الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ شُرُوعٌ في زَجْرِ المُؤْمِنِينَ عَنْ مُتابَعَةِ الكُفّارِ بِبَيانِ مَضارِّها إثْرَ تَرْغِيبِهِمْ في الِاقْتِداءِ بِأنْصارِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِبَيانِ فَضائِلِهِ، وتَصْدِيرُ الخِطابِ بِالنِّداءِ والتَّنْبِيهِ لِإظْهارِ الِاعْتِناءِ بِما في حَيِّزِهِ، ووَصْفُهم بِالإيمانِ لِتَذْكِيرِهِمْ بِحالٍ يُنافِي تِلْكَ الطّاعَةَ فَيَكُونُ الزَّجْرُ عَلى أكْمَلِ وجْهٍ، والمُرادُ مِنَ ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) إمّا المُنافِقُونَ لِأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ - كَما رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - حِينَ قالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الهَزِيمَةِ: ارْجِعُوا إلى إخْوانِكم وادْخُلُوا في دِينِهِمْ، والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِذَلِكَ قَصْدًا إلى مَزِيدِ التَّنْفِيرِ عَنْهم والتَّحْذِيرِ عَنْ طاعَتِهِمْ، وإمّا أبُو سُفْيانَ وأصْحابُهُ وحِينَئِذٍ فالمُرادُ بِإطاعَتِهِمُ الِاسْتِكانَةُ لَهم وطَلَبُ الأمانِ مِنهم، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ السُّدِّيُّ، وإمّا اليَهُودُ والنَّصارى فالمُرادُ حِينَئِذٍ لا تَنْتَصِحُوا اليَهُودَ والنَّصارى عَلى دِينِكم ولا تُصَدِّقُوهم بِشَيْءٍ في ذَلِكَ، وإلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وحَكى أنَّهم كانُوا يُلْقُونَ إلَيْهِمُ الشُّبَهَ في الدِّينِ ويَقُولُونَ: لَوْ كانَ مُحَمَّدٌ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَبِيًّا حَقًّا لَما غُلِبَ ولَما أصابَهُ وأصْحابَهُ ما أصابَهم وإنَّما هو رَجُلٌ حالُهُ كَحالِ غَيْرِهِ مِنَ النّاسِ يَوْمًا عَلَيْهِ ويَوْمًا لَهُ، فَنُهُوا عَنِ الِالتِفاتِ إلَيْها، وإمّا سائِرُ الكُفّارِ. وذَهَبَ إلى جَوازِ ذَلِكَ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ، وأُتِي بِإنْ لِلْإيذانِ بِأنَّ الإطاعَةَ بَعِيدَةُ الوُقُوعِ مِنَ المُؤْمِنِينَ. ﴿يَرُدُّوكم عَلى أعْقابِكُمْ﴾ أيْ يُرْجِعُوكم إلى أوَّلِ أمْرِكم وهو الشِّرْكُ بِاللَّهِ تَعالى، والفِعْلُ جَوابُ الشَّرْطِ. وصَحَّ ذَلِكَ بِناءً عَلى المَأْثُورِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ مَعَ أنَّ الكَلامَ مَعَهُ في قُوَّةٍ ﴿إنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ في قَوْلِهِمُ: ارْجِعُوا إلى إخْوانِكم وادْخُلُوا في دِينِهِمْ يُدْخِلُوكم في دِينِهِمْ، ويُؤَوَّلُ إلى قَوْلِكَ: إنْ تَدْخُلُوا في دِينِهِمْ تَدْخُلُوا في دِينِهِمْ، وفِيهِ اتِّحادُ الشَّرْطِ والجَزاءِ بِناءً عَلى أنَّ الِارْتِدادَ عَلى العَقِبِ عَلَمٌ في انْتِكاسِ الأمْرِ، ومَثَلٌ في الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ، وقِيلَ: إنَّ المُرادَ بِالإطاعَةِ الهَمُّ بِها والتَّصْمِيمُ عَلَيْها أيْ إنْ تُصَمِّمُوا عَلى إطاعَتِهِمْ في ذَلِكَ تُرَدُّوا وتَرْجِعُوا إلى ما كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ، وهَذا أبْلَغُ في الزَّجْرِ إلّا أنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ اللَّفْطِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ جَوابِيَّتَهُ بِاعْتِبارِ كَوْنِهِ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ﴾ (149) أيْ فَتَرْجِعُوا خاسِرِينَ لِخَيْرِ الدُّنْيا وسَعادَةِ الآخِرَةِ وذَلِكَ أعْظَمُ الخُسْرانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب