الباحث القرآني

﴿وقالُوا إنْ نَتَّبِعِ الهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِن أرْضِنا﴾ أيْ نُخْرَجْ مِن بِلادِنا ومَقَرِّنا، وأصْلُ الخَطْفِ الِاخْتِلاسُ بِسُرْعَةٍ فاسْتُعِيرَ لِما ذُكِرَ، «والآيَةُ نَزَلَتْ في الحارِثِ بْنِ عُثْمانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ حَيْثُ أتى النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالُوا: نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّكَ عَلى الحَقِّ ولَكُنّا نَخافُ إنِ اتَّبَعْناكَ وخالَفْنا العَرَبَ وإنَّما نَحْنُ أكَلَةُ رَأسٍ أنْ يَتَخَطَّفُونا مِن أرْضِنا فَرَدَّ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ خَوْفَ التَّخَطُّفِ بِقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهم حَرَمًا آمِنًا﴾» أيْ ألَمْ نَعْصِمْهم ونَجْعَلْ مَكانَهم حَرَمًا ذا أمْنٍ بِحُرْمَةِ البَيْتِ الَّذِي فِيهِ تُتاجِرُ العَرَبُ حَوْلَهُ وهم آمِنُونَ فِيهِ، فالعَطْفُ عَلى مَحْذُوفٍ (ونُمَكِّنْ) مُضَمَّنٌ مَعْنى الجَعْلِ، ولِذا نَصَبَ حَرَمًا وآمِنًا لِلنَّسَبِ كَلابِنٍ وتامِرٍ، وجَعَلَ أبُو حَيّانَ الإسْنادَ فِيهِ مَجازِيًّا لِأنَّ الآمِنَ حَقِيقَةً ساكِنُوهُ فَيُسْتَغْنى عَنْ جَعْلِهِ لِلنَّسَبِ وهو وجْهٌ حَسَنٌ ﴿يُجْبى إلَيْهِ﴾ أيْ يُحْمَلُ إلَيْهِ ويُجْمَعُ فِيهِ مِن كُلِّ جانِبٍ وجِهَةٍ ﴿ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ ثَمَراتُ أشْياءَ كَثِيرَةٍ عَلى أنَّ كُلَّ لِلتَّكْثِيرِ وأصْلُ مَعْناهُ الإحاطَةُ ولَيْسَتْ بِمُرادَّةٍ قَطْعًا، والجُمْلَةُ صِفَةٌ أُخْرى لِحَرَمًا دافِعَةٌ لِما عَسى يُتَوَهَّمُ مِن تَضَرُّرِهِمْ إنِ اتَّبَعُوا الهُدى بِانْقِطاعِ المِيرَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿رِزْقًا مِن لَدُنّا﴾ نُصِبَ عَنِ المَصْدَرِ مِن مَعْنى يُجْبى لِأنَّ مَآلَهُ يُرْزَقُونَ، أوِ الحالِ مِن ثَمَراتٍ بِمَعْنى مَرْزُوقًا وصَحَّ مَجِيءُ الحالِ مِنَ النَّكِرَةِ عِنْدَ مَن لا يَراهُ لِتَخَصُّصِها بِالإضافَةِ هُنا، أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ بِتَقْدِيرِ نَسُوقُ إلَيْهِ ذَلِكَ رِزْقًا. وحاصِلُ الرَّدِّ أنَّهُ لا وجْهَ لِخَوْفٍ مِنَ التَّخَطُّفِ إنْ أمِنُوا فَإنَّهم لا يَخافُونَ مِنهُ وهم عَبَدَةُ أصْنامٍ فَكَيْفَ يَخافُونَ إذا أمِنُوا وضَمُّوا حُرْمَةَ الإيمانِ إلى حُرْمَةِ المَقامِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ جَهَلَةٌ لا يَتَفَطَّنُونَ ولا يَتَفَكَّرُونَ لِيَعْلَمُوا ذَلِكَ فَهو مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوَلَمْ نُمَكِّنْ﴾ إلَخْ. وقِيلَ: هو مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: مِن لَدُنّا أيْ قَلِيلٌ مِنهم يَتَدَبَّرُونَ فَيَعْلَمُونَ أنَّ ذَلِكَ رِزْقٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ إذْ لَوْ عَلِمُوا لَما خافُوا غَيْرَهُ، والأوَّلُ أظْهَرُ، والكَلامُ عَلَيْهِ أبْلَغُ في الذَّمِّ، وقَرَأ المُنْقُرِيُّ «نُتَخَطَّفُ» بِالرَّفْعِ كَما قُرِئَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ﴾ [النِّساءِ: 78] بِرَفْعِ يُدْرِكُ وخُرِّجَ بِأنَّهُ بِتَقْدِيرِ فَنَحْنُ نُتَخَطَّفُ وهو تَخْرِيجُ شُذُوذٍ. (p-98)وقَرَأ نافِعٌ وجَماعَةٌ عَنْ يَعْقُوبَ وأبُو حاتِمٍ عَنْ عاصِمٍ «تُجْبى» بِتاءِ التَّأْنِيثِ، وقُرِئَ «تَجْنِي» بِالنُّونِ مِنَ الجَنْيِ وهو قَطْعُ الثَّمَرَةِ وتَعْدِيَتُهُ بِـ إلى كَقَوْلِكَ يَجْنِي إلَيَّ فِيهِ ويَجْنِي إلى الخافَّةِ وقَرَأ أبانُ بْنُ تَغِلِبَ عَنْ عاصِمٍ «ثُمُراتُ» بِضَمِّ الثّاءِ والمِيمِ، وقَرَأ بَعْضُهم «ثَمْراتُ» بِفَتْحِ الثّاءِ وإسْكانِ المِيمِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب