الباحث القرآني

﴿وإذا يُتْلى﴾ أيِ القُرْآنُ ﴿عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ﴾ أيْ بِأنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعالى: ﴿إنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّنا﴾ أيِ الحَقُّ الَّذِي كُنّا نَعْرِفُ حَقِّيَّتَهُ، وهو اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ ما أوْجَبَ إيمانَهم بِهِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مُفَسِّرَةً لِما قَبْلَها وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا كُنّا مِن قَبْلِهِ﴾ أيْ مِن قَبْلِ نُزُولِهِ ﴿مُسْلِمِينَ﴾ بَيانٌ لِكَوْنِ إيمانِهِمْ بِهِ أمْرًا مُتَقادِمَ العَهْدِ لِما شاهَدُوا ذِكْرَهُ في الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ وأنَّهم عَلى دِينِ الإسْلامِ قَبْلَ نُزُولِ القُرْآنِ ويَكْفِي في كَوْنِهِمْ عَلى دِينِ الإسْلامِ قَبْلَ نُزُولِهِ إيمانُهم بِهِ إجْمالًا. وفي الكَشّافِ والبَحْرِ أنَّ الإسْلامَ صِفَةُ كُلِّ مُوَحِّدٍ مُصَدِّقٍ بِالوَحْيِ والظّاهِرُ عَلَيْهِ أنَّ الإسْلامَ لَيْسَ مِن خُصُوصِيّاتِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِن بَيْنِ الأُمَمِ، وذَهَبَ السُّيُوطِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ إلى كَوْنِهِ مِنَ الخُصُوصِيّاتِ وألَّفَ في ذَلِكَ كُرّاسَةً وقالَ في ذَيْلِها: لَمّا فَرَغْتُ مِن تَأْلِيفِ هَذِهِ الكُرّاسَةِ واضْطَجَعْتُ عَلى الفِراشِ لِلنَّوْمِ ورَدَ (عَلَيَّ) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِن قَبْلِهِ﴾ الآيَةَ فَكَأنَّما أُلْقِيَ عَلَيَّ جَبَلٌ لِما أنَّ ظاهِرَها الدَّلالَةُ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الخُصُوصِيَّةِ وقَدْ فَكَّرْتُ فِيها ساعَةً ولَمْ يَتَّجِهْ لِي فِيها شَيْءٌ فَلَجَأْتُ إلى اللَّهِ تَعالى ورَجَوْتُ أنْ يَفْتَحَ بِالجَوابِ عَنْها فَلَمّا اسْتَيْقَظْتُ وقْتَ السَّحَرِ إذا بِالجَوابِ قَدْ فُتِحَ فَظَهَرَ عَنْها ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ: الأوَّلُ أنَّ مُسْلِمِينَ اسْمُ فاعِلٍ مُرادٌ بِهِ الِاسْتِقْبالُ كَما هو حَقِيقَةٌ فِيهِ دُونَ الحالِ والماضِي والتَّمَسُّكُ بِالحَقِيقَةِ هو الأصْلُ وتَقْدِيرُ الآيَةِ إنّا كُنّا مِن قَبْلِ مَجِيئِهِ عازِمِينَ عَلى الإسْلامِ بِهِ إذا جاءَ لِما كُنّا نَجِدُهُ في كُتُبِنا مِن بَعْثِهِ ووَصْفِهِ ويُرَشِّحُ هَذا أنَّ السِّياقَ يُرْشِدُ إلى أنَّ قَصْدَهُمُ الإخْبارُ بِحَقِّيَّةِ القُرْآنِ وأنَّهم كانُوا عَلى قَصْدِ الإسْلامِ بِهِ إذا جاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ ولَيْسَ (p-95)قَصْدُهُمُ الثَّناءَ عَلى أنْفُسِهِمْ في حَدِّ ذاتِهِمْ بِأنَّهم كانُوا بِصِفَةِ الإسْلامِ أوَّلًا لِنُبُوِّ المَقامِ عَنْهُ كَما لا يَخْفى، الثّانِي أنْ يُقَدَّرَ في الآيَةِ إنّا كُنّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ بِهِ فَوَصْفُ الإسْلامِ سَبَبُهُ القُرْآنُ لا التَّوْراةُ والإنْجِيلُ ويُرَشِّحُ ذَلِكَ ذِكْرُ الصِّلَةِ فِيما قَبْلُ حَيْثُ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿هم بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ الصِّلَةَ مُرادَةٌ هُنا أيْضًا إلّا أنَّها حُذِفَتْ كَراهَةَ التَّكْرارِ. الثّالِثُ أنَّ هَذا الوَصْفَ مِنهم بِناءً عَلى ما هو مَذْهَبُ الأشْعَرِيِّ مِن أنَّ مِن كُتُبِ اللَّهِ تَعالى أنْ يَمُوتَ مُؤْمِنًا فَهو يُسَمّى عِنْدَهُ تَعالى مُؤْمِنًا ولَوْ كانَ في حالِ الكُفْرِ وإنَّما لَمْ نُطْلِقْ نَحْنُ هَذا الوَصْفَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ عِلْمِنا بِما عِنْدَهُ تَعالى، فَهَؤُلاءِ لَمّا خَتَمَ اللَّهُ تَعالى لَهم بِالدُّخُولِ في الإسْلامِ أخْبَرُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ أنَّهم كانُوا مُتَّصِفِينَ بِهِ قَبْلُ لِأنَّ العِبْرَةَ في هَذا الوَصْفِ بِالخاتِمَةِ ووَصْفُهم بِذَلِكَ أوْلى مِن وصْفِ الكافِرِ الَّذِي يَعْلَمُ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ يَمُوتُ عَلى الإسْلامِ بِهِ لِأنَّهم كانُوا عَلى دِينٍ حَقٍّ وهَذا مَعْنًى دَقِيقٌ اسْتَفَدْناهُ في هَذِهِ الآيَةِ مِن قَواعِدِ عِلْمِ الكَلامِ انْتَهى. ولا يَخْفى ضَعْفُ هَذا الجَوابِ وكَذا الجَوابُ الأوَّلُ وأمّا الجَوابُ الثّانِي فَهو بِمَعْنى ما ذَكَرْناهُ في الآيَةِ وقَدْ ذَكَرَهُالبَيْضاوِيُّ وغَيْرُهُ وجَوَّزَ أنْ يُرادَ بِالإسْلامِ الِانْقِيادُ أيْ إنّا كُنّا مِن قَبْلِ نُزُولِهِ مُنْقادِينَ لِأحْكامِ اللَّهِ تَعالى النّاطِقِ بِها كِتابُهُ المُنَزَّلُ إلَيْنا ومِنها وُجُوبُ الإيمانِ بِهِ فَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب