الباحث القرآني

﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْباءُ يَوْمَئِذٍ﴾ أصْلُهُ فَعَمُوا عَنِ الأنْباءِ أيْ لَمْ يَهْتَدُوا إلَيْها، وفِيهِ اسْتِعارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ حَيْثُ اسْتُعِيرَ العَمى لِعَدَمِ الِاهْتِداءِ ثُمَّ قُلِبَ لِلْمُبالَغَةِ فَجَعَلَ الأنْباءَ لا تَهْتَدِي إلَيْهِمْ وضَمَّنَ العَمى مَعْنى الخَفاءِ فَعُدِّيَ بِعَلى ولَوْلاهُ لَتَعَدّى بِعْنَ ولَمْ يَتَعَلَّقْ بِالأنْباءِ لِأنَّها مَسْمُوعَةٌ لا مُبْصَرَةٌ، وفي هَذا القَلْبِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ ما يَحْضُرُ الذِّهْنَ يَفِيضُ عَلَيْهِ ويَصِلُ إلَيْهِ مِنَ الخارِجِ ونَفْسُ الأمْرِ إمّا ابْتِداءً وإمّا بِواسِطَةِ تَذَكُّرِ الصُّورَةِ الوارِدَةِ مِنهُ بِأماراتِها الخارِجِيَّةِ فَإذا أخْطَأ الذِّهْنُ الخارِجُ بِأنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ لِانْسِدادِ الطَّرِيقِ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ بِعَمًى ونَحْوِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ إحْضارٌ ولا اسْتِحْضارٌ، وذَلِكَ لِأنَّهُ لَمّا جَعَلَ الأنْباءُ الوارِدَةُ عَلَيْهِمْ مِنَ الخارِجِ عُمْيًا لا تَهْتَدِي دَلَّ عَلى أنَّهم عُمْيٌ لا يَهْتَدُونَ بِالطَّرِيقِ الأوْلى لِأنَّ اهْتِداءَهم بِها فَإذا كانَتْ هي في نَفْسِها لا تَهْتَدِي فَما بالُكَ بِمَن يَهْتَدِي بِها كَذا قِيلَ: فَلْيُتَدَبَّرْ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ في الكَلامِ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ تَخَيُّلِيَّةٌ أيْ فَصارَتِ الأنْباءُ كالعَمى عَلَيْهِمْ لا تَهْتَدِي إلَيْهِمْ، والمُرادُ بِالأنْباءِ إمّا ما طُلِبَ مِنهم مِمّا أجابُوا بِهِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أوْ ما يَعُمُّها وكُلُّ ما يُمْكِنُ الجَوابُ بِهِ، وإذا كانَتِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يَتَتَعْتَعُونَ في الجَوابِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ في ذَلِكَ المَقامِ الهائِلِ ويُفَوِّضُونَ العِلْمَ إلى (p-103)عَلّامِ الغُيُوبِ مَعَ نَزاهَتِهِمْ عَنْ غائِلَةِ المَسْؤُولِ فَما ظَنُّكَ بِأُولَئِكَ الضُّلّالِ مِنَ الأُمَمِ. وقَرَأ الأعْمَشُ وجَناحُ بْنُ حُبَيْشٍ وأبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ «(فَعُمِّيَتْ)» بِضَمِّ العَيْنِ وتَشْدِيدِ المِيمِ. ﴿فَهم لا يَتَساءَلُونَ﴾ أيْ لا يَسْألُ بَعْضُهم بَعْضًا لِفَرْطِ الدَّهْشَةِ أوِ العِلْمِ بِأنَّ الكُلَّ سَواءٌ في الجَهْلِ، والفاءُ إمّا تَفْصِيلِيَّةٌ أوْ تَفْرِيعِيَّةٌ لِأنَّ سَبَبَ العَمى فَرْطُ الدَّهْشَةِ. وقَرَأ طَلْحَةُ «لا يَسّاءَلُونَ» بِإدْغامِ التّاءِ في السِّينِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب