القَوْلَيْنِ وقَعَ مِنهُمُ ابْتِداءً وقَصَّهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْنا رادًّا لَهُ، وهَذا ظاهِرٌ عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهامُ إنْكارِيًّا، وأمّا عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا فَفِيهِ خَفاءٌ فَتَأمَّلْ، ﴿قُلْ﴾ يا مُحَمَّدُ في جَوابِ ذَلِكَ ﴿لَوْ كُنْتُمْ﴾ أيُّها المُنافِقُونَ ﴿فِي بُيُوتِكُمْ﴾ ومَنازِلِكم بِالمَدِينَةِ ولَمْ تَخْرُجُوا لِلْقِتالِ بِحَمْلَتِكم ﴿لَبَرَزَ﴾ أيْ لَخَرَجَ لِسَبَبٍ مِنَ الأسْبابِ الدّاعِيَةِ إلى البُرُوزِ ﴿الَّذِينَ كُتِبَ﴾ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ أوْ قُدِّرَ في سابِقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى ﴿عَلَيْهِمُ القَتْلُ﴾ في تِلْكَ المَعْرَكَةِ ﴿إلى مَضاجِعِهِمْ﴾ أيْ مَصارِعِهِمُ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ تَعالى وقَدَّرَ قَتْلَهم فِيها وقُتِلُوا هُناكَ البَتَّةَ، فَإنَّ قَضاءَ اللَّهِ تَعالى لا يُرَدُّ، (p-97)وحُكْمُهُ لا يُعَقَّبُ، وفِيهِ مِنَ المُبالَغَةِ في رَدِّ مَقالَتِهِمُ الباطِلَةِ ما لا يَخْفى، وزَعَمَ بَعْضٌ أنَّ الظّاهِرَ الأبْلَغَ أنْ يُرادَ بِمَن كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ الكُفّارُ القاتِلُونَ، أيْ لَخَرَجَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ مِن بَيْنِ قَوْمِهِمْ إلى مَضاجِعِ المَقْتُولِينَ ولَمْ يَنْجُ أحَدٌ مِنهم مَعَ تَحَصُّنِهِمْ بِالمَدِينَةِ وتَحَفُّظِهِمْ في بُيُوتِهِمْ، ولا يَخْفى بُعْدُهُ لِما فِيهِ مِنَ التَّفْكِيكِ، ولِأنَّ الظّاهِرَ مِن (عَلَيْهِمْ) أنَّهم مَقْتُولُونَ لا قاتِلُونَ، وقِيلَ: المَعْنى لَوْ لَزِمْتُمْ مَنازِلَكم أيُّها المُنافِقُونَ والمُرْتابُونَ وتَخَلَّفْتُمْ عَنِ القِتالِ لَخَرَجَ إلى البِرازِ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمُ القِتالُ صابِرِينَ مُحْتَسِبِينَ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ ويَؤُوَّلُ إلى قَوْلِنا: لَوْ تَخَلَّفْتُمْ عَنِ القِتالِ لا يَتَخَلَّفُ المُؤْمِنُونَ، والمُضاجِعُ جَمْعُ مَضْجَعٍ، فَإنْ كانَ بِمَعْنى المَرْقَدِ فَهو اسْتِعارَةٌ لِلْمَصْرَعِ، وإنْ كانَ بِمَعْنى مَحَلِّ امْتِدادِ البَدَنِ مُطْلَقًا لِلْحَيِّ والمَيِّتِ فَهو حَقِيقَةٌ، وقُرِئَ ( كَتَبَ ) بِالبِناءِ لِلْفاعِلِ، ونَصْبِ ( القَتْلَ )، و(كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتالُ)، و(لَبُرِّزَ) بِالتَّشْدِيدِ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ.
﴿ولِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدُورِكُمْ﴾ أيْ لِيَخْتَبِرَ اللَّهُ تَعالى ما في صُدُورِكم بِأعْمالِكم، فَإنَّهُ قَدْ عَلِمَهُ غَيْبًا ويُرِيدُ أنْ يَعْلَمَهُ شَهادَةً لِتَقَعَ المُجازاةُ عَلَيْهِ، قالَهُ الزَّجّاجُ، أوْ لِيُعامِلَكم مُعامَلَةَ المُبْتَلى المُمْتَحَنِ قالَهُ غَيْرُ واحِدٍ، وهو خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، واللّامُ لِلتَّعْلِيلِ ومَدْخُولُها عِلَّةٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ قَبْلَ مَعْطُوفٍ عَلى عِلَلٍ أُخْرى مَطْوِيَّةٍ لِلْإيذانِ بِكَثْرَتِها كَأنَّهُ قِيلَ: فَعَلَ ما فَعَلَ لِمَصالِحَ جَمَّةٍ ﴿ولِيَبْتَلِيَ﴾ إلَخْ، أوْ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَ أيْ، ولِلِابْتِلاءِ المَذْكُورِ: فَعَلَ ما فَعَلَ لا لِعَدَمِ العِنايَةِ بِشَأْنِ أوْلِيائِهِ وأنْصارِ نَبِيِّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَثَلًا.
والعَطْفُ عَلى هَذا عِنْدَ بَعْضِ المُحَقِّقِينَ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ( أنْزَلَ عَلَيْكم ) والفَصْلُ بَيْنَهُما مُغْتَفَرٌ؛ لِأنَّ الفاصِلَ مِن مُتَعَلِّقاتِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَفْظًا أوْ مَعْنًى، وقِيلَ: إنَّهُ لا حَذْفَ في الكَلامِ وإنَّما هو مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِكَيْلا تَحْزَنُوا﴾ أيْ أثابَكم بِالغَمِّ لِأمْرَيْنِ: عَدَمِ الحُزْنِ والِابْتِلاءِ، واسْتُبْعِدَ بِأنَّ تَوَسُّطَ تِلْكَ الأُمُورِ مُحْتاجٌ إلى نُكْتَةٍ حِينَئِذٍ وهي غَيْرُ ظاهِرَةٍ، وأبْعَدُ مِنهُ بَلْ لا يَكادُ يُقْبَلُ العَطْفُ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ أيْ صَرَفَكم عَنْهم لِيَبْتَلِيَكم ولِيَبْتَلِيَ ما في صُدُورِكم، وجَعَلَهُ بَعْضُهم مَعْطُوفًا عَلى عِلَّةٍ مَحْذُوفَةٍ وكِلْتا العِلَّتَيْنِ ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ﴾ كَأنَّهُ قِيلَ: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إلى مَضاجِعِهِمْ﴾ لِنَفاذِ القَضاءِ، أوْ لِمَصالِحَ جَمَّةٍ ولِلِابْتِلاءِ.
واعْتُرِضَ بِأنَّ الذَّوْقَ السَّلِيمَ يَأْباهُ؛ فَإنَّ مُقْتَضى المَقامِ بَيانُ حِكْمَةِ ما وقَعَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الشِّدَّةِ والهَوْلِ لا بَيانُ حِكْمَةِ البُرُوزِ المَفْرُوضِ، وإنَّما جُعِلَ الخِطابُ لِلْمُؤْمِنِينَ لِأنَّهُمُ المُعْتَدُّ بِهِمْ، ولِأنَّ إظْهارَ حالِهِمْ مُظْهِرٌ لِغَيْرِهِمْ.
وقِيلَ: إنَّهُ لَهم ولِلْمُنافِقِينَ أيْ لِيَبْتَلِيَ ما في سَرائِرِكم مِنَ الإخْلاصِ والنِّفاقِ، وقِيلَ: لِلْمُنافِقِينَ خاصَّةً لِأنَّ سَوْقَ الآيَةِ لَهم، وظاهِرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِكُمْ﴾ أيْ لِيُخَلِّصَ ما فِيها مِنَ الِاعْتِقادِ مِنَ الوَسْواسِ يُرَجِّحُ الأوَّلَ؛ لِأنَّ المُنافِقِينَ لا اعْتِقادَ لَهم لِيُمَحَّصَ مِنَ الوَساوِسِ ويُخَلَّصَ مِنها، ولَعَلَّ القائِلِينَ بِكَوْنِ الخِطابِ لِلْمُنافِقِينَ فَقَطْ أوْ مَعَ المُؤْمِنِينَ يُفَسِّرُونَ التَّمْحِيصَ بِالكَشْفِ والتَّمْيِيزِ، أيْ لِيَكْشِفَ ما في قُلُوبِكم مِن مُخْفَياتِ الأُمُورِ أوِ النِّفاقِ ويُمَيِّزَها، إلّا أنَّ حَمْلَ التَّمْحِيصِ عَلى هَذا المَعْنى يَجْعَلُ هَذِهِ الجُمْلَةَ كالتَّأْكِيدِ لِما قَبْلَها، وإنَّما عَبَّرَ بِالقُلُوبِ هُنا كَما قِيلَ لِأنَّ التَّمْحِيصَ مُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِقادِ عَلى ما أشَرْنا إلَيْهِ، وقَدْ شاعَ اسْتِعْمالُ القَلْبِ مَعَ ذَلِكَ فَيُقالُ: اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ، ولا تَكادُ تَسْمَعُهم يَقُولُونَ اعْتَقَدَ بِصَدْرِهِ أوْ آمَنَ بِصَدْرِهِ، وفي القُرْآنِ: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمانَ﴾ ولَيْسَ فِيهِ كَتَبَ في صُدُورِهِمُ الإيمانَ، نَعَمْ يُذْكَرُ الصَّدْرُ مَعَ الإسْلامِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ﴾ ومِن هُنا قالَ بَعْضُ السّاداتِ: القَلْبُ مَقَرُّ الإيمانِ، والصَّدْرُ مَحَلُّ الإسْلامِ، والفُؤادُ مَشْرِقُ المُشاهَدَةِ، واللُّبُّ مَقامُ التَّوْحِيدِ الحَقِيقِيِّ، ولَعَلَّ الآيَةَ عَلى هَذا تُؤَوَّلُ إلى قَوْلِنا: لِيَبْتَلِيَ إسْلامَكم ولِيُمَحِّصَ إيمانَكم، ورُبَّما يُقالُ (p-98)عَبَّرَ بِذَلِكَ مَعَ التَّعْبِيرِ فِيما قَبْلُ بِالصُّدُورِ لِلتَّفَنُّنِ بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ بِالجَمْعَيْنِ واحِدٌ.
﴿واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ (154) أيْ بِما في القُلُوبِ الَّتِي في الصُّدُورِ مِنَ الضَّمائِرِ الخَفِيَّةِ، ووُصِفَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها لِتَمَكُّنِها مِنَ الصُّدُورِ جُعِلَتْ كَأنَّها مالِكَةٌ لَها، فَذاتُ بِمَعْنى صاحِبَةٌ لا بِمَعْنى ذاتِ الشَّيْءِ ونَفْسِهِ، وفي الآيَةِ وعْدٌ ووَعِيدٌ أوْ أحَدُهُما فَقَطْ عَلى الخِلافِ في الخِطابِ، وفِيها تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى غَنِيٌّ عَنِ الِابْتِلاءِ، وإنَّما يُبْرِزُ صُورَةَ الِابْتِلاءِ لِحِكَمٍ يَعْلَمُها كَتَمْرِينِ المُؤْمِنِينَ أوْ إظْهارِ حالِ المُنافِقِينَ، واخْتارَ الصُّدُورَ هَهُنا لِأنَّ الِابْتِلاءَ الغَنِيَّ عَنْهُ سُبْحانَهُ كانَ مُتَعَلِّقًا بِما فِيها، والتَّمْحِيصُ عَلى المَعْنى الأوَّلِ تَصْفِيَةٌ وتَطْهِيرٌ، ولَيْسَ ذَلِكَ مِمّا تُشْعِرُ بِهِ هَذِهِ الجُمْلَةُ بِأنَّهُ سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنْهُ، وإنَّما فَعَلَهُ لِحِكْمَةٍ، نَعَمْ إذا أُرِيدَ بِهِ الكَشْفُ والتَّمْيِيزُ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ مُشْعِرَةٌ بِأنَّهُ تَعالى غَنِيٌّ أيْضًا.
ومِن هُنا جَوَّزَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ كَوْنَها حالًا مِن مُتَعَلِّقِ الفِعْلَيْنِ، أيْ فَعَلَ ما فَعَلَ لِلِابْتِلاءِ والكَشْفِ، والحالُ أنَّهُ تَعالى غَنِيٌّ عَنْهُما مُحِيطٌ بِخَفِيّاتِ الأُمُورِ، إلّا أنَّهُ لا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ سِرُّ التَّعْبِيرِ عَنِ الإسْرارِ والخَفِيّاتِ بِذاتِ الصُّدُورِ دُونَ ذاتِ القُلُوبِ، مَعَ أنَّ التَّعْبِيرَ الثّانِيَ أوْلى بِها لِأنَّ القُلُوبَ مَحَلُّها بِلا واسِطَةٍ، ومَحَلِّيَّةُ الصُّدُورِ لَها بِحَسَبِ الظّاهِرِ بِواسِطَةِ القُلُوبِ، اللَّهُمَّ إلّا أنْ يُقالَ: إنَّ ذاتَ الصُّدُورِ بِمَعْنى الأشْياءِ الَّتِي لا تَكادُ تُفارِقُ الصُّدُورَ لِكَوْنِها حالَّةً فِيها بَلْ تَلازُمُها وتُصاحُبُها أشْمَلُ مِن ذاتِ القُلُوبِ لِصِدْقِ الأُولى عَلى الأسْرارِ الَّتِي في القُلُوبِ وعَلى القُلُوبِ أنْفُسِها، لِأنَّ كُلًّا مِن هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ مُلازِمٌ لِلصُّدُورِ بِاعْتِبارِ كَوْنِهِ حالًّا فِيها دُونَ الثّانِيَةِ؛ لِأنَّها لا تَصْدُقُ إلّا عَلى الأسْرارِ لِأنَّها الحالَّةُ فِيها دُونَ الصُّدُورِ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ أنْ يُرادَ مِن ذاتِ الصُّدُورِ هَذا المَعْنى الشّامِلُ، ويَكُونُ التَّعْبِيرُ بِها لِذَلِكَ.
{"ayah":"ثُمَّ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةࣰ نُّعَاسࣰا یَغۡشَىٰ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنكُمۡۖ وَطَاۤىِٕفَةࣱ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ یَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِۖ یَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَیۡءࣲۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ یُخۡفُونَ فِیۤ أَنفُسِهِم مَّا لَا یُبۡدُونَ لَكَۖ یَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَیۡءࣱ مَّا قُتِلۡنَا هَـٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِی بُیُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِینَ كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِیَبۡتَلِیَ ٱللَّهُ مَا فِی صُدُورِكُمۡ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق