الباحث القرآني

﴿قَدْ خَلَتْ﴾ أيْ مَضَتْ ﴿مِن قَبْلِكم سُنَنٌ﴾ أيْ وقائِعُ في الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ أجْراها اللَّهُ تَعالى حَسَبَ عادَتِهِ، وقالَ المُفَضَّلُ: إنَّ المُرادَ بِها الأُمَمُ، وقَدْ جاءَتِ السُّنَّةُ بِمَعْنى الأُمَّةِ في كَلامِهِمْ ومِنهُ قَوْلُهُ: ؎ما عايَنَ النّاسُ مِن فَضْلٍ كَفَضْلِكم ولا رَأوْا مِثْلَكم في سالِفِ السُّنَنِ وقالَ عَطاءٌ: المُرادُ بِها الشَّرائِعُ والأدْيانُ، فالمَعْنى قَدْ مَضَتْ مِن قَبْلِكم سُنَنٌ وأدْيانٌ نُسِخَتْ، ولا يَخْفى أنَّ الأوَّلَ أنْسَبُ بِالمَقامِ لِأنَّ هَذا إمّا مُساقٌ لِحَمْلِ المُكَلَّفِينَ أوْ آكِلِي الرِّبا عَلى فِعْلِ الطّاعَةِ أوْ عَلى التَّوْبَةِ مِنَ المَعْصِيَةِ أوْ عَلى كِلَيْهِما بِنَوْعٍ غَيْرِ ما سَبَقَ - كَما قِيلَ - وإمّا عَوْدٌ إلى تَفْصِيلِ بَقِيَّةِ القِصَّةِ بَعْدَ تَمْهِيدِ مَبادِي الرَّشَدِ والصَّلاحِ وتَرْتِيبِ مُقَدِّماتِ الفَوْزِ والفَلاحِ عَلى رَأْيٍ، وذِكْرُ مُضِيِّ الأدْيانِ لَيْسَ لَهُ كَثِيرُ ارْتِباطٍ بِذَلِكَ، وإنْ زَعَمَ بَعْضُهم أنَّ فِيهِ تَثْبِيتًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى دِينِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِئَلّا يَهِنُوا بِقَوْلِ اليَهُودِ أنَّ دِينَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لا يُنْسَخُ ولا يَجُوزُ النَّسْخُ عَلى اللَّهِ تَعالى لِأنَّهُ بَداءٌ، وتَحْرِيضًا لِلْيَهُودِ وحَثًّا عَلى قَبُولِ دِينِ الإسْلامِ، وإنْذارًا لَهم مِن أنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ مِثْلُ ما وقَعَ عَلى المُكَذِّبِينَ، وتَقْوِيَةً لِقُلُوبِ المُؤْمِنِينَ بِأنَّهُ سَيَنْصُرُهم عَلى المُكَذِّبِينَ، نَعَمْ إطْلاقُ السُّنَّةِ عَلى الشَّرِيعَةِ أقْرَبُ مِن إطْلاقِها عَلى الوَقْعَةِ لِأنَّها في الأصْلِ الطَّرِيقَةُ والعادَةُ ومِنهُ قَوْلُهم: سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والجارُّ والمَجْرُورُ إمّا مُتَعَلِّقٌ بِخَلَتْ أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن ( سُنَنٌ ) أيْ سُنَنٌ كائِنَةٌ مِن قَبْلِكم ﴿فَسِيرُوا في الأرْضِ﴾ أيْ بِأقْدامِكم أوْ بِأفْهامِكم ﴿فانْظُرُوا﴾ أيْ تَأمَّلُوا. ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ (137) أيْ آخِرُ أمْرِهِمُ الَّذِي أدّى إلَيْهِ تَكْذِيبُهم لِأنْبِيائِهِمْ، والفاءُ لِلْإيذانِ بِسَبَبِيَّةِ الخُلُوِّ لِلسَّيْرِ والنَّظَرِ أوِ الأمْرِ بِهِما، وقِيلَ: المَعْنى عَلى الشَّرْطِ أيْ إنْ شَكَكْتُمْ ( فَسِيرُوا ) إلَخْ، والخِطابُ عَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ مُساقٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وقالَ النَّقّاشُ: لِلْكُفّارِ - وفِيهِ بُعْدٌ - و( كَيْفَ ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ - لِكانَ - مُعَلَّقٌ لِفِعْلِ النَّظَرِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بَعْدَ نَزْعِ الخافِضِ لِأنَّ الأصْلَ اسْتِعْمالُهُ بِالجارِّ وتَجْرِيدُ الفِعْلِ عَنْ تاءِ التَّأْنِيثِ؛ لِأنَّ المَرْفُوعَ مَجازِيُّ التَّأْنِيثِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب