الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يَرُدُّوكم بَعْدَ إيمانِكم كافِرِينَ﴾ ( 100 ) خِطابٌ لِلْأوْسِ والخَزْرَجِ عَلى ما يَقْتَضِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ، ويَدْخُلُ غَيْرُهم مِنَ المُؤْمِنِينَ في عُمُومِ اللَّفْظِ، وخاطَبَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِنَفْسِهِ بَعْدَ ما أمَرَ رَسُولَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِخِطابِ أهْلِ الكِتابِ إظْهارًا لِجَلالَةِ قَدْرِهِمْ وإشْعارًا بِأنَّهم هُمُ الأحِقّاءُ بِأنْ يُخاطِبَهُمُ اللَّهُ تَعالى ويُكَلِّمَهم فَلا حاجَةَ إلى أنْ يُقالَ المُخاطَبُ الرَّسُولُ بِتَقْدِيرِ قُلْ لَهم. والمُرادُ مِنَ الفَرِيقِ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أوْ هو شَمّاسُ بْنُ قَيْسٍ اليَهُودِيُّ، وفي الِاقْتِصارُ عَلَيْهِ مُبالَغَةٌ في التَّحْذِيرِ؛ ولِهَذا عَلى ما قِيلَ حُذِفَ مُتَعَلِّقُ الفِعْلِ، وقالَ بَعْضُهم: هو عَلى مَعْنى إنْ تُطِيعُوهم في قَبُولِ قَوْلِهِمْ بِإحْياءِ الضَّغائِنِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَكم في الجاهِلِيَّةِ، و( كافِرِينَ ) إمّا مَفْعُولٌ ثانٍ لِيَرُدُّوكم عَلى تَضْمِينِ الرَّدِّ مَعْنى التَّصْيِيرِ كَما في قَوْلِهِ: ؎رَمى الحَدَثانِ نِسْوَةَ آلِ سَعْدٍ بِمِقْدارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودا ؎فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضًا ∗∗∗ ورَدَّ وُجُوهَهُنَّ البِيضَ سُودا أوْ حالٌ مِن مَفْعُولِهِ، قالُوا: والأوَّلُ أدْخَلُ في تَنْزِيهِ المُؤْمِنِينَ عَنْ نِسْبَتِهِمْ إلى الكُفْرِ لِما فِيهِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِكَوْنِ الكُفْرِ المَفْرُوضِ بِطَرِيقِ القَسْرِ، وبَعْدَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِيَرُدُّوكم، وأنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِكافِرِينَ، وإيرادُهُ مَعَ عَدَمِ الحاجَةِ إلَيْهِ لِإغْناءِ ما في الخِطابِ عَنْهُ، واسْتِحالَةِ الرَّدِّ إلى الكُفْرِ بِدُونِ سَبْقِ الإيمانِ وتَوْسِيطِهِ بَيْنَ المَنصُوبَيْنِ لِإظْهارِ كَمالِ شَناعَةِ الكُفْرِ، وغايَةُ بُعْدِهِ مِنَ الوُقُوعِ إمّا لِزِيادَةِ قُبْحِهِ أوْ لِمُمانَعَةِ الإيمانِ لَهُ كَأنَّهُ قِيلَ: بَعْدَ إيمانِكُمُ الرّاسِخِ، وفي ذَلِكَ مِن تَثْبِيتِ المُؤْمِنِينَ ما لا يَخْفى، وقَدَّمَ تَوْبِيخَ الكُفّارِ عَلى هَذا الخِطابِ لِأنَّ الكُفّارَ كانُوا كالعِلَّةِ الدّاعِيَةِ إلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب