الباحث القرآني

﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ رَوى أبُو صالِحٍ «عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: أنَّ يَهُودَ أهْلِ المَدِينَةِ قالُوا لَمّا هَزَمَ اللَّهُ تَعالى المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: هَذا واَللَّهِ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ الَّذِي بَشَّرَنا بِهِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ونَجِدُهُ في كِتابِنا بِنَعْتِهِ وصِفَتِهِ وأنَّهُ لا يُرَدُّ لَهُ رايَةٌ، وأرادُوا تَصْدِيقَهُ واتِّباعَهُ ثُمَّ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: لا تُعَجِّلُوا حَتّى تَنْظُرُوا إلى وقْعَةٍ لَهُ أُخْرى فَلَمّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ ونُكِبَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَكَوْا وقالُوا: لا واَللَّهِ ما هو بِهِ، وغَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقاءُ فَلَمْ يُسَلِّمُوا، وكانَ بَيْنَهم وبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ إلى مُدَّةٍ فَنَقَضُوا ذَلِكَ العَهْدَ وانْطَلَقَ كَعْبُ بْنُ الأشْرَفِ في سِتِّينَ راكِبًا إلى أهْلِ مَكَّةَ أبِي سُفْيانَ وأصْحابِهِ فَوافَقُوهم وأجْمَعُوا أمْرَهم وقالُوا: لَتَكُونَنَّ كَلِمَتُنا واحِدَةً ثُمَّ رَجَعُوا إلى المَدِينَةِ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ». وأخْرَجَ اِبْنُ جَرِيرٍ وابْنُ إسْحاقَ والبَيْهَقِيُّ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أيْضًا: «”أنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمّا أصابَ ما أصابَ مِن بَدْرٍ ورَجَعَ إلى المَدِينَةِ جَمَعَ اليَهُودَ في سُوقِ بَنِي قَيْنُقاعَ وقالَ: يا مَعْشَرَ يَهُودَ أسْلِمُوا قَبْلَ أنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ تَعالى بِما أصابَ قُرَيْشًا فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ لا يَغُرُّنَّكَ مِن نَفْسِكَ أنْ قَتَلْتَ نَفَرًا مِن قُرَيْشٍ كانُوا أغْمارًا لا يَعْرِفُونَ القِتالَ إنَّكَ واَللَّهِ لَوْ قاتَلْتَنا لَعَرَفْتَ أنّا نَحْنُ النّاسُ وأنَّكَ لَمْ تَكُنْ مِثْلَنا“، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لأُولِي الأبْصارِ﴾». فالمُرادُ مِنَ المَوْصُولِ اليَهُودُ، والسِّينُ لِقُرْبِ الوُقُوعِ أيْ تَغْلِبُونَ عَنْ قَرِيبٍ وأُرِيدَ مِنهُ في الدُّنْيا، وقَدْ صَدَقَ اللَّهُ تَعالى وعْدَهُ رَسُولَهُ ﷺ (p-95)فَقَتَلَ كَما قِيلَ مِن بَنِي قُرَيْظَةَ في يَوْمٍ واحِدٍ سِتُّمِائَةٍ جَمَعَهم في سُوقِ بَنِي قَيْنُقاعَ وأمَرَ السَّيّافَ بِضَرْبِ أعْناقِهِمْ وأمَرَ بِحَفْرِ حُفَيْرَةٍ ورَمْيِهِمْ فِيها وأجْلى بَنِي النَّضِيرِ وفَتَحَ خَيْبَرَ وضَرَبَ الجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وهَذا مِن أوْضَحِ شَواهِدِ النُّبُوَّةِ. ﴿وتُحْشَرُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ والمُرادُ في الآخِرَةِ ﴿إلى جَهَنَّمَ﴾ وهي غايَةُ حَشْرِهِمْ ومُنْتَهاهُ فَإلى عَلى مَعْناها المُتَبادِرِ، وقِيلَ: بِمَعْنى فِي، والمَعْنى أنَّهم يُجْمَعُونَ فِيها، والآيَةُ كالتَّوْكِيدِ لِما قَبْلَها فَإنَّ الغَلَبَةَ تَحْصُلُ بِعَدَمِ الِانْتِفاعِ بِالأمْوالِ والأوْلادِ، والحَشْرُ إلى جَهَنَّمَ مَبْدَأُ كَوْنِهِمْ وقُودًا لَها، وقَرَأ أهْلُ الكُوفَةِ غَيْرَ عاصِمٍ (سَيُغْلَبُونَ ويُحْشَرُونَ) بِالياءِ والباقُونَ بِالتّاءِ، وفُرِّقَ بَيْنَ القِراءَتَيْنِ بِأنَّ المَعْنى عَلى تَقْدِيرِ تاءِ الخِطابِ أمَرَ النَّبِيَّ ﷺ أنْ يُخْبِرَهم مِن عِنْدِ نَفْسِهِ بِمَضْمُونِ الكَلامِ حَتّى لَوْ كَذَّبُوا كانَ التَّكْذِيبُ راجِعًا إلَيْهِ، وعَلى تَقْدِيرِ ياءِ الغَيْبَةِ أمَرَهُ بِأنْ يُؤَدِّيَ ما أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ مِنَ الحُكْمِ بِأنَّهم سَيُغْلَبُونَ بِحَيْثُ لَوْ كَذَّبُوا كانَ التَّكْذِيبُ راجِعًا إلى اللَّهِ تَعالى. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وبِئْسَ المِهادُ﴾ [ 12 ] إمّا مِن تَمامِ ما يُقالُ لَهم أوِ اِسْتِئْنافٌ لِتَهْوِيلِ جَهَنَّمَ وتَفْظِيعِ حالِ أهْلِها، ومِهادٌ كَفِراشٍ لَفْظًا ومَعْنًى، والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مُقَدَّرٌ وهو جَهَنَّمُ، أوْ ما مَهَّدُوهُ لِأنْفُسِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب