الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ حالٌ مِنَ النّاسُ أوْ مِن ضَمِيرِ يُفْتَنُونَ، وعَلى الأوَّلِ يَكُونُ عِلَّةً لِإنْكارِ الحُسْبانِ أيْ أحَسِبُوا ذَلِكَ وقَدْ عَلِمُوا أنَّ سُنَّةَ اللَّهِ تَعالى عَلى خِلافِهِ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَعالى تَبْدِيلًا، وعَلى الثّانِي بَيانًا لِأنَّهُ لا وجْهَ لِتَخْصِيصِهِمْ بِعَدَمِ الِافْتِنانِ، وحاصِلُهُ أنَّهُ عَلى الأوَّلِ تَنْبِيهٌ عَلى الخَطَأِ، وعَلى الثّانِي تَخْطِئَةٌ، والمُرادُ بِالَّذِينِ مِن قَبْلِهِمُ المُؤْمِنُونَ أتْباعُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ أصابَهم مِن ضُرُوبِ الفِتَنِ والمِحَنِ ما أصابَهم فَصَبَرُوا وعَضُّوا عَلى دِينِهِمْ بِالنَّواجِذِ كَما يُعْرِبُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَأيِّنْ مِن نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وهَنُوا لِما أصابَهم في سَبِيلِ اللَّهِ وما ضَعُفُوا وما اسْتَكانُوا﴾ [آلِ عِمْرانَ: 146] الآياتِ. ورَوى البُخارِيُّ وأبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ عَنْ خَبّابِ بْنِ الأرَتِّ قالَ: ««شَكَوْنا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ولَقَدْ لَقِينا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لَنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فَقالَ: قَدْ كانَ مَن قَبْلَكم يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ في الأرْضِ فَيُجْعَلُ فِيها ثُمَّ يُؤْتى بِالمِنشارِ فَيُوضَعُ عَلى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ويُمَشَّطُ بِأمْشاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ ما يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ»
﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ أيْ في قَوْلِهِمْ آمَنّا ﴿ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ في ذَلِكَ والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما يُفْصِحُ عَنْهُ ما قَبْلَها مِن وُقُوعِ الِامْتِحانِ، واللّامُ واقِعَةٌ في جَوابِ القَسَمِ، والِالتِفاتُ إلى الِاسْمِ الجَلِيلِ لِإدْخالِ الرَّوْعَةِ وتَرْبِيَةِ المَهابَةِ، وتَكْرِيرُ الجَوابِ لِزِيادَةِ التَّأْكِيدِ والتَّقْرِيرِ، ويُتَوَهَّمُ مِنَ الآيَةِ حُدُوثُ عِلْمِهِ تَعالى بِالحَوادِثِ وهو باطِلٌ. وأُجِيبُ بِأنَّ الحادِثَ تَعَلَّقَ عِلْمُهُ تَعالى بِالمَعْدُومِ بَعْدَ حُدُوثِهِ، وقالَ ابْنُ المُنِيرِ: الحَقُّ أنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعالى واحِدٌ يَتَعَلَّقُ بِالمَوْجُودِ زَمانَ وُجُودِهِ وقَبْلَهُ وبَعْدَهُ عَلى ما هو عَلَيْهِ، وفائِدَةُ ذِكْرِ العِلْمِ هاهُنا وإنْ كانَ سابِقًا عَلى وُجُودِ المَعْلُومِ التَّنْبِيهُ بِالسَّبَبِ عَلى المُسَبِّبِ وهو الجَزاءُ فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَواللَّهِ لَيَعْلَمَنَّ بِما يُشْبِهُ الِامْتِحانَ والِاخْتِبارَ الَّذِينَ صَدَقُوا في الإيمانِ الَّذِي أظْهَرُوهُ والَّذِينَ هم كاذِبُونَ فِيهِ مُسْتَمِرُّونَ عَلى الكَذِبِ فَلْيُجازِيَنَّ كُلًّا بِحَسَبِ عِلْمِهِ فِيهِ، وفي مَعْناهُ ما قالَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ مِن أنَّهُ مِن إقامَةِ السَّبَبِ مَقامَ المُسَبِّبِ، والغَرَضُ فِيهِ لَيُكافِئَنَّ اللَّهُ تَعالى الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيُكافِئَنَّ الكاذِبِينَ وذَلِكَ أنَّ المُكافَأةَ عَلى الشَّيْءِ إنَّما هي مُسَبَّبَةٌ عَنْ عِلْمٍ، وقالَ مُحْيِي السُّنَّةِ: أيْ فَلْيُظْهِرَنَّ اللَّهُ تَعالى الصّادِقِينَ مِنَ الكاذِبِينَ حَتّى يُوجَدَ مَعْلُومًا لِأنَّ اللَّهَ تَعالى عالِمٌ بِهِمْ قَبْلَ الِاخْتِبارِ.
وقَرَأ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ والزُّهْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم «فَلَيُعْلِمَنَّ» بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ اللّامِ
عَلى أنَّهُ مُضارِعُ أعْلَمَ المَنقُولَةِ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ مِن عَلِمَ المُتَعَدِّيَةِ إلى واحِدٍ وهي الَّتِي بِمَعْنى عَرَفَ فَيَكُونُ (p-136)الفِعْلُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ مُتَعَدِّيًا لِاثْنَيْنِ والثّانِي هُنا مَحْذُوفٌ أيْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا مَنازِلَهم مِنَ الثَّوابِ ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ مَنازِلَهم مِنَ العِقابِ وذَلِكَ في الآخِرَةِ، أوِ الأوَّلُ مَحْذُوفٌ أيْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ النّاسَ الَّذِينَ صَدَقُوا ولِيُعْلِمَنَّهُمُ الكاذِبِينَ أيْ يُشْهِدُهم هَؤُلاءِ في الخَيْرِ وهَؤُلاءِ في الشَّرِّ، والظّاهِرُ أنَّ ذَلِكَ في الآخِرَةِ أيْضًا، وقالَ أبُو حَيّانَ: في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الأعْلامِ وهو وضْعُ العَلّامَةِ والسِّمَةِ فَيَتَعَدّى لِواحِدٍ أيْ يَسِمُهم بِعَلامَةٍ يُعْرَفُونَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ كَبَياضِ الوُجُوهِ وسَوادِها، وقِيلَ: يَسِمُهم سُبْحانَهُ بِعَلامَةٍ يُعْرَفُونَ بِها في الدُّنْيا
كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ««مَن أسَرَّ سَرِيرَةً ألْبَسَهُ اللَّهُ تَعالى رِداءَها»».
وقَرَأ الزُّهْرِيُّ الفِعْلَ الأوَّلَ كَما قَرَأ الجَماعَةُ، والفِعْلُ الثّانِي كَما قَرَأ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وجَعْفَرٌ والزُّهْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمْ
{"ayah":"وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَیَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَـٰذِبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق