الباحث القرآني
﴿فَلَمّا قَضى مُوسى الأجَلَ﴾ أيْ أتَمَّ المُدَّةَ المَضْرُوبَةَ لَمّا أرادَ شُعَيْبٌ مِنهُ والمُرادُ بِهِ الأجَلُ الآخَرُ كَما أخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما. وأخْرَجَ البُخارِيُّ وجَماعَةٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ سُئِلَ أيُّ الأجَلَيْنِ قَضى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ؟
فَقالَ: قَضى أكْثَرَهُما وأطْيَبَهُما إنَّ رَسُولَ اللَّهِ إذا قالَ فَعَلَ،
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عاصِمٍ عَنْ أبِي هارُونَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ «أنَّ رَجُلًا سَألَهُ أيُّ الأجَلَيْنِ قَضى مُوسى؟ فَقالَ: لا أدْرِي حَتّى أسْألَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَألَ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقالَ: لا أدْرِي حَتّى أسْألَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَسَألَ جِبْرِيلَ فَقالَ: لا أدْرِي حَتّى أسْألَ مِيكائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَسَألَ مِيكائِيلَ فَقالَ: لا أدْرِي حَتّى أسْألَ الرَّفِيعَ فَسَألَ الرَّفِيعَ فَقالَ: لا أدْرِي حَتّى أسْألَ إسْرافِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَسَألَ إسْرافِيلَ فَقالَ: لا أدْرِي حَتّى أسْألَ ذا العِزَّةِ جَلَّ جَلالُهُ فَنادى إسْرافِيلُ بِصَوْتِهِ الأشَدِّ يا ذا العِزَّةِ أيُّ الأجَلَيْنِ قَضى مُوسى؟ قالَ: «أتَمَّ الأجَلَيْنِ وأطْيَبَهُما عَشْرَ سِنِينَ».
قالَ عَلِيُّ بْنُ عاصِمٍ: فَكانَ أبُو هارُونَ إذا حَدَّثَ بِهَذا الحَدِيثِ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ جِبْرِيلَ عَنْ مِيكائِيلَ عَنِ (p-72)الرَّفِيعِ عَنْ إسْرافِيلَ عَنْ ذِي العِزَّةِ تَبارَكَ وتَعالى «أنَّ مُوسى قَضى أتَمَّ الأجَلَيْنِ وأطْيَبَهُما عَشْرَ سِنِينَ»»
والفاءُ قِيلَ: فَصِيحَةٌ أيْ فَعَقَدَ العَقْدَيْنِ وباشَرَ مُوسى ما أُرِيدَ مِنهُ فَلَمّا أتَمَّ الأجَلَ ﴿وسارَ بِأهْلِهِ﴾ قِيلَ: نَحْوَ مِصْرَ بِإذْنٍ مِن شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ لِزِيارَةِ والِدَتِهِ وأخِيهِ وأُخْتِهِ وذَوِي قَرابَتِهِ وكَأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أقْدَمَهُ عَلى ذَلِكَ طُولُ مُدَّةِ الجِنايَةِ وغَلَبَةُ ظَنِّهِ خَفاءَ أمْرِهِ، وقِيلَ: سارَ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ وهَذا أبْعَدُ عَنِ القِيلِ والقالِ.
﴿آنَسَ مِن جانِبِ الطُّورِ﴾ أيْ أبْصَرَ مِنَ الجِهَةِ الَّتِي تَلِي الطُّورَ لا مِن بَعْضِهِ كَما هو المُتَبادَرُ، وأصْلُ الإيناسِ عَلى ما قِيلَ الإحْساسُ فَيَكُونُ أعَمَّ مِنَ الإبْصارِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو الإبْصارُ البَيِّنُ الَّذِي لا شُبْهَةَ فِيهِ ومِنهُ إنْسانُ العَيْنِ لِأنَّهُ يَبِينُ بِهِ الشَّيْءُ والإنْسُ لِظُهُورِهِمْ كَما قِيلَ: الجِنُّ لِاسْتِتارِهِمْ، وقِيلَ: هو إبْصارُ ما يُؤْنَسُ بِهِ، نارًا اسْتَظْهَرَ بَعْضُهم أنَّ المُبْصَرَ كانَ نُورًا حَقِيقَةً إلّا أنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالنّارِ اعْتِبارًا لِاعْتِقادِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وقالَ بَعْضُ العارِفِينَ: كانَ المُبْصَرُ في صُورَةِ النّارِ الحَقِيقِيَّةِ وأمّا حَقِيقَتُهُ فَوَراءَ طَوْرِ العَقْلِ إلّا أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ظَنَّهُ النّارَ المَعْرُوفَةَ ﴿قالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا﴾ أيْ أقِيمُوا مَكانَكم وكانَ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى قَوْلٍ امْرَأتُهُ وخادِمٌ ويُخاطَبُ الِاثْنانِ بِصِيغَةِ الجَمْعِ، وعَلى قَوْلٍ آخَرَ كانَ مَعَهُ ولَدانِ لَهُ أيْضًا اسْمُ الأكْبَرِ جِيرَشُومُ واسْمُ الأصْغَرِ ألِيعازِرُ وُلِدا لَهُ زَمانَ إقامَتِهِ عِنْدَ شُعَيْبٍ وهَذا مِمّا يَتَسَنّى عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ دَخَلَ عَلى زَوْجَتِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيما أُرِيدَ مِنهُ، وأمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْها حَتّى أتَمَّ الأجَلَ فَلا يَتَسَنّى إلّا بِالتِزامِ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ، وقَدْ قِيلَ بِهِ، أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: قَضى مُوسى عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرًا أُخْرى، وعَنْ وهْبٍ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وُلِدَ لَهُ ولَدٌ في الطَّرِيقِ لَيْلَةَ إيناسِ النّارِ، وفي البَحْرِ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَرَجَ بِأهْلِهِ ومالِهِ في فَصْلِ الشِّتاءِ وأخَذَ عَلى غَيْرِ الطَّرِيقِ مَخافَةَ مُلُوكِ الشّامِ وامْرَأتُهُ حامِلٌ لا يَدْرِي ألَيْلًا تَضَعُ أمْ نَهارًا فَسارَ في البَرِّيَّةِ لا يَعْرِفُ طُرُقَها فَألْجَأهُ السَّيْرُ إلى جانِبِ الطُّورِ الغَرْبِيِّ الأيْمَنِ في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مُثْلِجَةٍ شَدِيدَةِ البَرْدِ، وقِيلَ: كانَ لِغَيْرَتِهِ عَلى حَرَمِهِ يَصْحَبُ الرُّفْقَةَ لَيْلًا ويُفارِقُهم نَهارًا فَأضَلَّ الطَّرِيقَ يَوْمًا حَتّى أدْرَكَهُ اللَّيْلُ فَأخَذَ امْرَأتَهُ الطَّلْقُ فَقَدَحَ زَنْدَهُ فَأصْلَدَ فَنَظَرَ فَإذا نارٌ تَلُوحُ مِن بُعْدٍ فَقالَ امْكُثُوا ﴿إنِّي آنَسْتُ) نارًا (لَعَلِّي آتِيكم مِنها بِخَبَرٍ﴾ أيْ بِخَبَرِ الطَّرِيقِ بِأنْ أجِدَ عِنْدَها مَن يُخْبِرُنِي بِهِ وقَدْ كانُوا كَما سَمِعْتَ ضَلُّوا الطَّرِيقَ، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ في مَعْنى التَّعْلِيلِ لِلْأمْرِ ﴿أوْ جَذْوَةٍ﴾ أيْ عُودٍ غَلِيظٍ سَواءٌ كانَ في رَأْسِهِ نارٌ كَما في قَوْلِهِ:
؎وألْقى عَلى قَيْسٍ مِنَ النّارِ جَذْوَةً شَدِيدًا عَلَيْها حَرُّها والتِهابُها
أوْ لَمْ تَكُنْ كَما في قَوْلِهِ:
؎باتَتْ حَواطِبُ لَيْلى يَلْتَمِسْنَ لَها ∗∗∗ جَزْلَ الجِذا غَيْرَ خُوارٍ ولا دَعْرِ
ولِذا بُيِّنَتْ كَما قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِنَ النّارِ﴾ وجَعَلَها نَفْسَ النّارِ لِلْمُبالَغَةِ كَأنَّها لِتَشَبُّثِ النّارِ بِها اسْتَحالَتْ نارًا، وقالَ الرّاغِبُ: الجَذْوَةُ ما يَبْقى مِنَ الحَطَبِ بَعْدَ الِالتِهابِ، وفي مَعْناهُ قَوْلُ أبِي حَيّانَ: عُودٌ فِيهِ نارٌ بِلا لَهَبٍ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قالَ: هي عُودٌ مِن حَطَبٍ فِيهِ النّارُ. (p-73)وأخْرَجَ هو وجَماعَةٌ عَنْ قَتادَةَ أنَّها أصْلُ شَجَرَةٍ في طَرَفِها النّارُ، قِيلَ: فَتَكُونُ (مِن) عَلى هَذا لِلِابْتِداءِ، والمُرادُ بِالنّارِ هي الَّتِي آنَسَها.
وقَرَأ الأكْثَرُ «جِذْوَةً» بِكَسْرِ الجِيمِ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وأبُو حَيْوَةَ وحَمْزَةُ بِضَمِّها ﴿لَعَلَّكم تَصْطَلُونَ﴾ تَسْتَدْفِئُونَ وتَتَسَخَّنُونَ بِها، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهم أصابَهم بَرْدٌ.
{"ayah":"۞ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦۤ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارࣰاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوۤا۟ إِنِّیۤ ءَانَسۡتُ نَارࣰا لَّعَلِّیۤ ءَاتِیكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق