الباحث القرآني

﴿قالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ بِوَكْزٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ القَتْلُ ﴿فاغْفِرْ لِي﴾ ذَنْبِي وإنَّما قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ ما قالَ لِأنَّهُ فَعَلَ ما لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِهِ ولَيْسَ مِن سُنَنِ آبائِهِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ في مِثْلِ هَذِهِ الحادِثَةِ الَّتِي شاهَدَها وقَدْ أفْضى إلى قَتْلِ نَفْسٍ لَمْ يُشْرَعْ في شَرِيعَةٍ مِنَ الشَّرائِعِ قَتْلُها، ولا يُشْكِلُ ذَلِكَ عَلى القَوْلِ بِأنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مَعْصُومُونَ عَنِ الكَبائِرِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وقَبْلَها لِأنَّ أصْلَ الوَكْزِ مِنَ الصَّغائِرِ، وما وقَعَ مِنَ القَتْلِ كانَ خَطَأً كَما قالَهُ كَعْبٌ وغَيْرُهُ، والخَطَأُ وإنْ كانَ لا يَخْلُو عَنِ الإثْمِ، ولِذا شُرِعَتْ فِيهِ الكَفّارَةُ إلّا أنَّهُ صَغِيرَةٌ أيْضًا بَلْ قِيلَ: لا يُشْكِلُ أيْضًا عَلى القَوْلِ بِعِصْمَتِهِمْ عَنِ الكَبائِرِ والصَّغائِرِ مُطْلَقًا لِجَوازِ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ رَأى أنَّ في الوَكْزِ دَفْعَ ظالِمٍ عَنْ مَظْلُومٍ فَفَعَلَهُ غَيْرَ قاصِدٍ بِهِ القَتْلَ، وإنَّما وقَعَ مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ لا عَنْ قَصْدٍ وكَوْنُ الخَطَأِ لا يَخْلُو عَنْ إثْمٍ في شَرائِعِ الأنْبِياءِ المُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ كَما في شَرِيعَةِ نَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَيْرَ مَعْلُومٍ وكَذا مَشْرُوعِيَّةُ الكَفّارَةِ فِيهِ وكَأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ أنْ وقَعَ مِنهُ ما وقَعَ تَأمَّلَ فَظَهَرَ لَهُ إمْكانُ الدَّفْعِ بِغَيْرِ الوَكْزِ وأنَّهُ لَمْ يَتَثَبَّتْ في رَأْيِهِ لِما (p-55)اعْتَراهُ مِنَ الغَضَبِ فَعَلِمَ أنَّهُ فَعَلَ خِلافَ الأوْلى بِالنِّسْبَةِ إلى أمْثالِهِ فَقالَ ما قالَ عَلى عادَةِ المُقَرَّبِينَ في اسْتِعْظامِهِمْ خِلافَ الأوْلى، ثُمَّ إنَّ هَذا الفِعْلَ وقَعَ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ كَما هو ظاهِرُ قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنْهُ في سُورَةِ الشُّعَراءِ: ﴿فَفَرَرْتُ مِنكم لَمّا خِفْتُكم فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ وبِذَلِكَ قالَ النِّقّاشُ وغَيْرُهُ ورُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ إذْ ذاكَ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ومَن فَسَّرَ الِاسْتِواءَ بِبُلُوغِ أرْبَعِينَ سَنَةً وجَعَلَ ما ذُكِرَ بَعْدَ بُلُوغِ الأشُدِّ والِاسْتِواءِ وإيتاءِ الحُكْمِ والعِلْمِ بِالمَعْنى الَّذِي لا يَقْتَضِي النُّبُوَّةَ يَلْزَمُهُ أنْ يَقُولَ كانَ عَلَيْهِ السَّلامُ إذْ ذاكَ ابْنَ أرْبَعِينَ سَنَةً أوْ ما فَوْقَها بِقَلِيلٍ. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ إنِّي عَرَّضْتُها لِلتَّلَفِ بِقَتْلِ هَذا الكافِرِ إذْ لَوْ عَرَفَ فِرْعَوْنُ ذَلِكَ لَقَتَلَنِي بِهِ وأرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿فاغْفِرْ لِي﴾ فاسْتُرْ عَلَيَّ ذَلِكَ، وجَعَلَهُ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ لِما فِيهِ مِنَ الوُقُوعِ في الوَسْوَسَةِ وتَرَقُّبِ المَحْذُورِ، ولا يَخْفى ما فِيهِ، ويَأْبى عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ وتَرْتِيبُ غَفَرَ عَلى ما قَبْلَهُ بِالفاءِ يُشْعِرُ بِأنَّ المُرادَ غَفَرَ لَهُ لِاسْتِغْفارِهِ وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ﴾ إلَخْ كالتَّعْلِيلِ لِلْعَلِيَّةِ أيْ إنَّهُ تَعالى هو المُبالِغُ في مَغْفِرَةِ ذُنُوبِ عِبادِهِ ورَحْمَتِهِمْ، ولِذا كانَ اسْتِغْفارُهُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ لَهُ وتَوْسِيطُ قالَ بَيْنَ كَلامَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِما بَيْنَهُما مِنَ المُخالَفَةِ مِن حَيْثُ إنَّ الثّانِي مُناجاةٌ ودُعاءٌ بِخِلافِ الأوَّلِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب