الباحث القرآني
﴿قالَ إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ كَأنَّهُ قِيلَ: فَما قالَ أبُوها بَعْدَ أنْ سَمِعَ كَلامَها؟ فَقِيلَ: قالَ إنِّي. وفي تَأْكِيدِ الجُمْلَةِ إظْهارٌ لِمَزِيدِ الرَّغْبَةِ فِيما تَضَمَّنَتْهُ الجُمْلَةُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿هاتَيْنِ﴾ إيماءٌ إلى أنَّهُ كانَتْ لَهُ بَناتٌ أُخَرُ غَيْرُهُما، وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّ لَهُما أرْبَعَ أخَواتٍ صِغارٍ، وقالَ البِقاعِيُّ: إنَّ لَهُ سَبْعَ بَناتٍ كَما في التَّوْراةِ وقَدْ قَدَّمْنا نَقْلَ ذَلِكَ. وفي الكَشّافِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلى ذَلِكَ.
واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى ما ذُكِرَ إذْ يَكْفِي في الحاجَةِ إلى الإشارَةِ عَدَمُ عِلْمِ المُخاطَبِ بِأنَّهُ ما كانَتْ لَهُ غَيْرُهُما. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ عَلى هَذا تَكْفِي الإضافَةُ العَهْدِيَّةُ ولا يُحْتاجُ إلى الإشارَةِ فَهَذا يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ لِلْمُخاطَبِ عِلْمٌ بِغَيْرِهِما مَعْهُودٌ عِنْدَهُ أيْضًا، وإنَّما الإشارَةُ لِدَفْعِ إرادَةِ غَيْرِهِما مِنِ ابْنَتَيْهِ الأُخْرَيَيْنِ المَعْلُومَتَيْنِ لَهُ مِن بَيْنِهِنَّ ونَعَمْ ما قالَ الخَفاجِيُّ لا وجْهَ لِلْمُشاحَّةِ في ذَلِكَ فَإنَّ مِثْلَهُ زَهْرَةٌ لا يَحْتَمِلُ الفَرْكَ.
وقَرَأ ورْشٌ وأحْمَدُ بْنُ مُوسى عَنْ أبِي عَمْرٍو «أنْكِحُكَ احْدى» بِحَذْفِ الهَمْزَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى أنْ تَأْجُرَنِي﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن مَفْعُولِ ﴿أُنْكِحَكَ﴾ أيْ مَشْرُوطًا عَلَيْكَ أوْ واجِبًا أوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِن فاعِلِهِ قالَهُ أبُو البَقاءِ، وتَأْجُرُنِي مِن أجَرْتُهُ كُنْتُ لَهُ أجِيرًا كَقَوْلِكَ: أبَوْتُهُ كُنْتَ لَهُ أبًا، وهو بِهَذا المَعْنى يَتَعَدّى إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثَمانِيَ حِجَجٍ﴾ ظَرْفٌ لَهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَأْجُرُنِي بِمَعْنى تُثِيبُنِي مِن أجَرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى ما فَعَلَ أيْ أثابَهُ فَيَتَعَدّى إلى اثْنَيْنِ ثانِيهِما هُنا ثَمانِيَ حِجَجٍ. والكَلامُ عَلى حَذْفِ المُضافِ وإقامَةِ المُضافِ إلَيْهِ مَقامَهُ أيْ تُثِيبُنِي رَعِيَّةَ ثَمانِي حِجَجٍ أيْ تَجْعَلُها ثَوابِي وأجْرِي عَلى الإنْكاحِ ويَعْنِي بِذَلِكَ المَهْرَ.
وجُوِّزَ عَلى هَذا المَعْنى أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِتَأْجُرَنِي أيْضًا بِحَذْفِ المَفْعُولِ أيْ تُعَوِّضُنِي خِدْمَتَكَ أوْ عَمَلَكَ في ثَمانِي حِجَجٍ، ونُقِلَ عَنِ المُبَرِّدِ أنَّهُ يُقالُ: أجَّرَتْ دارِي ومَمْلُوكِي غَيْرُ مَمْدُودٍ وآجَرْتُ مَمْدُودًا، والأوَّلُ أكْثَرُ فَعَلى هَذا يَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ، والمَفْعُولُ الثّانِي مَحْذُوفٌ، والمَعْنى عَلى أنْ تَأْجُرَنِي نَفْسَكَ، وقَدْ يَتَعَدّى إلى واحِدٍ بِنَفْسِهِ، والثّانِي بِمَن فَيُقالُ: أجَّرْتُ الدّارَ مِن عَمْرٍو، وظاهِرُ كَلامِ الأكْثَرِينَ أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ آجَرَ بِالمَدِّ (p-68)وأجَّرَ بِدُونِهِ، وقالَ الرّاغِبُ: يُقالُ أجَّرْتُ زَيْدًا إذا اعْتُبِرَ فِعْلُ أحَدِهِما، ويُقالُ: آجَرْتُهُ إذا اعْتُبِرَ فِعْلاهُما وكِلاهُما يَرْجِعانِ إلى مَعْنًى، ويُقالُ كَما في القامُوسِ أجَرْتُهُ أجْرًا وآجَرْتُهُ إيجارًا ومُؤاجَرَةً.
وفِي تُحْفَةِ المُحْتاجِ آجَرَهُ بِالمَدِّ إيجارًا وبِالقَصْرِ يَأْجِرُهُ بِكَسْرِ الجِيمِ وضَمِّها أجْرًا، وفِيها أنَّ الإجارَةَ بِتَثْلِيثِ الهَمْزَةِ والكَسْرُ أفْصَحُ لُغَةً اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ ثُمَّ اشْتُهِرَتْ في العَقْدِ، والحِجَجُ جَمْعُ حِجَّةٍ بِالكَسْرِ السَّنَةُ ﴿فَإنْ أتْمَمْتَ عَشْرًا﴾ في الخِدْمَةِ والعَمَلِ ﴿فَمِن عِنْدِكَ﴾ أيْ فَهو مِن عِنْدِكَ مِن طَرِيقِ التَّفَضُّلِ لا مِن عِنْدِي بِطَرِيقِ الإلْزامِ ﴿وما أُرِيدُ أنْ أشُقَّ عَلَيْكَ﴾ بِإلْزامِ إتْمامِ العَشْرِ والمُناقَشَةِ في مُراعاةِ الأوْقاتِ واسْتِيفاءِ الأعْمالِ، واشْتِقاقُ المَشَقَّةِ وهي ما يَصْعُبُ تَحَمُّلُهُ مِنَ الشَّقِّ بِفَتْحِ الشِّينِ وهو فَصْلُ الشَّيْءِ إلى شَقَّيْنِ فَإنَّ ما يَصْعُبُ عَلَيْكَ يَشُقُّ عَلَيْكَ رَأْيُكَ في أمْرِهِ لِتَرَدُّدِهِ في تَحَمُّلِهِ وعَدَمِهِ ﴿سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ في حُسْنِ المُعامَلَةِ ولِينِ الجانِبِ والوَفاءِ بِالعَهْدِ ومُرادُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالِاسْتِثْناءِ التَّبَرُّكُ بِهِ وتَفْوِيضُ أمْرِهِ إلى تَوْفِيقِهِ تَعالى لا تَعْلِيقُ صَلاحِهِ بِمَشِيئَتِهِ سُبْحانَهُ بِمَعْنى أنَّهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى اسْتَعْمَلَ الصَّلاحَ وإنْ شاءَ عَزَّ وجَلَّ اسْتَعْمَلَ خِلافَهُ لِأنَّهُ لا يُناسِبُ المَقامَ.
وقِيلَ: لِأنَّ صَلاحَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُتَحَقِّقٌ فَلا مَعْنى لِلتَّعْلِيقِ، ونَحْوُهُ قَوْلُ الشّافِعِيِّ: أنا مُؤْمِنٌ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى
{"ayah":"قَالَ إِنِّیۤ أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَیَّ هَـٰتَیۡنِ عَلَىٰۤ أَن تَأۡجُرَنِی ثَمَـٰنِیَ حِجَجࣲۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرࣰا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق